المنجمون يتنافسون مع السياسيين على الشاشة
القبة نيوز - البرامج السياسية في المناطق الواسعة التي احتلتها منذ بداية الحرب، حتى حروب أوكرانيا وغزة، وسقوط النظام السوري والعديد من المشاهد التي احتلت عروش الإعلام والأخبار، تتراجع تدريجيا. ومع اقتراب نهاية العام، يتصدر المنجمون القراءة لعام جديد لا يعلم أسراره إلا الله تعالى.
شاشات التلفاز هي مقصدة هؤلاء لجذب جمهور كبير يتابع بشغف عرضهم للأحداث الماضية التي تنبأوا بوقوعها، وتقديم تفسير جديد للأحداث المتوقعة في الأيام المقبلة من العام الجديد.
بين انتقاد هذه البرامج وطريقة استخدامها للترفيه وجذب الناس، واعتبارها من جهة أخرى منصة للتسلية والترفيه لا تشكل ضررا فكريا، يختلف الناس في وجهات النظر، فالفئات الفكرية تنتقد هذه البرامج وتصفها بأنها تبيع الأوهام، وبعضهم يقاطعها بسبب معتقداته الدينية.
قال عبد الحميد فراج: "إن المنجمين الذين يعلنون النبوءات كاذبون، وزعمهم معرفة المستقبل من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل".
وأضاف: "ينبغي للمسلم أن يعلم أن الغيب لا يعلمه إلا الله، وأنه هو الذي ينفع ويضر، وأن الاعتقاد بأن غير الله من الإنس والجن وغيرهم له تأثير في معرفة الغيب، أو في كشف الضر والبلاء أو نفعه شرك بالله.
وترى أسماء خالد أن "ادعاء المنجمين معرفة الغيب نوع من الدجل، ولو كان بعض ذلك مصادفة". لأن عالم الغيب والشاهد هو الله عز وجل، والله عز وجل لا يكشف هذا الغيب إلا لمن يشاء، سواء كان رسولاً أو نبياً.
وتؤكد: "إن قول (كذب المنجمون ولو صدقوا) ليس حديثاً نبوياً، ولو صح معناه، ولكنه تحذير من الحكماء، مؤكداً أن المنجمين يكذبون ولو صادفوا الواقع.
اختتمت أسماء رأيها قائلة: "إن التنبؤ بالغيب والمستقبل يختلف عن علم الفلك الذي يعد من أهم العلوم التي اهتم بها علماء المسلمين الأوائل، فهو يتعلق بالأشياء الملموسة ولا يتعلق بالغيب، ويتعلق بقوانين الكون ورصد مواقع وحركات الأجرام السماوية كالشمس والقمر والكواكب والنجوم وتحديد مواعيد الصيام والحج والصلاة وغيرها من الأمور.
خطأ وسائل الإعلام
ينتقد منصور محمد بشدة وسائل الإعلام التي تستضيف مثل هؤلاء الأشخاص وتخلق لهم مساحات.
ويقول: عندما يعبر الصحفي عن إعجابه بكاهن وتوقعاته، فإنه يؤكد فكرة التنجيم بين عامة الناس.
ويؤكد أن وسائل الإعلام يجب أن تكون نوراً لعقول المجتمع المظلمة والجاهلة، في حين أن مثل هذه الطروحات تعزز سطحية وسذاجة الناس.
ويقول فوزي فاخوري: "المنجمون كذبوا ولو حدث ذلك". موضحاً إن أي عاقل لا يختزل علم الفلك في علوم أخرى كالطب والهندسة والكيمياء، فهو علم مستقل كغيره من العلوم، يدرس حركة الأجرام السماوية كظاهرة طبيعية وليس تأثيرها على الإنسان.
ويتابع: "لكن المؤسف أن القنوات الفضائية تمتلئ بأشخاص يدعون معرفة علم الفلك وتأثيرات حركة الكواكب على البشر، كالخير والشر والتفاؤل والتشاؤم وغيرها، مما يصيب الكثير من الناس بالإحباط وتعطل حياتهم اليومية، أو يصبحون متفائلين بشكل غير مبرر، ما يجعلهم مندفعين ويؤدي إلى أمور لن تكون عواقبها مقلقة بعد الآن. لقد فات الأوان".
بينما تتابع رفيدة عامر هذه البرامج وتؤكد أنها "تستمتع، ليس أكثر".
وتضيف: "قدمت ليلى عبد اللطيف حالة جعلت الناس يتساءلون عن أشخاص مثلها، لكن الكثير من المعطيات تشير لنا كمتابعين إلى أن هؤلاء الأشخاص قد يكونون أكثر من منجمين، أي أنهم يتبعون جهات معينة لا نعرف نواياها". ويرفض جميل نصار متابعة هؤلاء الأشخاص ويقول: "إنهم دجالون يبيعون الأوهام. "إنهم في الواقع بناة أبراج خيالية لم يسكنها أحد من قبل وتشتاق أحلام النفوس الضعيفة إلى اللجوء إليها".
على عكس ما أراده الله لخلقه من حرية الإرادة والقدرة على التمييز بين الأوساخ والشحوم.
حسين الخزاعي... الفضول ثم الفضول
يرى الدكتور حسين الخزاعي أستاذ علم الاجتماع أن هناك أسباباً نفسية واجتماعية وفلسفية عديدة تدفع الناس إلى التسرع لمعرفة توقعات العام الجديد، لكن الفضول
الإنسانية تأتي أولاً.
يقول الدكتور الخزاعي إن الإنسان فضولي بطبعه ويريد أن يعرف ماذا سيحدث في المستقبل، مشيراً إلى أن الفضول يمكن أن يكون دافعاً قوياً للبحث عن إجابات حول الغيب، حيث يعتقد الكثيرون أن معرفة المستقبل يمكن أن تكون مهمة جداً.
ويرى الدكتور خزاعي أن تسارع وتيرة الحياة وكونها أصبحت مليئة بالمفاجآت والتقلبات يضاعف رغبة الإنسان في معرفة الجديد، ويؤكد أن الإنسان يشعر غالباً بالحاجة إلى التحكم في المجهول، ومعرفة الخفي تمنحه الشعور بالقدرة على التنبؤ والتخطيط للمستقبل.
وعلى المستوى الاجتماعي، يقول الدكتور خزاعي إن بعض المجتمعات قد تعتبر البحث عن معرفة الخفي سلوكاً مقبولاً أو مرغوباً، مما يعزز رغبة الأفراد في التمسك بهذا السلوك، بينما ترفض المجتمعات والبيئات هذا السلوك وتضعه في مرتبة المحرمات.
ويقول خزاعي بشكل عام إن افتراض الإنسان يبقى هو الحكم على ما يراه أولاً وما يقتنع به ثانياً، والأهم من ذلك أن هناك مصادر أفضل للأمن الشخصي من تنبؤات المنجمين التي نوصي بها، والتي تقوي الأفراد والمجتمعات. بالعلم والعمل والثقافة والسلوكيات الحياتية الصحيحة من خلال دراسة معمقة للإنسان والمجتمع وأحواله المالية والصحية وكل ما يتعلق بمسيرة حياته.