العدوان يكتب: الهوية الوطنية، لا يمكن أن تكون إلا جامعة !
د. رائد سامي العدوان
القبة نيوز- في غمرة الجدل حول مخرجات "اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية " وما أتت به من تعديلات دستورية ومشاريع قوانين انتخاب وأحزاب ، وفلسفة لنظام الادارة المحلية وتوصيات بتمكين الشباب والمرأة. وبدلا من خوض نقاش عقلاني هادئ تحت قبة مجلسي النواب والأعيان، في المجالس والمؤسسات الشعبية ، وعلى صفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي ، اختار المعارضون لهذه المخرجات رفع الصوت عاليا ، وإثارة الفوضى ، وهو ما شاهدنا تجسيده الصادم في معركة مجلس النواب. هذا الأمر دفع أحيانا بعض أفراد معسكر المؤيدين لاستخدام نفس النبرة العالية والسلوك المتشنج ، وهو ما أدى في النهاية إلى ضياع الحقيقة وجعل الصورة ضبابية لدى عموم المواطنين. وصرنا ما أن ننتهي من معركة حتى ندخل في أخرى ، دون أن يجد الطرفان والمتابعون لهما فرصة لالتقاط الأنفاس.
ولعل أهم وأخطر المعارك التي تخاض الآن، بصراحة أحيانا وبمواربة أحيانا أخرى ، هي معركة "الهوية الوطنية الجامعة "، التي لا يمكن السماح بالعبث فيها، لأن خطورتها لا تنعكس على التركيبة المستقبلية للحكومة أو البرلمان، وإنما تمس مستقبل الوطن وفرص نجاحه في تأسيس وإدارة مئويته الثانية.
وللمفارقة، فالمعركة ضد هذه الهوية الوطنية الجامعة تجمع "موضوعيا" الأطراف الأشد تطرفا في "معسكر مقاومة التحديث" رغم آرائهما المتنافرة في الموضوع. فأحدهما لا يعترف أصلا بوجود هوية وطنية مكونة من نسيج ديمغرافي وديني وعشائري وجغرافي متمايز، بل بهوية "افتراضية" تجعل ما يجمعهم بشريك العقيدة في جاكرتا أو تونس أو غزة، أهم وأقوى مما يجمعهم بشقيق الدم والمصير في الوطن الواحد. بينما المعسكر الآخر لا يرى في الوطن سوى جماعته الفرعية أو عشيرته، ويختصر الوطن الذي يعنيه في حدودهما فقط. أما في مئوية وطننا الثانية، فستصبح رابطة المواطنة هي الأسمى، على حساب باقي الروابط الفئوية، لكن، ونضع هنا عشرات الخطوط تحت ما يلي كلمة لكن: "دون أن تلغي أيا من هذه الروابط الفرعية".
ودعونا نسترسل هنا ببعض التفصيل. في جميع المجتمعات شرقا وغربا ، كان غنى دولة أو أمة أو امبراطورية بالجماعات والمكونات الفرعية مصدر القوة الأبرز لهذه الدول والأمم ، طالما أحسنت إدارة العلاقة بين مكونات هذا الفسيفساء المجتمعي. لم يكن تنوع هذه المجتمعات يوما مصدر تراجع أو تقهقر حضاري، طالما نجحت في منع طغيان طائفة أو جماعة على أخرى. هكذا تخبرنا مصادر التاريخ حول الامبراطوريات الإسلامية قديما، وتثبت لنا حالة الولايات المتحدة الأمريكية حديثا.
إن سمو رابطة الانتماء القبلي او المناطقي او الديني على رابطة الانتماء الوطني هو خطر لا يماثله إلا تجاهل هذه الرابطة لصالح انتماء عابر للحدود والأوطان. وبحمد الله، فإن من يدافعون عن هذه الولاءات والانتماءات الفرعية، في مقابل الانتماء الوطني الكبير، ومن ينكرون عمليا هذا الانتماء لا يزالون قلة، من مصلحة الجميع ألا يسمح لهم بالنمو. من هنا جاء اعتقادنا بأن الهويات الفرعية لا يمكن أن تكون جامعة، وبهذا المعنى لا يمكن أن تكون وطنية. وبنفس المنطق، لا يمكن للهوية الوطنية إلا أن تكون جامعة، لا تهمل ولا تتجاهل أي جماعة أو هوية أو انتماء فرعي، دينيا كان أم مناطقيا أم عشائريا.
