إقالة الحكومة وحل مجلس النواب! الجواب بالتركي "يوك إفندم"
القبة نيوز - حسن محمد الزبن
لمن يفكرون في إستقالة الحكومة أو إقالتها، أو لمن ينادون بذلك، عليهم أن يعلموا أن هذا المطلب تحقيقه مؤجل أو سيأتي متاخرا، فلا تفكروا فيه، فهو مطلب يخضع لتقليب وتمحيص ودراسة عبر عقل الدولة، ليس لأنه غير ممكن، بل لأن الظروف تحتم التريث، بدليل التعديل السادس للحكومة على وزارة السياحة، كتكتيك برد غير مباشر على أن الحكومة باقية، ومؤشرات أخرى عديدة، تؤكد ذلك، حتى أن مجلس النواب الذي تم انتخابه من القواعد الشعبية للمكون الأردني بكل أطيافه، والذي أخذ الشرعية والدستورية والصفة القانونية باسم الشعب كمصدر للسلطات ليمارس صلاحياته، مع التحفظ على نسبة المشاركة في الانتخابات، والتي تعتبر متدنية مع مقارنتها بالدورات الانتخابية السابقة، وعكست الصورة الحقيقية للمجلس الحالي، الذي لم يستجب لمطالب الشعب بإسقاط الحكومة، ولم يتوافق بأغلبية لطرح الثقة بالحكومة، كرد فعل على سياستها وغيابها عن المشهد الأخير من الأزمة في ظل الاحتقان الشعبي على أسعار المشتقات النفطية، وهذا لم يتم التوافق عليه إلا من عدد قليل في المجلس تعدادهم 45 نائبا من ضمن العدد الاجمالي للمجلس 130 نائبا، حيث وقع الخمسة والأربعين نائبا على مذكرة لطرح الثقة بالحكومة، والمكتوب يُقرأ من عنوانه، محاولة يائسة لا تثمر شيئا، ولا تحقق مطلب الشارع، وقد تكون في خانة الاستعراض للمواقف النيابية، مع عدم الانكار أن هناك رموز داخل المجلس لها مواقف مشرفة ووطنية مع الحكومة باتجاهات عديدة، لكنها لا تشكل ثقل وأغلبية في المجلس، وصوتها يبقى تحت القبة، دون تحقيق نتائج على أرض الواقع، مع أن الدستور في المادة (54) فقرة 2 واضح ويؤكد أنه " اذا قرر المجلس عدم الثقة بالوزارة بالأكثرية المطلقة من مجموع عدد اعضائه وجب عليها ان تستقيل، ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الوزارة التي تليها".
وقد يكون أفضل القرارات بحل مجلس النواب بيد الملك، باعتباره قرارا ملكيا وإرادة سامية تكون الحسم النهائي والقول الفصل؛ فيصدع المجلس لقرار الحل، لكن على ما يبدو لم تعد هذه السينيورهات واردة في هذا التوقيت، وعلينا أن نلوم أنفسنا، لأن المجلس النيابي صنيعتنا، رغم كل النصائح، والكتابات التي سبقت الانتخابات، وقلناها بأعلى صوت، أيها الناخب حكم ضميرك فيمن تنتخب، وحذاري أن تكون ضحية المال السياسي، لكن للأسف نسبة من الناخبين انتخبوا ممثليهم بالمخاجلة والحياء، ونسبة منهم لمن دفع ثمن صوته بعشرة أو عشرين أو خمسين دينارا، ومنهم من إنجرّ وراء الوعود لتأمينه أو تأمين إبنه بوظيفة أو منفعة ما، ومنهم من قبل أن يكون صوته مقابل مروحة أو صوبة فوجيكا لا يجد القدرة على تعبئتها بالكاز الآن، والنتيجة مجلس نيابي يجلس على الكراسي تحت قبة البرلمان، وشئنا أم أبينا هو مجلس يمثل الشعب أمام الدولة والحكومة والعالم.
لذلك متى كان انتخابك يعبر عن رأيك؛ فنحن فعلا نتجه إلى التقدم في ديمقراطيتنا الخجولة، أما إذا كان انتخابك يعتمد على عاطفة أو مصلحة؛ فنحن نتراجع بالتأكيد، وسيأتي إلى قبة البرلمان ممثلين افتراضيين بعيدين عن حياة المواطن وهمومه وآماله ولن يحققوا تقدما في الحياة العامة، اللهم تحقيق المنفعة والمكاسب الشخصية لهم.
وإذا افترضنا أن الحل سيكون مبكرا قبل انتهاء العمر الحقيقي للمجلس، وكما قلنا بقرار من الملك، أو يمكن من خلال استقالة النواب بأغلبية ساحقة تجاوبا مع قواعدهم الشعبية، وهذا ليس واردا، بدليل تجاهل النواب لتفعيل المادة 74 في الفقرة 2 من الدستور الأردني والتي تقول أن " الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها قبل الأشهر الأربعة الأخيرة التي تسبق انتهاء مدة المجلس تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل، ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها".
