الثقافة والقانون في الحرب على الإرهاب
نجحت الدولة في توفير بيئة قانونية للحرب على الارهاب، فالتشريعات موجودة والعقوبات رادعة والجهاز القضائي لا يعاني من اختلال في البيئة القانونية او الموارد البشرية، لكن المعاناة تكمن في عدم توافر بيئة ثقافية بالمعنى الواسع للحرب على الارهاب، بحيث تشمل المستوى الاجتماعي والثقافي والفكري والتربوي والفني، فهذه التكوينات لم نتمكن من لظمها في خَيط واحد على نظام المسبحة التي تمسك ميدنتها بباقي الحبات والحبل رغم توفر الميدنة، واعني المنظومة الامنية، التي نجحت وتسجل كل يوم نجاحا في الحرب على الارهاب والتصدي لشذاذ افاقه .
الغريب او الذي يستدعي الغرابة ويفرضها، حالة الرفض الاجتماعي الشعبي والنخبوي للارهاب وعصاباته وعجزها عن تشكيل او تخليق بيئة ثقافية تقود المجتمع للحرب على الارهاب، بدليل حالة التماسك الوطني التي تتشكل بعد كل محاولة ارهابية لزعزعة الامن الوطني وحجم الالتفاف حول المنظومة الامنية بعد كل مواجهة، ولا اظنها حالة نفاقية، بل هي حالة اصيلة لمجتمع عاش معظم عمره في عين العاصفة وهذا بالمناسبة يفرض توافقا وطنيا على الامن العام واتفاقا مجتمعيا على السلم الاهلي، فلماذا عجز كل هذا الرفض عن تشكيل حاضنة ثقافية لمواجهة الارهاب ؟
الاجابة السريعة لسؤال العجز، يكمن في اختلال المنهجية في الحرب على الارهاب وتوصيف الارهاب وتراتبية مواجهته والاسلحة المستخدمة في تلك المواجهة، فالتوصيف للارهاب على انه نتيجة وليس سببا يسهّل المواجهة، لان التطرف هو السبب، وعليه نحتاج الى البيئة الثقافية الحاضنة للحرب على الارهاب لمواجهة السبب وليس النتيجة اي لمواجهة التطرف، فالارهاب يحتاج الى مواجهة امنية على عكس التطرف الذي قد يزداد بالمقاربة الامنية وحدها، فالتحالف المجتمعي والامني في الحرب على الارهاب حقيقي وصادق ولكنه ينسي سبب الخطر او رأس الافعى وهذا الاختلال احد اسباب التطرف الذي يزداد على المستويين الاجتماعي والسياسي دون معالجة .
فالثقافة الاجتماعية تغذي التطرف بالتفريق الصارم بين الشاب والفتاة او “ الولد والبنت “ بالانحياز الى الولد طبعا، والاب اصبح سلطة قهرية في المنزل والام حالة ملتبسة من التوفيق بين السلطة وافراد المنزل او الشعب الصغير، واعرف ان الحوار مقطوع في معظم المنازل بين السلطة والشعب، وهذا انسحب على المجتمع الاوسع، المدرسة، التي يمارس فيها السلطة مجاميع المدرسين الذين يتحولون بدورهم الى شعب محكوم من الادارة المدرسية، ويمارسون سلطتهم من خلال منهاج تأخر عن حركة الزمن وسيرورة التاريخ، منهاج تلقيني يجعل من حضور المدرس في الحصة الصفية اقرب الى ملقن الموتى منه الى المعلم، وهذا افرز اخطر ظاهرة في التربية اليوم وهي ظاهرة المنهاج الخفي وهو المنهاج المكتوب في رأس المعلم وسلوكه وفكره، فعاش التطرف قي افضل بيئة ونما وترعرع معنا من الطفولة الى الشباب، محروسا بكل السلطات السابق ذكرها .
هنا واظن معظم جيلنا يعترف بأن الجامعة صقلت شخصيته واعادت ترسيم المساحات في دواخلنا، فكان جيلنا رغم تأخر وصول التكنولوجيا، اقل تطرفا من الجيل الحديث، والسبب ليس التكنولوجيا وحضورها، بل حجم الصدمة الحضارية التي يعيشها الشباب والاطفال، بين المعرفة المتوافرة بسلاسة بين يديه وبين الواقع الذي يعيشه، بين ما يراه هناك وبين ما يراه هنا، بين ما يسمعه وبين ما يتعلمه او يعرفه، فاتسعت الهوة وازداد الصدام النفسي وانتقل الى تطرف دون ادنى مراجعة للادوات المستخدمة والسلوك الناجم عنها، لذلك لم ننجح في تشكيل بيئة حاضنة للحرب على الارهاب رغم حجم الادانات الشديدة له، فنحن أغلقنا حنفية المياه لوقف التسرب والهدر ونسينا معالجة الثقب في الماسورة الرئيسة، ولنا تكملة .