أردن المئوية الثانية الذي يسعى جلالة الملك عبد الله الثاني المفدى إلى وضع الأسس الصلبة له هو وطن جميع مواطنيه، لا فرق بينهم في الحقوق والواجبات وأمام القانون، وتقوم الدولة برعاية التفاهم والتعاون بين مكوناته الفرعية، ولا تسمح بطغيان إحداها على الأخرى.
أما استمرار رفع الصوت في كل محطة تاريخية دفاعا عن "تركيبته الديمغرافية" المهددة بسبب موجات الهجرة من محيطه المضطرب، فيجب فيه التمييز بين فئتين: بين أبناء الضفة الغربية لنهر الأردن الذين توافقوا مع أشقاهم على مر التاريخ من سكان الضفة الشرقية لنفس النهر، وأنشأوا المملكة الأردنية الهاشمية وبايعوا سويا جلالة الملك عبد الله الأول، وهم من نسميهم الأردنيون سواء سكنوا في الوحدات أم معان. الفئة الثانية تضم باقي المهاجرين العرب فلسطينيين أم سوريين أم عراقيين وغيرهم، وهم من فتح لهم الأردنيون بيوتهم وقلوبهم انسجاما مع أخلاقهم السامية، وما تعودوه من إغاثة للملهوف ونصرة للمنكوب. ولا يجب بأي حال، رغم الفواتير الاقتصادية الباهظة التي تحملها البلد على مدى عقود، الإساءة إليهم تحت أي حجة كانت.
إن ما يزيد من عظمة بلادنا، هو قدرتها الجبارة على استيعاب المتغيرات الإقليمية، والقيام بواجب الأخوة والتضامن تجاه ضحاياها في أصعب الظروف. ويأتي الآن من أبناء الأردن الذي لا يخدم مصالحه الضيقة اتساع حدود الوطن لتتجاوز حدود فئته أو جماعته، ليطلب تغيير نخوة الأردني الأصيل، وما رسخ في وجدانه من معاني المروءة والأصالة، مهددا وطنه الأم "بحراكات المضافات أو الشوارع". وهنا، يمكن القول بوضوح: مخطئ من يعتقد أن بإمكان فئة محدودة تهديد وطن، أو أن مثل هذه الأساليب من شأنها دفع الدولة للتراجع عن سعيها لإرساء أسس حياة حزبية حقيقية عابرة للانتماءات الفرعية. لقد كانت وما زالت وستبقى، عشائر الأردن مصدر اعتزاز للحكم الهاشمي ومختلف أبناء الوطن، بقيمها الأصيلة، ومواقفها المشرفة، وبعطائها غير المحدود، والتحدي الأهم أمام العقلاء من أبنائها، هو القدرة على تأسيس أحزاب مبنية على القيم الأصيلة لعشائر الأردن شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ووسطا، مع الانفتاح على مختلف فئات وشرائح الوطن من مختلف الأصول والديانات، وتقديم برامج تخدم الوطن في مختلف مناطقه، بواسطة ما تزخر به من كفاءات وكوادر بشرية مميزة.
أما أن نسمح لفئة هامشية منغلقة، بأن تجر أبناء الوطن إلى معارك عبثية لتحقيق مصالح شخصية تافهة فهو لعمري جريمة في حق الوطن والمواطن.
وبنفس المنطق، نناشد أخوتنا في الوطن ممن يؤمنون بسمو رابط العقيدة على رابط المواطنة، أن يعودوا إلى رشدهم ولا يسهموا في زرع بذور فتنة لا تؤمن عقباها، لاسيما مع عدم وجود سند أو مسوّغ شرعي أو وطني لمسعاهم.
كلمة أخيرة لشركائنا في الوطن يجب التعبير بجرأة وبصوت لا تشوبه لعثمة عن "أردنيتهم"، وعدم قبول منازعتهم في هذا الانتماء من أي كان، دون الخشية من اتهامهم بالتخلي عن أصولهم الفلسطينية، لأن الخليل تعني لأهل الكرك ما تعنيه لأهل الخليل، وهو ما ينطبق على السلط ونابلس، عمان والقدس، وكل قرية في ضفتي الأغوار. كما أنه لا مجال للتمييز بين أتباع سيدنا المسيح على ضفتي نهرنا الذي تعمد في مياهه المباركة.
ختاما، فهذا الوطن يعنينا جميعا، ويجب أن نرتفع إلى المستوى الذي يليق بهويتنا الوطنية الجامعة، ونحسن إدارة تمايزنا، ونقوي التفاهم بين مكوناته الفرعية، ونبتعد عن كل دعوة أو سلوك يمكن أن تحمل تهديدا لمستقبل أبنائنا وأحفادنا.. وللحديث صلة!!
ولعل أهم وأخطر المعارك التي تخاض الآن، بصراحة أحيانا وبمواربة أحيانا أخرى ، هي معركة "الهوية الوطنية الجامعة "، التي لا يمكن السماح بالعبث فيها، لأن خطورتها لا تنعكس على التركيبة المستقبلية للحكومة أو البرلمان، وإنما تمس مستقبل الوطن وفرص نجاحه في تأسيس وإدارة مئويته الثانية.
وللمفارقة، فالمعركة ضد هذه الهوية الوطنية الجامعة تجمع "موضوعيا" الأطراف الأشد تطرفا في "معسكر مقاومة التحديث" رغم آرائهما المتنافرة في الموضوع. فأحدهما لا يعترف أصلا بوجود هوية وطنية مكونة من نسيج ديمغرافي وديني وعشائري وجغرافي متمايز، بل بهوية "افتراضية" تجعل ما يجمعهم بشريك العقيدة في جاكرتا أو تونس أو غزة، أهم وأقوى مما يجمعهم بشقيق الدم والمصير في الوطن الواحد. بينما المعسكر الآخر لا يرى في الوطن سوى جماعته الفرعية أو عشيرته، ويختصر الوطن الذي يعنيه في حدودهما فقط. أما في مئوية وطننا الثانية، فستصبح رابطة المواطنة هي الأسمى، على حساب باقي الروابط الفئوية، لكن، ونضع هنا عشرات الخطوط تحت ما يلي كلمة لكن: "دون أن تلغي أيا من هذه الروابط الفرعية".
ودعونا نسترسل هنا ببعض التفصيل. في جميع المجتمعات شرقا وغربا ، كان غنى دولة أو أمة أو امبراطورية بالجماعات والمكونات الفرعية مصدر القوة الأبرز لهذه الدول والأمم ، طالما أحسنت إدارة العلاقة بين مكونات هذا الفسيفساء المجتمعي. لم يكن تنوع هذه المجتمعات يوما مصدر تراجع أو تقهقر حضاري، طالما نجحت في منع طغيان طائفة أو جماعة على أخرى. هكذا تخبرنا مصادر التاريخ حول الامبراطوريات الإسلامية قديما، وتثبت لنا حالة الولايات المتحدة الأمريكية حديثا.
إن سمو رابطة الانتماء القبلي او المناطقي او الديني على رابطة الانتماء الوطني هو خطر لا يماثله إلا تجاهل هذه الرابطة لصالح انتماء عابر للحدود والأوطان. وبحمد الله، فإن من يدافعون عن هذه الولاءات والانتماءات الفرعية، في مقابل الانتماء الوطني الكبير، ومن ينكرون عمليا هذا الانتماء لا يزالون قلة، من مصلحة الجميع ألا يسمح لهم بالنمو. من هنا جاء اعتقادنا بأن الهويات الفرعية لا يمكن أن تكون جامعة، وبهذا المعنى لا يمكن أن تكون وطنية. وبنفس المنطق، لا يمكن للهوية الوطنية إلا أن تكون جامعة، لا تهمل ولا تتجاهل أي جماعة أو هوية أو انتماء فرعي، دينيا كان أم مناطقيا أم عشائريا.
أردن المئوية الثانية الذي يسعى جلالة الملك عبد الله الثاني المفدى إلى وضع الأسس الصلبة له هو وطن جميع مواطنيه، لا فرق بينهم في الحقوق والواجبات وأمام القانون، وتقوم الدولة برعاية التفاهم والتعاون بين مكوناته الفرعية، ولا تسمح بطغيان إحداها على الأخرى.
