المتغيرات العالمية المعاصرة وأثرها في تكوين المعلم
الدكتورة نجلاء صالح - مصر
الـقبة نيوز - تتمثل المتغيرات العالمية التي تشكل العالم المعاصر في خمسة متغيرات رئيسة: معرفية ومعلوماتية واقتصادية وسياسية وثقافية، ويتضمن كل تغير منها جدلاً علمياً وأيديولوجياً، بل ويؤثر كل منها في الآخر، لتشكل في النهاية البيئة المحيطة بالنظام التعليمي، وتفرض هذه المتغيرات آثاراً ومضامين عميقة وعديدة ذات صلة بالنظام التعليمي ومكوناته وعناصره، ومن أبرز هذه الآثار: البحث والتطوير، والمعلوماتية، والتنافسية الاقتصادية، والديمقراطية والمواطنة ، والمعيارية والتعددية الثقافية، وهي آثار وتحديات تمس عناصر العملية التعليمية، والتي من أهمها "المعلم" ، حيث تؤثر في تكوين المعلم وإعداده معرفياً ومعلوماتياً ومهنياً وسياسياً وثقافياً .
وهذه المتغيرات تستلزم سرعة التحرك في التعامل معها، وإدخال تعديلات تربوية جوهرية في تكوين المعلم على مستوى الأهداف والخطط والبرامج والممارسات والوسائل، وتوجيهها لإعداد معلم المعرفة والمعلم الباحث، والمعلم الرقمي، والمعلم الخصوصي والمعلم التنافسي، والمعلم الديمقراطي، ومعلم المواطنة والمعلم العصري والمتعدد الثقافات، ومتابعة التدريب وإعادة التدريب لمن هم على رأس العمل، وتطوير كليات التربية ومؤسسات إعداد المعلم والاستفادة في ذلك من التطبيقات والتجارب العالمية الناجحة على مستوى مؤسسات التعليم العالي .
إن المتأمل في المتغيرات العالمية المعاصرة التي تحدث في حياتنا اليوم يتبين له أنها أكثر من مجرد أزمات طارئة تنتهي بدخول العالم القرن الحادي والعشرين أو بإحداث تعديلات طفيفة لا تذكر على سلوكياتنا ومهاراتنا اليومية ، بل إنها تشير إلى انبثاق عصر جديد فكراً ومفهوماً وتطبيقاً . فالعلم يتطور خلال لحظات، والقيمة المضافة الناتجة عن تطبيقاته زادت من عمليات ابتكاره واحتكاره وتقادمه، وكل يوم تظهر علوم وتخصصات جديدة وغير معروفة من قبل، والتوجه المستقبلي لها يتمركز في التخصصات "البينية" وفي إيجاد مداخل بحثية تحتوي هذه الفروع ،
أما المعلوماتية فتتميز بالسيطرة والتفاعل والتواصل الزمني والمكاني، مما زاد من توظيفها في العملية التعليمية والتعلّمية. أما متغيرات العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية فربطت العالمي بالمحلي، وجعلت العالم قرية كونية صغيرة تتبادل التأثيرات والأحداث والتطورات في كافة المجالات ، والتي على الإنسان العالمي أن يتعلّم العيش في هذه القرية العالمية بما تستلزم من قيم واتجاهات وسلوكيات تؤهله لمعرفة الآخرين والتعامل معهم واحترام خصوصياتهم الثقافية، وأن يتعلّم ليعمل في ظل تزايد التكتلات الاقتصادية والاندماجات والمواصفات العالمية واتفاقيات منظمة التجارة العالمية ،
وفي ظل تزايد ارتباط اقتصاديات الدول، وتزايد انتقال السلع والخدمات والعمالة ورؤوس الأموال والاستثمارات فيما بينها، واشتداد المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية بحيث يصبح البقاء للأصلح والأجود والأقل تكلفة في نفس الوقت، كما عليه أن يتعلّم كيف يشارك في بناء المجتمع المدني على أسس الديمقراطية والمواطنة والحوار الإيجابي والتعددية الثقافية، وبناء السلام والتعاون الدوليين ، في ظل تزايد الاعتماد المتبادل . ويعتبر النظام التعليمي شديد التأثير والتأثر بالمتغيرات العالمية المحيطة، وحيث أن المعلم حجر الزاوية في العملية التعليمية، وأحد أبرز عناصر النظام التعليمي، فإن الأدوار التي يقوم بها والوسائل والطرق التي يستخدمها سوف تتأثر تبعاً لذلك، مما يستوجب تحديد هذه المتغيرات، ومدى تأثيرها في تكوين المعلم، ومن ثم اقتراح البرامج اللازمة لتمكين المعلم من التفاعل الجاد مع هذه المتغيرات .