العقد كمصدر من مصادر القانون التجاري ..
د. ايهاب عمرو
القبة نيوز- تختلف التشريعات التجارية، خصوصاً في المنطقة العربية، في تناولها لموضوعة مصادر القانون التجاري. ويقصد بمصادر القانون التجاري تلك المصادر التي يستقي منها القاضي حكمه بصدد واقعة معينة أو وقائع قانونية ومادية معينة تعرض عليه أثناء نظر منازعة تجارية. وتتنوع تلك المصادر بين مصادر رسمية سواء كانت أصلية كالشريعة الإسلامية الغراء والتشريعات التجارية أو احتياطية كالعرف والعادات الاتفاقية، ومصادر استرشادية "استئناسية" كأحكام القضاء وآراء الفقهاء. ومؤدى ذلك قيام معظم التشريعات العربية باعتماد التشريعات "القوانين" التجارية كمصدر رسمي وأصلي للقانون التجاري، بجانب المصادر الأخرى سالفة الذكر. ويشذ عن تلك القاعدة بعض القوانين التي تعتمد العقد كمصدر أصلي وأول للقانون التجاري. وحريٌ بنا هنا تناول هذا الموضوع لأهميته في الواقع العملي، خصوصاً في ظل التطورات الهائلة في الحقل القانوني عموماً، وتلك المتعلقة بالمعاملات التجارية والعقود التجارية بالخصوص.
فمن جانب، تنص معظم القوانين العربية على أن الشريع التجاري يعد المصدر الرسمي (الأصلي) الأول للقانون التجاري، ومن تلك القوانين قانون التجارة الأردني لسنة 1966 (ساري المفعول في دولة فلسطين أيضاً) الذي اعتبر في المادتين الثانية والثالثة منه أن قانون التجارة والتشريعات المكملة له تعد المصدر الأول للقانون التجاري. وفي المملكة العربية السعودية، تعتبر أحكام الشريعة الإسلامية الغراء بمثابة المصدر الأول للنظام (القانون) التجاري وللأنظمة (القوانين) بشكل عام، على الرغم من عدم الإشارة إلى ترتيب مصادر القانون التجاري بشكل واضح في النظام التجاري "نظام المحكمة التجارية" السعودي لسنة 1350 هـــ الموافق 1931م والذي يعد بمثابة القانون التجاري في السعودية. غير أنه يمكن استنباط ذلك من خلال نص المادة السابعة من النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية (الدستور) لسنة 1412هـــ الموافق 1992م والتي تنص على أنه: "يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة". كما نصت المادة (1) من نظام المرافعات الشرعية السعودي لسنة 1435هـــ الموافق 2013م على ما يلي: "تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية، وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة، وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة، وتتقيد في إجراءات نظرها بما ورد في هذا النظام".
ومعلوم بالضرورة أن نظام المحكمة التجارية سالف الذكر قد تم سَنُّه بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية الغراء شأنه شأن سائر الأنظمة سارية المفعول في المملكة العربية السعودية، وذلك استناداً إلى السياسة الشرعية التي تعد أساس مبدأ المشروعية في النظام القانوني السعودي، مما يعني أن الرجوع إلى التشريع التجاري كمصدر للقانون التجاري من قبل القاضي للفصل في المنازعات التجارية التفصيلية إنما يتوافق مع ما جاءت به أحكام الشريعة الغراء كمصدر أول للتشريع من قواعد عامة ومبادئ كلية ذات علاقة بتنظيم المسائل التجارية، منها على سبيل المثال مبدأ حرية الإثبات في المعاملات التجارية، ومبدأ الوفاء بالعقود.
وعلى النقيض من ذلك، تنص بعض القوانين العربية التي تنظم الأعمال التجارية بأنواعها على أن العقد يعد المصدر الأول للقانون التجاري، تأسيساً على قاعدة قانونية مفادها أن العقد شريعة المتعاقدين، وذلك كون أن المعاملات التجارية تحكمها قواعد وأعراف تختلف عن تلك التي تحكم المعاملات المدنية، من تلك القوانين على سبيل المثال قانون التجارة العماني لسنة 1990، حيث تنص المادة (4) منه على أنه "إذا لم يوجد عقد أو وجد وسكت عن الحكم، أو كان الحكم في العقد باطلاً، سرت النصوص التشريعية التي يتضمنها هذا القانون والقوانين الأخرى، على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص". ويلاحظ أن القانون التجاري العماني قد جعل من الشريعة الإسلامية الغراء مصدراً رابعاً بعد العقد، والتشريع التجاري، والعرف، على الرغم من الأحكام والمبادئ الشاملة والهامة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية الغراء بخصوص المعاملات التجارية، منها مبدأ حرية الإثبات في المعاملات التجارية، كما أسلفنا، حيث نصت المادة (5) من القانون التجاري العماني على: "إذا لم يوجد نص تشريعي، سرت قواعد العرف، ويقدم العرف الخاص أو المحلي على العرف العام، فإذا لم يوجد عرف، طبقت أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، ثم قواعد العدالة".
وبعيداً عن فلسفة ومرامي السياسة التشريعية ذات العلاقة، يمكن القول دون أدنى شك أن اعتبار العقد كمصدر أصلي وأول للتشريع التجاري لا يعد أمراً محبذا، خصوصاً في ظل ظهور أنواع جديدة من العقود التجارية التي تحمل في طياتها معنى "عقد الإذعان" مثل العقود التي تبرم بين المستهلكين والتجار، مايجعل المستهلك بمثابة الطرف الأضعف في مواجهة التاجر، كون أن القاضي العماني سوف يعتمد على العقد المبرم بين الأطراف ابتداء. وهذا عيب تشريعي ينبغي تداركه في أقرب فرصة حماية لمصالح الطرف الأضعف في العقد، ونقصد المستهلك، أو في غيره من العقود التجارية ذات العلاقة، خصوصاً بعد شيوع استخدام التجارة الإلكترونية، ما يشمل عقود التجارة الإلكترونية. ناهيك عن إغفال قانون التجارة العماني الإشارة إلى القانون المدني كمصدر للقانون التجاري، والذي يعد بمثابة القواعد العامة التي يتعين على القاضي اللجوء إليها في حالة عدم وجود حكم للمسألة في التشريع التجاري، كما تنص عليه بعض القوانين العربية كقانون التجارة الأردني سالف الذكر.
القبة نيوز- تختلف التشريعات التجارية، خصوصاً في المنطقة العربية، في تناولها لموضوعة مصادر القانون التجاري. ويقصد بمصادر القانون التجاري تلك المصادر التي يستقي منها القاضي حكمه بصدد واقعة معينة أو وقائع قانونية ومادية معينة تعرض عليه أثناء نظر منازعة تجارية. وتتنوع تلك المصادر بين مصادر رسمية سواء كانت أصلية كالشريعة الإسلامية الغراء والتشريعات التجارية أو احتياطية كالعرف والعادات الاتفاقية، ومصادر استرشادية "استئناسية" كأحكام القضاء وآراء الفقهاء. ومؤدى ذلك قيام معظم التشريعات العربية باعتماد التشريعات "القوانين" التجارية كمصدر رسمي وأصلي للقانون التجاري، بجانب المصادر الأخرى سالفة الذكر. ويشذ عن تلك القاعدة بعض القوانين التي تعتمد العقد كمصدر أصلي وأول للقانون التجاري. وحريٌ بنا هنا تناول هذا الموضوع لأهميته في الواقع العملي، خصوصاً في ظل التطورات الهائلة في الحقل القانوني عموماً، وتلك المتعلقة بالمعاملات التجارية والعقود التجارية بالخصوص.
فمن جانب، تنص معظم القوانين العربية على أن الشريع التجاري يعد المصدر الرسمي (الأصلي) الأول للقانون التجاري، ومن تلك القوانين قانون التجارة الأردني لسنة 1966 (ساري المفعول في دولة فلسطين أيضاً) الذي اعتبر في المادتين الثانية والثالثة منه أن قانون التجارة والتشريعات المكملة له تعد المصدر الأول للقانون التجاري. وفي المملكة العربية السعودية، تعتبر أحكام الشريعة الإسلامية الغراء بمثابة المصدر الأول للنظام (القانون) التجاري وللأنظمة (القوانين) بشكل عام، على الرغم من عدم الإشارة إلى ترتيب مصادر القانون التجاري بشكل واضح في النظام التجاري "نظام المحكمة التجارية" السعودي لسنة 1350 هـــ الموافق 1931م والذي يعد بمثابة القانون التجاري في السعودية. غير أنه يمكن استنباط ذلك من خلال نص المادة السابعة من النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية (الدستور) لسنة 1412هـــ الموافق 1992م والتي تنص على أنه: "يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة". كما نصت المادة (1) من نظام المرافعات الشرعية السعودي لسنة 1435هـــ الموافق 2013م على ما يلي: "تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية، وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة، وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة، وتتقيد في إجراءات نظرها بما ورد في هذا النظام".
