الهناندة يكتب : الأردن وطن يصنع أبناؤه،وأبناؤه يصنعون مجده
بقلم: الأستاذ الدكتور فراس الهناندة – رئيس جامعة عجلون الوطنية
هناك لحظات في عمر الأوطان لا تُقاس بالوقت، بل بما تُشعله في النفوس من فخر، وما تفتحه في الأذهان من أسئلة كبرى حول المستقبل. ولعل فوز منتخب النشامى الأخير كان واحدة من تلك اللحظات التي كشفت مرة أخرى أن روح الأردن لا تُهزم، وأن أبناءه – من الميدان الرياضي إلى قاعات الجامعات – قادرون على صناعة الإنجاز حين يتوحد الهدف وتصدق الإرادة.
إن ما قدمه شباب المنتخب لم يكن مجرد مباراة تُربح أو تُخسر؛ بل كان درسًا وطنيًا مكتملًا في العزيمة. فعندما نُصغي إلى هتاف الجماهير ونرى اندفاع اللاعبين في كل كرة، ندرك أن هذا الجيل من الشباب يحمل شيئًا مختلفًا: يحمل وعيًا بالمسؤولية، وشعورًا بأن الأردن أكبر من الظروف، وأن الفوز الحقيقي هو أن تبقى راية الوطن عالية.
وهذا الوعي الوطني ليس وليد الملاعب فقط. فالشباب أنفسهم الذين أبهروا الملايين في المستطيل الأخضر، هم نسخة من شبابنا في الجامعات الأردنية، ومنهم طلبة جامعة عجلون الوطنية الذين يبدعون في مختبرات الحوسبة، ومشاريع الذكاء الاصطناعي، والبحث العلمي، والمناظرات، وريادة الأعمال. هؤلاء الشباب يُدركون أن المستقبل لا يُصنع بالعاطفة وحدها، بل بالعلم، والتحليل، والاستعداد لمنافسة عالم يتحرك بسرعة الضوء.
ومن ينظر إلى الأردن اليوم يدرك أن ما يجري ليس صدفة، بل نتيجة رؤية ملكية واضحة ورشيدة. فجلالة الملك عبد الله الثاني وضع الشباب في قلب مشروع الدولة modern state project، وفتح أمامهم أبوابًا لم تُفتح من قبل، بينما سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، ولي العهد، حول التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إلى لغة وطنية جديدة، لغة المستقبل التي يجب أن يتقنها كل شاب أردني ليكون جزءًا من التحول العالمي في الاقتصاد والبحث العلمي والدفاع والابتكار.
في هذا السياق، تصبح الجامعات الأردنية – ومنها جامعة عجلون الوطنية – جزءًا من منظومة وطنية متكاملة. فالجامعة اليوم ليست قاعات ومحاضرات فقط، بل ورشة وطنية لإنتاج المعرفة، ومصنعًا لصناعة الوعي، ومنصة لتمكين الشباب من تحويل أفكارهم إلى ابتكارات، ومهاراتهم إلى قيمة مضافة للوطن. وعندما نرى طلبتنا ينافسون عالميًا في علوم البيانات، والذكاء الاصطناعي، والتطوير البرمجي، فإننا ندرك أن الأردن قادر على أن يكون لاعبًا حقيقيًا في مستقبل الاقتصاد الرقمي، كما هو اليوم لاعب محترم ومهاب في ميادين الرياضة.
إن فوز المنتخب وتألق الشباب في الجامعات ليسا حدثين منفصلين، بل وجهان لحقيقة واحدة: أن الهوية الأردنية قائمة على التفوق. وأن هذا الوطن، الذي واجه التحديات منذ بداياته، سيظل قادرًا على العطاء طالما ظل شبابه يحملون عزيمته، ويجسدون مبادئ قيادته، ويبحثون في كل مجال عن مركز متقدم لا عن هامش.
نحن لا نحتفل بفوز رياضي فقط؛ بل نحتفل بجيل كامل يستعيد مكانته، ويُعيد تعريف دوره في وطن يحتاج إلى علمه وقوته وفكره وشجاعته. جيل يعرف تمامًا أن الذكاء الاصطناعي ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية، وأن الجامعات ليست مؤسسات تعليمية فقط، بل بوابات عبور نحو المستقبل، وأن المنتخب ليس فريقًا رياضيًا فحسب، بل مرآة لصلابتنا وقدرتنا على تخطي العقبات.
إن الأردن اليوم يعيش لحظة جديدة… لحظة يلتقي فيها الحماس الوطني مع الوعي العلمي، ويلتقي فيها الإنجاز الرياضي مع الرؤية الملكية، ويلتقي فيها الشباب مع مشروع الدولة الحديثة. وما دام هذا اللقاء قائمًا، وما دامت الراية بيد جيل يفهم وطنه بقدر ما يحبه، فإننا سنرى مزيدًا من الانتصارات، في الملاعب، وفي المختبرات، وفي أسواق التكنولوجيا، وفي كل مجال يرفع اسم الأردن عاليًا.
هذا هو الأردن الذي نؤمن به… وهذا هو الشباب الذي نعوّل عليه… وهذه هي اللحظة التي يجب أن نبني عليها لننتقل من فوز إلى نهضة، ومن إنجاز إلى إنجاز أكبر.















