اختلالات الداخل الامريكي والانعكاس داخلياً وخارجياً
القبة نيوز - بقلم الباحث في الشؤون السياسية والاقليمية لافي العمارين
منذ قيام اتحاد الولايات الامريكية عام 1776م واعلانها الاستقلال عن المملكة المتحدة، بدأ تشكل النظام السياسي الذي نص علية الدستور الاتحادي للولايات المنطوية تحت علم الدولة الجديدة، والذي يرتكز على مبادئ ديمقراطية داخليا مما اسهم في استقرار الداخل، وصب الاهتمام على بناء الدولة العظمى، وتخلل هذا الاستقرار الحرب الاهلية الامريكية عام 1861م، والتي شكلت تهديدا خطيرا لمصير هذا الاتحاد، واستمر العمل في بناء الدولة مؤسسياً وهو العامل الاصيل في ترسيخ النظام الديمقراطي، واستطاع النظام السياسي الامريكي الصعود الى العالمية وتسيد العالم بعد الحرب العالمية الثانية وتبعها انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م، وظهور نظام احادي القطبية الذي انفردت به الولايات المتحدة الامريكية، وسخرت كل امكاناتها العسكرية والاقتصادية والسياسية في توسيع دائرة تأثيرها وسيطرتها الخارجية بناءاً على عامل الاستقرار الداخلي لنظام السياسي
ان المتتبع لشؤون الداخلية الامريكية منذ اواخر العقد الماضي من هذا القرن، وخصوصا منذ الفترة الرئاسية الاولى لدونالد ترمب، يجد بأن هناك خلل ما يستجد على الساحة الامريكية الداخلية، وبدأ هذا الخلل يظهر للعلن بما قام به انصار الرئيس ترامب عام 2021م بالاعتداء على مبنى الكابيتول الامريكي احتجاجاً على فوز الرئيس جو بايدن، والذي اعتبر داخليا تعديا على النظام الديمقراطي ويحمل في طياته مؤشرات تنذر بما هو اسوأ بالنسبة لوحدة الكيان الداخلي، علاوة على خلل العملية الانتخابية وتزايد الخلافات حول التصويت الالكتروني، تبع ذلك التراجع الملحوظ في تأثير السياسة الخارجية الامريكية في عهد بايدن، وظهور بوادر العجز الحكومي في مواجهة الازمات الداخلية الناتجة عن الكوارث الطبيعية والازمات الاقتصادية الناتجة عن جائحة كورونا
في الفترة الرئاسية الحالية لترامب يتضح جليا الخروج عن المألوف في صناعة واتخاذ القرارات من حيث المؤسسية، وبدت السمة الشخصية المتأثرة بالعقيدة والمال تطغى على القدرة المؤسسية في اتخاذ القرار لا بل تجاوزتها في بعض القرارات، فالقرارات الاقتصادية الامريكية مؤخرا تجاه الصين ودول العالم تنم عن الاهواء لرجال الاعمال الامريكيين يرافقها ارتفاع وتيرة الازمات الداخلية للبلاد من مطالبات مجتمعية تنموية، شكلت دافعا لاتخاذ هذه القرارات بعيدا عن الدراسة الاستراتيجية، ويدلل على ذلك عدم قدرة الولايات المتحدة الامريكية على التنفيذ المباشر لقراراتها وخاصة فيما يخص الصين مما دفع ترامب للحوار مع الرئيس الصيني والتراجع عن بعض هذه القرارات مما يسهم مستقبلاً في تراجع النظرة العالمية لقوة القرارات الامريكية خارجياً