ومعلوم بالضرورة أن نظام المحكمة التجارية سالف الذكر قد تم سَنُّه بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية الغراء شأنه شأن سائر الأنظمة سارية المفعول في المملكة العربية السعودية، وذلك استناداً إلى السياسة الشرعية التي تعد أساس مبدأ المشروعية في النظام القانوني السعودي، مما يعني أن الرجوع إلى التشريع التجاري كمصدر للقانون التجاري من قبل القاضي للفصل في المنازعات التجارية التفصيلية إنما يتوافق مع ما جاءت به أحكام الشريعة الغراء كمصدر أول للتشريع من قواعد عامة ومبادئ كلية ذات علاقة بتنظيم المسائل التجارية، منها على سبيل المثال مبدأ حرية الإثبات في المعاملات التجارية، ومبدأ الوفاء بالعقود.
وعلى النقيض من ذلك، تنص بعض القوانين العربية التي تنظم الأعمال التجارية بأنواعها على أن العقد يعد المصدر الأول للقانون التجاري، تأسيساً على قاعدة قانونية مفادها أن العقد شريعة المتعاقدين، وذلك كون أن المعاملات التجارية تحكمها قواعد وأعراف تختلف عن تلك التي تحكم المعاملات المدنية، من تلك القوانين على سبيل المثال قانون التجارة العماني لسنة 1990، حيث تنص المادة (4) منه على أنه "إذا لم يوجد عقد أو وجد وسكت عن الحكم، أو كان الحكم في العقد باطلاً، سرت النصوص التشريعية التي يتضمنها هذا القانون والقوانين الأخرى، على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص". ويلاحظ أن القانون التجاري العماني قد جعل من الشريعة الإسلامية الغراء مصدراً رابعاً بعد العقد، والتشريع التجاري، والعرف، على الرغم من الأحكام والمبادئ الشاملة والهامة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية الغراء بخصوص المعاملات التجارية، منها مبدأ حرية الإثبات في المعاملات التجارية، كما أسلفنا، حيث نصت المادة (5) من القانون التجاري العماني على: "إذا لم يوجد نص تشريعي، سرت قواعد العرف، ويقدم العرف الخاص أو المحلي على العرف العام، فإذا لم يوجد عرف، طبقت أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، ثم قواعد العدالة".
وبعيداً عن فلسفة ومرامي السياسة التشريعية ذات العلاقة، يمكن القول دون أدنى شك أن اعتبار العقد كمصدر أصلي وأول للتشريع التجاري لا يعد أمراً محبذا، خصوصاً في ظل ظهور أنواع جديدة من العقود التجارية التي تحمل في طياتها معنى "عقد الإذعان" مثل العقود التي تبرم بين المستهلكين والتجار، مايجعل المستهلك بمثابة الطرف الأضعف في مواجهة التاجر، كون أن القاضي العماني سوف يعتمد على العقد المبرم بين الأطراف ابتداء. وهذا عيب تشريعي ينبغي تداركه في أقرب فرصة حماية لمصالح الطرف الأضعف في العقد، ونقصد المستهلك، أو في غيره من العقود التجارية ذات العلاقة، خصوصاً بعد شيوع استخدام التجارة الإلكترونية، ما يشمل عقود التجارة الإلكترونية. ناهيك عن إغفال قانون التجارة العماني الإشارة إلى القانون المدني كمصدر للقانون التجاري، والذي يعد بمثابة القواعد العامة التي يتعين على القاضي اللجوء إليها في حالة عدم وجود حكم للمسألة في التشريع التجاري، كما تنص عليه بعض القوانين العربية كقانون التجارة الأردني سالف الذكر.