facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

رامي الجنيدي يكتب :جدلية التأدّب وتأديب النفس

رامي الجنيدي يكتب :جدلية التأدّب وتأديب النفس
بقلم : الكاتب رامي عبدالله الجنيدي 

حينما تصل إلى عمرٍ معيّن، تبلغ مرحلةً من الشَّبع بكلِّ شيء، وكأنّك في رحلة العمر الطويلة العميقة قد وصلت قبل الجميع إلى مرفأ الحياة، فلا تقبل بأنصاف الحلول.
وقد تُغريك جلسةٌ على قارعة الطريق مع رجلٍ ليس أكثر من وجوده في الحياة سوى أنه على دكّة الاحتياط، ورغم ذلك لديه من الحِكمة ما يكفي، ولديه المقدرة على إقناعك بما قاله الشاعر محمود درويش:

" على هذه الأرض ما يستحق الحياة".

وفي الوقت نفسه، لم تَعُد تغريك الجلسات غير البريئة التي تُظهِر سوء بواطنها، ناهيك عن تضخيم الذات والتحيّز نحو فئةٍ لا تُجيد إلّا نبش القبور، لتُدرك في لحظةٍ ما أنّك نائمٌ بين القبور.

إنّ الحياة المليئة بالتجارب العميقة تتيح لك ذات يوم، وبعد أن تبلغ مرحلة الإشباع الفكري والروحي، أن تمتلك بصيرةً نافذة، تجعلك ترى من يُوزّع في النهار الورود على القبور، وفي المساء يُوزّع الرصاص على الأعداء.

أتساءل: لماذا وصلنا إلى مرحلة القفز العشوائي والسقوط في أحضان العبث؟ ولماذا تحوّلنا إلى جثثٍ تجوب الطرقات، وتعوي، وتلتهم القبور، وكأنّنا مصّاصو دماء؟

تأدّب، أيّها الآدمي، فجميع البشر مثلك مخلوقون من طين؛ فلا تَنتقِص ممّن حولك، وممّن يعيشون معك، ويحاربون الفراغ معك.

تأدّب، أيّها الإنسان، حينما يعلو صراخك، وكأنّك باذخٌ في جنونك الكوني، جنون العظمة الذي لا يرى غير خرافاتك التي صنعتها في جدليات رأسك، تلك التي حوّلت كلّ هذا الجنون إلى حقدٍ دفين.
تأكّد أنّك لن تجني في رحلتك المحبّة.

تأدّب، وأدّب نفسك حينما تصل إلى مرحلةٍ لا تستطيع فيها العيش من دون أن تخلق لنفسك عدوًّا وهميًّا صنعته في مخيّلتك.
تأدّب، فأنت لست أكثر من طين.


تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير