facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

الشهرة الرقمية والأمراض العقلية رابط مخيف

الشهرة الرقمية والأمراض العقلية رابط مخيف
د. محمود أبو فروة الرجبي - تتجاوز تأثيرات منصات التواصل الاجتماعي قضية تضييع الوقت، والإدمان، وتقليل الإنتاجية، والبعد عن الحياة الحقيقية لصالح الافتراضية الرقمية إلى التعب النفسي، وعدم الارتياح، والشعور بالكآبة، والأهم من ذلك هو أن "شهوة الظهور” أو ما يمكن أن نطلق عليه "تحول الشخص العادي إلى "إعلامي” أصاب نسبة غير قليلة من الناس، وجعلهم يعيشون في قلق نفسي، وربما مشكلات عقلية تؤثر عليهم، وعلى الـمحيطين بهم.
قبل ظهور منصات التواصل الاجتماعي، كان العمل الإعلامي مقتصراً على مجموعة محددة من الناس، وهؤلاء – الإعلاميون- كان يتم انتقاؤهم وفق معايير معينة، ويمرون في مراحل متعددة حتى يظهر أحدهم إعلاميًا، وبغض النظر عن هذه الـمعايير، كان هناك "عقل ما” يدير العملية الإعلامية، ومهما كان هذا العقل غير محترف، كان هناك نمط معين من الأشخاص يظهر في النهاية إعلاميًا، وارتبط الأمر عادة بأعراف وتقاليد إعلامية من الصعوبة اختراقها، لذلك كان عدد المشاهير قليلا، وهؤلاء وكي يصلوا إلى مرحلة الشهرة يحتاجون تعبا، وجهدا، وتحقيق بعض الشروط، وهذا قلل من عيوب الإعلام الخطيرة، وإذا كان الفن أكثر قدرة، وأسرع على توليد بعض المشاهير، فإن العملية كانت تتشابه في وجود "فلاتر” معينة قبل ظهور أي شخص فنيًا.
والإنسان سواء كان يعيش في عصر الإنترنت، أو ما قبل الإنترنت، يتأثر بالشهرة، وتصيبه– في العادة- حالة معينة، تجعله يشعر بالتميز، وبأنه مختلف عن الآخرين، وأحيانا يتوقع أن يعامله الجميع بطريقة أخرى غير التي يتعامل فيها مع الناس العاديين، ولو نظرنا إلى تاريخ السينما والإعلام– العربية خاصة- وفي دول متعددة، نجد أن الإعلاميين والفنانين حصلوا على نفوذ كبير، وبعضهم كان يؤثر في السياسة، أو يتم استقطابه من أهلها بهدف كسب الرأي العام، أو التأثير على الناس من أجل تحقيق أهداف معينة لجهات قوية.
وهؤلاء المشاهير قد يتولد لديهم شعور زائف بأنه شخص استثنائي، قد يؤدي بهم إلى التعالي على الآخرين، وتوقع الاستثناء منهم، ويعني ذلك زيادة في نسبة (الأنا) وربما ينتهي الأمر بعدم الشعور والتعاطف مع الآخرين، واحتقارهم، وعدم الاهتمام بالقوانين والتعليمات، والاعتقاد بأنهم أكبر منها.
هذا، وتشير بعض الدراسات والأبحاث إلى أن الشهرة قد تتسبب في مشاكل في الصحة العقلية عند البعض، فوفقًا لتحليل أجرته (Paracelsus Recovery)، وهي عيادة فاخرة مقرها سويسرا عالجت العشرات من المشاهير من مشكلات الصحة العقلية والإدمان، تبين أن 60 فنانًا ممن فازوا بجوائز رفيعة خاصة (الأوسكار) منذ عام 992 ، يعاني 41 منهم من مشاكل في الصحة العقلية، وورد في التحليل أنه يجب أن يتم التحذير من أن الشهرة قد تؤدي إلى مشكلات عقلية، ونوه التقرير إلى أن الاكتئاب والقلق وتعاطي المخدرات هي بعض المشاكل الشائعة التي يواجهها بعض المشاهير.
وفي السياق نفسه نقل عن خبير الصحة العقلية الدكتور بول هوكيماير (Dr. Paul Hokemeyer) قوله إن مستوى الشهرة العالية غالبًا ما يرتبط بالخوف والألم والوحدة، ويؤكد هذا الكلام عدد من الـممثلين الغربيين الشهيرين مثل: الممثل نيكولاس كيج، والممثلتين جودي فوستر وإيما ستون عن تعرضهما لقضايا في الصحة العقلية.