أما استمرار رفع الصوت في كل محطة تاريخية دفاعا عن "تركيبته الديمغرافية" المهددة بسبب موجات الهجرة من محيطه المضطرب، فيجب فيه التمييز بين فئتين: بين أبناء الضفة الغربية لنهر الأردن الذين توافقوا مع أشقاهم على مر التاريخ من سكان الضفة الشرقية لنفس النهر، وأنشأوا المملكة الأردنية الهاشمية وبايعوا سويا جلالة الملك عبد الله الأول، وهم من نسميهم الأردنيون سواء سكنوا في الوحدات أم معان. الفئة الثانية تضم باقي المهاجرين العرب فلسطينيين أم سوريين أم عراقيين وغيرهم، وهم من فتح لهم الأردنيون بيوتهم وقلوبهم انسجاما مع أخلاقهم السامية، وما تعودوه من إغاثة للملهوف ونصرة للمنكوب. ولا يجب بأي حال، رغم الفواتير الاقتصادية الباهظة التي تحملها البلد على مدى عقود، الإساءة إليهم تحت أي حجة كانت.
إن ما يزيد من عظمة بلادنا، هو قدرتها الجبارة على استيعاب المتغيرات الإقليمية، والقيام بواجب الأخوة والتضامن تجاه ضحاياها في أصعب الظروف. ويأتي الآن من أبناء الأردن الذي لا يخدم مصالحه الضيقة اتساع حدود الوطن لتتجاوز حدود فئته أو جماعته، ليطلب تغيير نخوة الأردني الأصيل، وما رسخ في وجدانه من معاني المروءة والأصالة، مهددا وطنه الأم "بحراكات المضافات أو الشوارع". وهنا، يمكن القول بوضوح: مخطئ من يعتقد أن بإمكان فئة محدودة تهديد وطن، أو أن مثل هذه الأساليب من شأنها دفع الدولة للتراجع عن سعيها لإرساء أسس حياة حزبية حقيقية عابرة للانتماءات الفرعية. لقد كانت وما زالت وستبقى، عشائر الأردن مصدر اعتزاز للحكم الهاشمي ومختلف أبناء الوطن، بقيمها الأصيلة، ومواقفها المشرفة، وبعطائها غير المحدود، والتحدي الأهم أمام العقلاء من أبنائها، هو القدرة على تأسيس أحزاب مبنية على القيم الأصيلة لعشائر الأردن شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ووسطا، مع الانفتاح على مختلف فئات وشرائح الوطن من مختلف الأصول والديانات، وتقديم برامج تخدم الوطن في مختلف مناطقه، بواسطة ما تزخر به من كفاءات وكوادر بشرية مميزة.
أما أن نسمح لفئة هامشية منغلقة، بأن تجر أبناء الوطن إلى معارك عبثية لتحقيق مصالح شخصية تافهة فهو لعمري جريمة في حق الوطن والمواطن.
وبنفس المنطق، نناشد أخوتنا في الوطن ممن يؤمنون بسمو رابط العقيدة على رابط المواطنة، أن يعودوا إلى رشدهم ولا يسهموا في زرع بذور فتنة لا تؤمن عقباها، لاسيما مع عدم وجود سند أو مسوّغ شرعي أو وطني لمسعاهم.
كلمة أخيرة لشركائنا في الوطن يجب التعبير بجرأة وبصوت لا تشوبه لعثمة عن "أردنيتهم"، وعدم قبول منازعتهم في هذا الانتماء من أي كان، دون الخشية من اتهامهم بالتخلي عن أصولهم الفلسطينية، لأن الخليل تعني لأهل الكرك ما تعنيه لأهل الخليل، وهو ما ينطبق على السلط ونابلس، عمان والقدس، وكل قرية في ضفتي الأغوار. كما أنه لا مجال للتمييز بين أتباع سيدنا المسيح على ضفتي نهرنا الذي تعمد في مياهه المباركة.
ختاما، فهذا الوطن يعنينا جميعا، ويجب أن نرتفع إلى المستوى الذي يليق بهويتنا الوطنية الجامعة، ونحسن إدارة تمايزنا، ونقوي التفاهم بين مكوناته الفرعية، ونبتعد عن كل دعوة أو سلوك يمكن أن تحمل تهديدا لمستقبل أبنائنا وأحفادنا.. وللحديث صلة!!