ولو تحقق حل مجلس النواب بأي صيغة مما ذكرت، فإن ذلك يترتب عليه استحقاق دستوري يفرض على الحكومة الاستقالة خلال أسبوع من تاريخ حل مجلس النواب، ولا يجوز التمديد لعمر الحكومة عن هذه المدة الممنوحة لها، وضمانة دستورية أيضا بعدم جواز تكليف رئيس الحكومة الذي استقالت حكومته بناء على حل مجلس النواب بتشكيل حكومة جديدة وقفا للنص الدستوري من المادة 64 الفقرة 2، وحسب هذا النص حتى لا يفهم الأمر أو يفسر بغير مكانه، فإن الوزراء في الحكومة المستقيلة، يمكن لمن يناط به تشكيل الحكومة الجديدة الاستعانة بتشكيلة طاقمه الوزاري بوزراء من الحكومة السابقة.
ونحن هنا أمام وضع ترتب عليه مجلس نيابي مستقيل، وحكومة تغادر خلال أسبوع من حل المجلس النيابي، والسؤال هنا هل يمكن أن يتم انتخاب مجلس نيابي، وتنجح الهيئة المستقلة للتحضير للانتخابات الجديدة التي يجب اجرؤها بناء على أوامر الملك وحسب المادة 34 من الدستور والتي تقول " الملك هو الذي يصدر الأوامر باجراء الانتخابات لمجلس النواب وفق أحكام القانون.
فأمامنا فرصة أربعة أشهر لتشكيل المجلس النيابي القادم بعد المنحل، وهي مدة ملزمة دستوريا ولا يمكن الالتفاف عليها لأي سبب ولا لأي ظرف داخلي يمكن أن يؤخر أو يعطل المشهد الانتخابي، والتجاوز على المدة الدستورية الـ 4 شهور التي نقصدها يعني تلقائيا عودة المجلس السابق المنحل لقبة البرلمان لممارسة صلاحيته الدستورية وفقا للقانون.
لذلك ما نطالب به، ويطالب به بعض النواب، وما لمح إليه أصحاب رأي وغيرهم، نحو حل مجلس النواب واسقاط الحكومة معا، ليس الحل الأمثل، لأنه ببساطة يربك التوازنات السياسية الداخلية في غياب الحكومة لحين تكليف حكومة بديلة، والمجلس النيابي المنحل لحين عمل انتخابات لمجلس نيابي جديد، وأن أفضل الحلول أن يبقى المجلس النيابي قائما، إلى الوقت الذي تتوفر فيه الارادة الملكية والرغبة السامية لاجراء انتخابات نيابية عملا بأحكام الدستور من المادة 68 الفقرة 2 التي نصها " يجب إجراء الإنتخاب خلال الشهور الأربعة التي تسبق إنتهاء مدة المجلس فإذا لم يكن الإنتخاب قد تم عند إنتهاء مدة المجلس أو تأخر بسبب من الأسباب يبقى المجلس قائمًا حتى يتم إنتخاب المجلس الجديد".
وهناك من يتساءل هل يجوز حل مجلس النواب بناء على تنسيب من الحكومة، الجواب نعم يمكن ذلك بصدور إرادة ملكية بحل المجلس بناء على تنسيب من الحكومة، أو صدور قرار من المحكمة الدستورية بعدم دستورية القانون وضمن الصلاحيات لها حسب الدستور في المادة (60) نصها الآتي:
1.يقتصر حق الطعن المباشر فـي دستورية القوانين والأنظمة النافذة لدى المحكمة الدستورية على كل من: -
أ. مجلس الأعيان أو مجلس النواب على أن يصدر القرار بموافقة ما لا يقل عن ربع عدد أعضاء المجلس المعني.
ب. مجلس الوزراء.
2. فـي الدعوى المنظورة أمام المحاكم يجوز لأي من أطراف الدعوى إثارة الدفع بعدم الدستورية وعلى المحكمة إن وجدت أن الدفع جدي تحيله إلى المحكمة الدستورية وفق أحكام القانون.
وكذلك بموجب قانونها في المادة 12 ج " يجب أن تفصل في الطعن المقدم لها خلال مدة لا تزيد عن 120 يوما".
مما يرتب بطلان هذا المجلس، فيحل بناء على هذا القرار، ما يلزم أن تجرى الانتخابات خلال أربعة أشهر حددها الدستور كما قلنا من تاريخ الحل، وإذا تعذر أو تأخر اجراء الانتخابات فإن المجلس المنحل يعود لممارسة صلاحياته بحكم القانون والمادة 73 الفقرة 2 من الدستور.
