facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

(قرية زايد التراثية )

(قرية زايد التراثية )
 خولة علي 

القبة نيوز- بيئة تنطق بالماضي لتروي التاريخ عبر طيات جدرانها التي شيدها سعيد الشحي بمفاهيم أصيلة نابعة من فحوى القيم والموروثات التي ظلت محفوظة في بواطن النفوس، ليرسم به المرء ذاته، ويوجه بها نظرته وسلوكه، وهو يطل على نمط الحياة البسيطة آنذاك، والعالقة في كل جزء وكل قطعة أثرية يمكن أن يستشف المرء من خلالها الكثير من العلوم والمفاهيم التراثية، ويتوقف عند أبرز الأحداث والمواقف التي أظهرت عزيمة الرجال وصمودهم، ضد قسوة الحياة وشدتها، حتى استطاعوا أن يشحنوا الهمة ويتغلبوا على ظروف البيئة وشحها، بتطويع خاماتها، لتعينهم على تلبية حاجاتهم اليومية.

رحلة عبر بوابات الماضي بشخوصها تتجلى في تفصيل قرية زايد التراثية، التي أسسها سعيد الشحي لتكون معلما تراثيا يلج فيها كل من يرغب في أن يستنشق عبق الماضي، وينصت إلى ترانيمه الشجية التي تدوي عبر حجراتها الضيقة، موحية بأن الزمان قد توقف هنا.

وهذا الصرح التراثي مقام في جبال منطقة غليله في إمارة رأس الخيمة ، هو نتاج مجهود شخصي حيث أخذ الشحي على عاتقه مسؤولية صون تراث الأجداد الذي هو أرث الأجيال، وهويتهم وأرضيتهم التي يستندون عليه بكل ثبات وثقة ووعي محملين بالفكر والثقافة والنهج الذي على ضوئه يخطو به مسار مستقبلهم.

طوق حماية

أدرك الشحي مؤسس القرية أهمية أن يتسلح المرء بماضيه الذي هو هويته وتاريخه، قائلا «التراث هو النبع الذي ينهل منه المرء ثقافته وقيمه وأخلاقياته، حتى يمضي نحو الحاضر والمستقبل بثبات وقوة وعلى أسس متينة. وهذه الهوية التي يستظل المرء بها، ويستند عليها ليمضي بسلام وأمان نحو الهدف الذي يتطلع له بمزيد من الثقة والإقدام. فنحن لا نستطيع أن ننسل عن قيمنا ومعتقداتنا التي تنظم تعاملاتنا وعلاقاتنا بالمحيطين بنا. هذا الارتباط بالماضي أنما هو الانطلاق نحو المستقبل. والرغبة في غرس مفهوم الهوية الوطنية ومحاولة ربط الجيل بماضي أجداده وجذوره، من خلال تعريفهم بمعاني ومفاهيم الماضي الذي يعتبر طوق حماية من تيارات العولمة وما تجلبه من مفاهيم وسلوكيات مغايرة وسلبية.

ويضيف الشحي «جاء تأسيس هذه القرية التي حملت اسم باني النهضة ومؤسس دولة الإمارات المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، والذي استندت فيه على مقولة ما زالت ترن في أذني مفادها «من لا ماض له لا حاضر له ولا مستقبل»، وكنت متواجدا في تلك اللحظة في مجلسه، هنا توقفت لبرهة عند هذه المقولة التي تدعو إلى حفظ وصون الماضي بكافة أشكاله وصوره، فعزمت على تشييد قرية تراثية وفاء للقائد الراحل وتخليدا لذكراه، فنفذت المشروع على مساحة 250 قدما مربعة مستقطعة من مساحة مسكني الخاص. وفي سنة 2005 تم افتتاح القرية لتنظم لعدد من المعالم التراثية في الدولة.

ولكن بمجهود شخصي، لتقوم بدورها في نشر رسالة مفادها أن التراث أمانة يجب حمايته والحفاظ عليه للأجيال القادمة، ولا يتم ذلك دون أن يكون هناك تواصل بين الأجداد والأبناء، والاطلاع على المعالم التراثية وما تضم في باطنها من آثار ومقتنيات والتعرف على تاريخ هذه المواقع التراثية وكل الأحداث التي مرت عليه».

الحياة قديما

تطل قرية زايد التراثية على الماضي فيمكن أن يقلب الزائر صفحات الماضي بكل ما تحمله من صور ومشاهد تجسد البيئة المحلية، وتفاصيل الحياة اليومية التي عاشها الأجداد، والعديد من الأقسام التي تحكي وتروي الحياة القديمة بأدق تفاصيلها، ويمكن أن يتعرف المرء على أنواع من المنازل المستخدمة في الماضي ومسمياتها ومحتوياتها من الأثاث والأدوات المستخدمة من قبل أبناء الساحل والجبال من خلال عدد من هذه المنازل التي تم تشييدها بمختلف عناصرها وتصاميمها بما تتماشى مع البيئة التي أقيمت فيها. كما تحوي القرية قاعة صاحب سمو الشيخ محمد بن زايد، التي تضم أنواعا مختلفة من الأسلحة التقليدية، وعبرها يمكن أن يأخذ المرء فكرة وافية على صناعات الأسلحة البيضاء القديمة كالخناجر والسكاكين ونحوه. ويمكن أن يتوقف عند كنوز من الأوعية التاريخية في قاعة صاحب السمو الشيخ صقر بن محمد وتضم نحو 10 آلاف عنوان ومخطوطة. وللتعرف على المقتنيات الفضية كأنواع الحلي الفضية التي استخدمتها المرأة للزينة قديما على الزائر أن يتوجه إلى قاعة صاحب سمو الشيخ سعود بن صقر للفضيات. إلى جانب عدد من الأنشطة والفعاليات التي تقام سنويا في القرية إحياء للتراث يشارك الطلبة فيها، ومن هذه الفعاليات منافسات اليولة، والرقصات الشعبية، ومعارض تراثية، وبعض الفعاليات احتفاء باليوم الوطني، في بيئة تراثية ثرية بتفاصيل الحياة القديمة إلى جانب تذوق الطبخ التقليدي. كما تضم القرية مدفنا أثريا يعود إلى 4000 سنة قبل الميلاد.

ويوضح الشحي أن «التواصل المجتمعي من قبل الهيئات التعليمية والمؤسسات الإعلامية يلعب دورا في تكريس الهوية الوطنية، وأيضا هناك مسؤولية على الأسرة والآباء الذين يجب ألا يقفوا مكتوفي الأيدي ضد المؤثرات الخارجية والتقليعات الغربية التي بدأت تغزو فكر وعقلية أبنائنا، وإنما لابد أن نتحرك ونسعى أن نبث المفاهيم والقيم التي ارتشفنا مذاقها من أحضان آبائنا وأجدادنا الذين لم يكلوا عن توجيهنا وتعليمنا، حتى نستطيع أن نقف على خطوات واثقة وثابتة ونجعل المرء يفخر بهويته». ويؤكد «قرية زايد التراثية هي الوعاء والمرشد الذي يمكن أن يجد فيه كل شخص شغوف بالتراث وكل باحث يريد أن يتذوق صنوف التراث ويطلع على الدرر الثمينة في بواطن الكتب والمخطوطات المحفوظة في القرية، فالمجال متعدد وواسع، لكل من يريد أن يكتب ويوثق التراث والتاريخ ويطلع على ما صنعه الأجداد من إرث»، مشيرا إلى أن القرية أبوابها مفتوحة على مصراعيها للنشر هذه ثقافة الوطن وتعزيز هويته بين الأجيال.
تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير