عندما يسرق التراب سعة السدود.. نداء قبل "داهم" الغيث

​تشير الدراسات والتقارير الميدانية إلى أن ظاهرة "التطمي" (تراكم الرسوبيات والتراب) أصبحت تشكل تحدياً استراتيجياً يهدد كفاءة منظومتنا المائية. فالجرف القاري وانجراف التربة بفعل السيول القوية يؤديان سنوياً إلى دخول كميات هائلة من الأتربة والحجارة إلى ملاذ السدود، مما يقلص سعتها التخزينية الفعلية ويحرمنا من حصاد مائي نحن بأمس الحاجة إليه.

​إن بقاء السدود دون عمليات تنظيف وصيانة دورية يعني أننا، وبمرور الزمن، سنقف أمام "سدود من تراب" لا تستوعب إلا نزراً يسيراً من مياه الأمطار؛ مما يؤدي إلى ضياع هذه الثروة هدراً فوق المفيض، أو زيادة الضغط الهيدروليكي على جسم السد بشكل غير محسوب هندسياً.

​لماذا الجرف "قبل" الشتاء؟

​

إن المطالبة بجرف التراب وتنظيف أحواض السدود ليست نوعاً من الترف، بل هي ضرورة أمنية ومائية بامتياز، وذلك لاعتبارات جوهرية أبرزها:

​

استعادة السعة التصميمية: إزالة الطمي تعني توفير مساحة أكبر لتخزين كل قطرة مطر ترفد موازنتنا المائية.

​

سلامة المنشأة الاستراتيجية: تراكم الرسوبيات قد يؤدي إلى انسداد مخارج المياه (المآخذ) أو التأثير على كفاءة البوابات، مما يشكل خطراً حقيقياً عند الحاجة لتفريغ السد في حالات الطوارئ.

​

جودة الثروة المائية: الطمي المتراكم غالباً ما يحمل مواداً عضوية تؤثر سلباً على نوعية المياه المخزنة واستخداماتها، سواء للزراعة أو الشرب.

​

نداء إلى صناع القرار

​

إن العمل في "وقت الرخاء" (فصلي الصيف والخريف) هو الضمانة الحقيقية لنجاح موسم الشتاء. إن استغلال تراجع مستويات المياه في السدود قبل هطول الأمطار لتنفيذ عمليات الجرف والتوسعة هو استثمار حقيقي في مستقبلنا.

​

ومن هنا، فإننا نتطلع إلى خطة وطنية شاملة، تتكاتف فيها الجهود وتشارك فيها القوات المسلحة الباسلة —بخبراتها الهندسية وكوادرها الفنية— جنباً إلى جنب مع وزارة المياه والري، لضمان جاهزية هذه الشرايين الحيوية.

​ختاماً..

​

الأمن المائي جزء لا يتجزأ من الأمن الوطني، والحفاظ على سعة سدودنا هو حماية لأجيالنا القادمة. ويبقى السؤال معلقاً بانتظار الفعل على أرض الواقع: هل سنشهد حملة وطنية لتطهير "شرايين" مياهنا من عوائق التراب قبل أن يداهمنا الغيث؟ الأمل كبير في استجابة سريعة، فالعمل هو المقياس الحقيقي للانتماء والحرص على مقدرات الوطن.

حفظ الله الاردن والهاشمين