ان الطابع الانتخابي الامريكي مؤخرا ظهر شخصيا اكثر منه سياسيا، رافق ذلك اجراءات الحد من تدفق المهاجرين التعسفية واثارة الازمة مع المكسيك ودول امريكا اللاتينية، وتوالي الازمات الاجتماعية التي بدت علنا من خلال الصدامات التي تتصف بالطابع العنصري احياناً، والعجز الحكومي في التغلب على حل الازمات المالية لبعض والولايات، مما دفع بعضها بالدعوة للانفصال او الاستقلال الاقتصادي، لقد ساهم تراجع الاداء المؤسسي الامريكي في مواجهة صعوبات كثيرة اثناء مكافحة حرائق الغابات ومواجهة الفيضانات في تململ بعض الولايات من ادارة النظام السياسي الحالي، ان خلل الداخل الامريكي اجبر الرئيس ترامب على التصريح بان بلادة تتعرض لغزو من الداخل
ان ميل الرئاسة الحالية لاستخدام القوة واقحام الجيش الامريكي في مواجهة الاحتجاجات في لوس انجلوس بولاية كاليفورنيا ما هو الا استشعار بتصاعد موجة الغضب ضد السياسات الامريكية داخليا وخارجيا، فبدا واضحا ان المجتمع الامريكي المتقدم تكنولوجيا والمؤثراً بها عالمياً، اصبح يواجه ردة فعل عكسية في التأثر بالإعلام والتكنولوجياً الخارجية التي تعكس صورة سياسات امريكا خارجيا للجمهور الداخلي، فعلى الرغم من وجود لوبيات متجذرة في الداخل الامريكي اسهمت كثيرا ولمدى طويل في التأثير على السياسة الخارجية الامريكية ومنها اللوبي اليهودي، نلحظ في الفترة الانية تأثيرات اجتماعية اصبحت تناهض هذا اللوبي في العلن، وخير دليل المظاهرات في الجامعات الامريكية نصرة لغزة، والاحتجاجات المتفرقة التي تشكل جماعات ضغط على النظام الحالي والذي يصر على لغة التهديد في الداخل كطريقة لمعالجة التغييرات الاجتماعية
ان ما يدور في الاروقة الداخلية الامريكية وما تعانية الادارة الحالية، منعها من القدرة على منع او تقليل نسبة الاعتراف بدولة فلسطين في الجمعية العامة للامم المتحدة رغم تأثيرها كدولة عظمى عالميا، وامتلاكها حق النقض الفيتو في مجلس الامن، فما هذا الا ترجمة لسياسات الولايات المتحدة القائمة على الازدواجية في القانون الدولي، بالإضافة الى موقفها من الجنائية الدولية المخالف للأعراف الدولية جل هذه العوامل اسهمت في رفع الوعي الشعبي الداخلي للحقائق والواقع الذي يشرح السياسات الامريكية داخليا وخارجياً
الفجوة بدت تتسع اكثر فاكثر منذ بدء ترشح عمدة نيويورك الفائز حاليا المسلم زهران ممداني، فالعامل العقائدي اعلنه ترامب اثناء الحملة الدعائية وما سبق الانتخابات من تجاذبات حول التصريحات المتبادلة بين ممداني كممثل ديمقراطي والقائد الجمهوري ترامب، ما يفهم من فوز ممداني ان التوجهات المستقبلية له ستكون موقع صدام مع توجهات دونالد ترامب ان لم تكن في اطارها المؤسسي، وفي خضم تزايد عوامل تصدع الداخل الامريكي، تتباطئ سرعة تأثير السياسة الخارجية الامريكية خارجياً، فلم تستطيع امريكا منع الهند من التوجه في علاقات جديدة نحو الصين، وتفشل في عقد صفقة مع بوتين حول اوكرانيا، تتراجع في قراراتها مع الصين، لا زالت غير قادرة على ضمان امتثال اسرائيل لاتفاق غزة لابل تسهم في رسم ما يخدم مصالحها استراتيجياً في غزة، واصبح منطق القوة فقط هو ما تراه يحل مشاكلها الداخلية والخارجية وتجاوزاً للازمات الداخلية، واخرها التهديد لفنزويلا باستخدام القوة العسكرية، ونخلص الى القول أن مؤشرات الاختلالات وازدياد التصدع في منظومة الامبراطورية الامريكية في تزايد مستمر














