المجالي : الحسين الباني... "مئذنة الكرامة" التي صدحت في وجه المستحيل
بقلم: المتقاعد العسكري- نضال أنور المجالي
في الرابع عشر من تشرين الثاني، لا يمر هذا التاريخ كأي يوم آخر في الذاكرة الأردنية، بل هو تاريخ ميلاد ملك وزعيم بنى وطناً وأمّة، إنه جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، طيّب الله ثراه. لم يكن الحسين مجرد حاكم، بل كان معماري الدولة الأردنية الحديثة، رجل الإرادة الذي حوّل التحديات إلى فرص، وجعل من هذا البلد الصغير نموذجاً للصمود والعزة، وكأنه "مئذنة الكرامة" التي صدحت بالحق والسيادة في وجه كل المستحيلات.
البناء في زمن الصعاب: سيادة بلا تنازل
تسلّم الحسين أمانة الحكم والوطن في طور التكوين، محاطاً بأعاصير سياسية واقتصادية لم تعرف الرحمة. لكنه اختار طريق السيادة الكاملة غير القابلة للمساومة، وكان القرار التاريخي بتعريب قيادة الجيش العربي عام 1956 هو حجر الزاوية الذي أعلن فيه الأردن ولادته الكاملة والمستقلة، مؤكداً أن قراره يصنعه أبناؤه.
منهج الحسين: كان منهجه يقوم على أن "الإنسان أغلى ما نملك". لذلك، كانت أولويته بناء القدرات الوطنية من خلال إطلاق التعليم الشامل والرعاية الصحية وتوسيع شبكة البنية التحتية، التي ربطت أطراف المملكة لتصبح جسداً واحداً متماسكاً.
ثقافة الصمود: علمنا الحسين أن القوة ليست في كثرة العدد أو الموارد، بل في الإيمان بالوطن والتمسك بالمبادئ. لقد قاد الحسين الأردن خلال أصعب المنعطفات بحكمة القائد وإخلاص الأب، فكانت كلمته سيفاً، وقراره بوصلة لا تحيد عن مصلحة الأمة.
الأب والقائد: مدرسة الوفاء والهاشمية
إن علاقة الحسين بشعبه تتجاوز العلاقة التقليدية بين الحاكم والمحكوم. لقد كان "الأب" الذي يُطمئن أبناءه في أصعب الأوقات، وكان القائد الذي يشاركهم الخبز والملح في كل مضاربهم. هذا الارتباط الوجداني العميق هو سرّ متانة الجبهة الداخلية الأردنية، التي أثبتت مراراً أنها الصخرة التي تتكسر عليها محاولات العبث بالوطن.
لقد زرع الحسين فينا عقيدة الأردن: أن نكون القدوة في الاعتدال، وأن نبقى السند القوي للأشقاء في قضايا الأمة، وفي مقدمتها قضية القدس والمقدسات، التي هي أمانة في أعناق الهاشميين.
استمرارية العهد: رؤية تجددت على يد عبد الله الثاني
اليوم، ونحن نستحضر سيرة الباني في ذكرى ميلاده، نرى أن إرثه قد أصبح خارطة طريق للمستقبل تحت قيادة سليل الهاشميين، جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين. يحمل الملك المعزز راية التحديث والتطوير، مستلهماً من سيرة والده العزيمة والإصرار على المضي قدماً نحو "الأردن الجديد".
إنّ استقرار الأردن ونهضته اليوم هو أصدق دليل على أن البناء الذي شيّده الحسين كان قوياً ومتيناً، وأنّ الإرث الهاشمي سيبقى هو الضمانة لوحدة الأمة وعزتها.
رحم الله الباني والقائد، الملك الحسين بن طلال، وأدام على الأردن نعمة الأمن والأمان في ظل قيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبد الله الثاني.
حفظ الله الاردن والهاشمين
الكاتب نضال انور المجالي