وضرورات حل المجلس النيابي هنا تأتي من وجود خطأ دستوري في قانون انتخابه باجراء انتخابات برلمانية بقانون دستوري وقانون يلبي الطموحات ويعزز المشاركة الحقيقية من كافة القوى والأطياف السياسية، لكننا هنا لسنا أمام خلل دستوري، ولدينا قانون انتخاب متوافق عليه دستوريا وتجرى من خلاله الانتخابات، ولجوء المحكمة الدستورية للطعن بقانون الانتخاب، وبطلانه، يعني أن جميع القوانين والتعديلات التي حصلت في الدستور وما يخص قانون الأحزاب وتاريخ نفاذه، وما شرع لأجل المنظومة السياسة وتحديثها هو في حكم الباطل، ونسف لكل الجهود التي بذلت في هذا الجانب وضرب للنظام التشريعي في الأردن، وتسجيل سابقة في الاخفاق القانوني لم يسجل في عمر الدولة الأردنية.
لذلك الكلام بإقالة أو اسقاط او رحيل الحكومة كلام سهل، ويمكن أن يقوله أي مواطن، ولكن المطالبة بذلك يعني ذهنيا أنك موافق على أن يبقى مجلس النواب قائما، وعلى الواقع أنت لا تريد الحكومة ولا تريد مجلس النواب الذي لم يتوافق إلا بعض رموزه وأعضائه مع مطالبك كمواطن.
الموضوع ليس كما نراه، الموضوع يحتاج خبرة القانون وحراس الدستور فهم أكثرنا تفهما وإلماما في المعالجة والتكيف بالاحتكام للدستور في سلاسة الاجراءات وتنظيمها دون تقاطع مع كل من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في حيثيات هذا كله، بما يخدم مشروع الدولة بالإصلاح والتحديث السياسي والاقتصادي والاداري، الذي ما عاد التراجع عنه محمودا وآليات التنفيذ جاهزة للمضي فيه.
أن يبقى مجلس النواب بكل هذا الأداء الهش والاستعراضي حتى نهاية شهر تموز لعام 2024م، يعني أنه علينا الانتظار سنة وسبعة أشهر، وأعتقد الوقت طويل بالنسبة لأداء ضعيف، ونهج لا يوضح إرادة حقيقية لقوة المجلس أمام الحكومة، وبكل الأحوال الأمر برمته يخضع لتكهنات ومطالب وسنيورهات وقناعات مختلفة في صفوف النخبة وفي الشارع، لكن الفصل فيها يعود إلى قرار الملك بإجراء انتخابات مبكرة يراها تخدم رؤية جديدة وتخدم الاصلاح السياسي، ونأمل أن يكون التحرك بهذا الاتجاه في شهر حزيران من عام 2023م، على أقل تقدير انسجاما مع نفاذ قانون الأحزاب الجديد، وعملا بقانون الانتخاب الذي توافق عليه الجميع وأصبح دستوريا ويخدم منظومة العمل السياسي، ونصح بهذا الاتجاه خبراء قانونيين وملمين بالفقه التشريعي الأردني، ولم يبخلوا على الوطن بآرائهم الحصيفة الوازنة والحيادية التي ليس لها مصلحة بمجاملة الدولة أو الحكومة أو النواب.
أما فيما يخص الحكومة فيمكن رحيلها بأي وقت، إذا افترضنا أن الللاعبين الأساسيين من الوزراء مع صندوق النقد والبنك الدولي يمكن إبقاؤهم في الحكومة القادمة بغض النظر عن الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة، فثمة ثمار تريد الدولة أن تقطفها في أوانها، ولا يمكن التفريط بالمسافات التي قطعتها في مارثون وجهته تحقيق مكتسبات للموازنة العامة في الدولة، ومنفذ لحل مشكلات اقتصادية عالقة، وتذليل لصعوبات رغبة في تجاوز قلقها لما يجتاح الشارع الأردني من ازمة واحتقان وتصدع في العلاقة ما بين الحكومة والشعب، وأي حكومة يمكنها استئناف العمل في الملف الخاص بالتحديث الاقتصادي الذي هو الآن جاهز وتم البدء بأول خطوات التنفيذ فيه.
وأخير تبقى المسؤولية على الحكومة، في ممارسة صلاحياتها ضمن الدستور إلى حين موعد استقالتها أو رحيلها واضعة مصلحة الوطن فوق أي اعتبار، تنفيذا لما جاء بالدستور من المادة (51) والتي جاء فيها "رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون امام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة كما ان كل وزير مسؤول امام مجلس النواب عن اعمال وزارته".
وحمى الله الأردن،