وتشير بعض التحليلات إلى حقيقة مرعبة وهي أنه في حين تنتشر مشاكل الصحة العقلية بين عامة الناس في الغرب بنسبة 10 %، فإن المشكلة ترتفع إلى 68 % بين الفائزين بالأوسكار، وتؤكد أبحاث أخرى أن المشاهير قد يشعرون أيضًا بالحاجة المستمرة للحفاظ على صورة أو شخصية معينة أمام الجماهير، وهذا مرهق جدًا، يجعلهم لا يعيشون حياتهم الطبيعية، ويفقدون كثيرًا من الخصوصية، والراحة النفسية، إضافة إلى أن الاهتمام الزائد من المعجبين، والحصول على المديح الدائم، والإطراء قد يؤدي إلى الشعور بجنون العظمة، وفي بعض الأحيان فقدان السيطرة على التصرفات المتزنة.
وتتحدث أبحاث أخرى عن إصابة بعض المشاهير بمتلازمة المحتال (Imposter Syndrome)، وهي نمط يشك فيه الشهير أو الشخص بقدراته وقيمته، ويعزو دائمًا ما حصل معه من نجاح أو شهرة من خلال الحظ، أو الصدفة المحضة، فيعمل دائمًا على إخفاء ما يعتقد أنه كذب في قدراته، ويتوقع ما بين الفينة والأخرى أن يكتشف، لذلك يعيش في حالة عدم استقرار نفسي، وصراع دائم من أجل حماية نفسه من الانكشاف، وهذا بشكل عام يؤثر على اتزانه النفسي، وصحته العقلية.
سقت هذه الحقائق العلمية لنقارنها مع ما يحصل مع الشهرة السريعة التي يجنيها البعض في عالمنا من خلال منصات التواصل الاجتماعي، وإذا كانت نسبة معينة من الفنانين والإعلاميين والمشاهير– الذين وصلوا إلى الشهرة من خلال الوسائل التقليدية- وهؤلاء عددهم قليل، يعانون من مثل هذه الأمراض العقلية، فكم نسبة الـمرض العقلي عند أناس اشتهروا بسرعة كبيرة ودون سابق إنذار، وبطريقة يلعب الحظ جزءًا كبيرًا فيها، وتكبر المصيبة عندما نعلم أن بعض المشاهير من الأطفال، وآخرون شباب لا يمتلكون الحد الأدنى من الخبرة في الحياة، وقد يشتهرون لأيام – بسبب الترند- أو ربما أسابيع وأشهر أو سنوات في حالات قليلة، ثم يتحولون فجأةً إلى أشخاص عاديين لا يعرفهم إلا المقربون، ووقتها سيزداد الخطر الصحي العقلي عليهم، وقد يؤدي هذا إلى حصول مشكلات غير مسيطر عليها.
لا بد من وجود تحضير للناس كلهم لمرحلة الشهرة، لأنه ببساطة لا أحد يعرف متى وكيف وهل يمكن أن يشتهر، وكي لا يتحول المؤثرون بالرأي العام من المشاهير الجدد، أو محدثي الانتشار إلى عالة على الـمجتمع بآرائهم غير المستندة إلى علم ومنطق، ووقتها يتحول الناس إلى مزيد من عدم الاتزان، والتعامل غير الجيد مع الآخرين، وحينها تتعاظم مشكلات منصات التواصل الاجتماعي، للتحول إلى كابوس لا يعلم أحد ما أضراره على البشرية جمعاء.
شهوة الشهرة أصبحت موجودة عند أناس كثيرين، وما يفتح هذه الشهوة أنها أصبحت متاحة للجميع، ويمكن بضربة حظ صغيرة أن يتحول شخص لا يعرفه أحد إلى مشهور تتناقل أخباره وسائل الإعلام، ويتحدث عنه الناس ليل نهار.
لا أحد يكره الشهرة، ولكن عندما نقرأ التقارير، والأبحاث حول الصحة العقلية لبعضهم، نضع أيدينا على قلوبنا، ونتساءل: ما التأثيرات السلبية التي سيفعلها هؤلاء بالناس، وبالرأي العام في عالم مضطرب أصلاً، وفاقد لبوصلته، ويسير باتجاه التوحش واللإنسانية أكثر من أي وقت مضى.
تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )