العودة إلى الطريقة الفتحاوية
داود كُـتّاب
القبة نيوز- سُئل البروفيسور سري نسيبة رئيس جامعة القدس سابقا وقائد الانتفاضة الأولى والمفكر والفيلسوف الفلسطيني عن كيفية اتخاذ القرار السياسي الفلسطيني؟ فأجاب: "معظم الناس يخططون لمدة طويلة ثم ينفذون.. ولكن القيادة الفلسطينية تعمل عل الطريقة الفتحاوية. يقررون أولا ثم يبحثون عن طرق للتنفيذ فيما بعد، وإذا واجهتهم مشاكل فتتم معالجتها أولا بأول."
يبدو أن هذا الأسلوب باتخاذ القرارات انعكس في قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 20 أيار. فقد عقد اجتماعا طارئا للقيادة الفلسطينية والمشكلة من كبار المسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية واللجنة المركزي لحركة فتح وعدد من المستشارين والوزراء. وبعد اجتماع مغلق للقيادة خرج الرئيس عباس وأعلن عبر التلفزيون الفلسطيني أنه قد تم اتخاذ قرار بإنهاء كل الاتفاقيات والتفاهمات، بما في ذلك التنسيق الأمني، مع إسرائيل والولايات المتحدة. وفي الأيام التي تلت إعلان عباس عن القرار جرت لقاءات تم الترتيب لها بسرعة، على عدة مستويات لإيجاد حلول لتطبيق القرار الدراماتيكي.
يقول ناصر لحام رئيس تحرير موقع معا الإخبارية المؤيدة للمنظمة إن العديد من المسؤولين قاموا بمحاولة لتوضيح كيفية تطبيق قرار الرئيس عباس دون الحاجة للتنسيق مع الجانب الإسرائيلي. فقد تم إعلام الضباط الأمنين وكبار المسؤولين الإداريين بأن القرار "استراتيجي وليس تكتيكيا"، وأنه في حال وجود مشاكل بحاجة إلى تدخل خارجي فعليهم الاتصال بالصليب الأحمر. كما وتم الإيضاح للضباط العسكريين بأنه يحظر على الأمن الفلسطيني اتخاذ تحركات عدوانية، ولكن عليهم فقط الثبات والحفاظ على مواقعهم.
هذا التخبط العشوائي يعكس الطريقة التي كان متعارف عليها أثناء حكم ياسر عرفات القائد الثائر لمنظمة التحرير والذي رفض التخلص من بدلة المقاوم ذات اللون الكاكي وكوفية الفدائي. ولكن عندما تسلم محمود عباس خلفا لعرفات تم استبدال بدلة الثائر وتغيير الجو في القيادة إلى بيئة عمل مهنية ذات ساعات عمل معروفة وبدلات مدنية.
نقطة تحول
إن إعلان الـ 20 من أيار يعدّ نقطة تحول حيث قرر أصحاب القرار الفلسطيني مغادرة مهنية الرئيس عباس ورئيس وزرائه محمد اشتية واستبداله ببدلات رجل الأعمال وبطرق الثائر والتي تتمثل باتخاذ القرار الاستراتيجي ومن ثم التطبيق من خلال آليات يتم تشكيلها بصورة مستعجلة، وتعديل عملها لاحقا حسب الحاجة. هذا لا يعني أن العديد من القرارات السابقة لم يتم تنفيذها بهذا الأسلوب. ولكن قد تكون هذه المرة الأولى التي تؤثر تلك القرارات بشكل مباشر على الجهاز الأمني بشكل خاص والشعب الفلسطيني بشكل عام.
لقد هدد الرئيس عباس سابقا بالقيام بهذه الخطوات مرارا، ولكن هذه أول مرة يتم اتخاذ القرار وتنفيذه رغم المحاولة لأن يتم ذلك بصورة دقيقة حتى لا تتفجر المشكلة في أوجه قوات الأمن، وفي نفس الوقت، إيصال رسالة واضحة بأن القيادة جادة في قرارها.
منذ اتفاقيات أوسلو تحاول إسرائيل التمسك بأي أرباح ميدانية لصالحها لتقوم بعد ذلك بالتفاوض على ما تبقى من أمور. قد تكون هذه أول مرة تحاول القيادة الفلسطينية فيها تطبيق نفس السياسة. فهي تحافظ على أي إنجازات سيطرة على الأرض ولو في مناطق صغيرة مكتظة بالناس ثم تقوم بالتفاوض من موقع أفضل بقليل نسبياً. ويبقى السؤال: ما هو مستوى الدعم الذي سيحصل عليه الثائر عباس لمغامرته، مقابل عباس المهني الذي يتحفظ على المغامرات.
تعتبر حركة فتح أهم فصيل في منظمة التحرير الفلسطينية. "والاسم فتح هو عكس الأحرف الأولى لحركة التحرير الوطني الفلسطيني". عندما قمت بإجراء مقابلة مع الرئيس عرفات في تونس في ربيع 1994 وبعد توقيع اتفاقية المبادئ مع إسرائيل في واشنطن، سألت الرئيس الثائر إذا كانت حركته – أي حركة فتح- تعتزم أن تتحول إلى حزب سياسي بعد العودة إلى قطاع غزة والضفة الغربية. غضب عرفات حينها وأنهي المقابلة وقام بتقديم عرض مطول حول طبيعة فتح كحركة تحرر وطنية وأنها لن تتحول إلى حزب لأنها قائمة فقط على التحرير، وستنتهي مهمتها عند تحقيق الاستقلال والتحرر.
من الواضح إذا أن القيادة الحالية في المقاطعة، المقر الرئاسي في رام الله، تقوم الان وبصورة هادئة ومجازية باستبدال البدلة المدنية باللباس الثوري ولكن باتجاه مغاير عن عرفات الذي سمح عند وقفة للتنسيق الأمني بالاستخدام الهجومي للسلاح إبان الانتفاضة الثانية. إلا أن عباس وقيادة فتح أوضحوا بما لا يحتمل الشك أن على القوات المسلحة الفلسطينية الامتناع عن الهجوم على الإسرائيليين، بل اتخاذ مواقف دفاعية فقط. وقد قال جبريل الرجوب القائد الفتحاوي الكبير لصحيفة أرب نيوز السعودية "سنستمر بالمشاركة بالاستقرار الإقليمي والأمن العالمي."
فنحن إذن، في مشاهدة لنظام جديد بحيث تقوم الجهات المتصارعة باتخاذ قرارات أحادية الجانب. الفلسطينيون مصرون على أن إسرائيل هي التي بادرت بذلك من خلال اقتحاماتها المتكررة لمناطق السيادة الفلسطينية المصنفة "أ" في اتفاق أوسلو، وكذلك قرار التحالف الإسرائيلي (نتنياهو وجانتس) لضم مناطق فلسطينية محتلة في مخالفة للاتفاقيات والشرعية الدولية.
منذ عام 1969 عندما قاد فدائيو فتح بقيادة عرفات السيطرة على منظمة التحرير، التي صنعتها الجامعة العربية، باتت المنظمة هي أداة بيد الحركة. وهناك نكتة متداولة بأن المستقلين داخل المنظمة "أي من لا ينتمون لأي فصيل فلسطيني" هم بصورة أوتوماتيكية محسوبون على حركة فتح ذات القاعدة الفكرية الواسعة والمتخصصة بموضوع واحد: التحرير.
ماذا بعد؟
سيتطلب القرار الاستراتيجي الفلسطيني عدة أمور لتطبيقه واستدامته. فالتمسك بالوضع القائم قد يكون أقل السيناريوهات الصعبة سوءا. فبين ازدياد العنف أو قبول الإملاءات الإسرائيلية، فإن تفاهم جديد سيتم التوصل إليه. الحياة ستستمر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي غياب التنسيق مع إسرائيل، فإن التنقل المحلي والإقليمي والدولي والأمور الاقتصادية والتعاملات البنكية ونقل البضائع وغيرها من الأمور الحياتية اليومية يجب أن يتم تنظيمها. أما توقع اللجنة الدولية للصليب على معالجة كل حالات الطوارئ، فلا تعتبر سياسة مدروسة بل عملية شبه ثورية تعكس الطريقة الفتحاوية.
وإذا لم ينتج عن السياسة الجديدة تصعيد العنف المناهض لإسرائيل فمن الممكن أن توافق دولة الاحتلال على السماح بتمرير الأمر بصورة مؤقتة. ولكن الموضوع الأكثر أهمية يتمثل بأن بقاء واستمرار الوضع الجديد في الأراضي المحتلة مرهون بردود فعل المجتمع الدولي. فهل ستستمر أوروبا بتغطية الدعم المالي لفلسطين؟ وهل ستسمح أمريكا للنظام البنكي الفلسطيني بالاستمرار في العمل تحت الظروف الجديدة؟ وهل ستتأقلم دول الإقليم خاصة إسرائيل والأردن مع الواقع الجديد والذي سيشكل سابقة هامة لقرار فلسطيني أحادي الاتجاه. الجواب على هذه الأسئلة ليس واضحا.
وفرت الطريقة الفتحاوية للقادة الفلسطينيين أحيانا، بعض الحلول من خلال فذلكات معينة، ولكن القادة، وهم أمام استحقاقات كبيرة الآن، بحاجة إلى انتخابات توفر لهم الشرعية اللازمة لوضع خطط ناجعة ومدروسة ضمن أهداف واقعية تلقى دعما شعبيا.
المصدر: مؤسسة الشرق الأوسط- واشنطن
يبدو أن هذا الأسلوب باتخاذ القرارات انعكس في قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 20 أيار. فقد عقد اجتماعا طارئا للقيادة الفلسطينية والمشكلة من كبار المسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية واللجنة المركزي لحركة فتح وعدد من المستشارين والوزراء. وبعد اجتماع مغلق للقيادة خرج الرئيس عباس وأعلن عبر التلفزيون الفلسطيني أنه قد تم اتخاذ قرار بإنهاء كل الاتفاقيات والتفاهمات، بما في ذلك التنسيق الأمني، مع إسرائيل والولايات المتحدة. وفي الأيام التي تلت إعلان عباس عن القرار جرت لقاءات تم الترتيب لها بسرعة، على عدة مستويات لإيجاد حلول لتطبيق القرار الدراماتيكي.
يقول ناصر لحام رئيس تحرير موقع معا الإخبارية المؤيدة للمنظمة إن العديد من المسؤولين قاموا بمحاولة لتوضيح كيفية تطبيق قرار الرئيس عباس دون الحاجة للتنسيق مع الجانب الإسرائيلي. فقد تم إعلام الضباط الأمنين وكبار المسؤولين الإداريين بأن القرار "استراتيجي وليس تكتيكيا"، وأنه في حال وجود مشاكل بحاجة إلى تدخل خارجي فعليهم الاتصال بالصليب الأحمر. كما وتم الإيضاح للضباط العسكريين بأنه يحظر على الأمن الفلسطيني اتخاذ تحركات عدوانية، ولكن عليهم فقط الثبات والحفاظ على مواقعهم.
هذا التخبط العشوائي يعكس الطريقة التي كان متعارف عليها أثناء حكم ياسر عرفات القائد الثائر لمنظمة التحرير والذي رفض التخلص من بدلة المقاوم ذات اللون الكاكي وكوفية الفدائي. ولكن عندما تسلم محمود عباس خلفا لعرفات تم استبدال بدلة الثائر وتغيير الجو في القيادة إلى بيئة عمل مهنية ذات ساعات عمل معروفة وبدلات مدنية.
نقطة تحول
إن إعلان الـ 20 من أيار يعدّ نقطة تحول حيث قرر أصحاب القرار الفلسطيني مغادرة مهنية الرئيس عباس ورئيس وزرائه محمد اشتية واستبداله ببدلات رجل الأعمال وبطرق الثائر والتي تتمثل باتخاذ القرار الاستراتيجي ومن ثم التطبيق من خلال آليات يتم تشكيلها بصورة مستعجلة، وتعديل عملها لاحقا حسب الحاجة. هذا لا يعني أن العديد من القرارات السابقة لم يتم تنفيذها بهذا الأسلوب. ولكن قد تكون هذه المرة الأولى التي تؤثر تلك القرارات بشكل مباشر على الجهاز الأمني بشكل خاص والشعب الفلسطيني بشكل عام.
لقد هدد الرئيس عباس سابقا بالقيام بهذه الخطوات مرارا، ولكن هذه أول مرة يتم اتخاذ القرار وتنفيذه رغم المحاولة لأن يتم ذلك بصورة دقيقة حتى لا تتفجر المشكلة في أوجه قوات الأمن، وفي نفس الوقت، إيصال رسالة واضحة بأن القيادة جادة في قرارها.
منذ اتفاقيات أوسلو تحاول إسرائيل التمسك بأي أرباح ميدانية لصالحها لتقوم بعد ذلك بالتفاوض على ما تبقى من أمور. قد تكون هذه أول مرة تحاول القيادة الفلسطينية فيها تطبيق نفس السياسة. فهي تحافظ على أي إنجازات سيطرة على الأرض ولو في مناطق صغيرة مكتظة بالناس ثم تقوم بالتفاوض من موقع أفضل بقليل نسبياً. ويبقى السؤال: ما هو مستوى الدعم الذي سيحصل عليه الثائر عباس لمغامرته، مقابل عباس المهني الذي يتحفظ على المغامرات.
تعتبر حركة فتح أهم فصيل في منظمة التحرير الفلسطينية. "والاسم فتح هو عكس الأحرف الأولى لحركة التحرير الوطني الفلسطيني". عندما قمت بإجراء مقابلة مع الرئيس عرفات في تونس في ربيع 1994 وبعد توقيع اتفاقية المبادئ مع إسرائيل في واشنطن، سألت الرئيس الثائر إذا كانت حركته – أي حركة فتح- تعتزم أن تتحول إلى حزب سياسي بعد العودة إلى قطاع غزة والضفة الغربية. غضب عرفات حينها وأنهي المقابلة وقام بتقديم عرض مطول حول طبيعة فتح كحركة تحرر وطنية وأنها لن تتحول إلى حزب لأنها قائمة فقط على التحرير، وستنتهي مهمتها عند تحقيق الاستقلال والتحرر.
من الواضح إذا أن القيادة الحالية في المقاطعة، المقر الرئاسي في رام الله، تقوم الان وبصورة هادئة ومجازية باستبدال البدلة المدنية باللباس الثوري ولكن باتجاه مغاير عن عرفات الذي سمح عند وقفة للتنسيق الأمني بالاستخدام الهجومي للسلاح إبان الانتفاضة الثانية. إلا أن عباس وقيادة فتح أوضحوا بما لا يحتمل الشك أن على القوات المسلحة الفلسطينية الامتناع عن الهجوم على الإسرائيليين، بل اتخاذ مواقف دفاعية فقط. وقد قال جبريل الرجوب القائد الفتحاوي الكبير لصحيفة أرب نيوز السعودية "سنستمر بالمشاركة بالاستقرار الإقليمي والأمن العالمي."
فنحن إذن، في مشاهدة لنظام جديد بحيث تقوم الجهات المتصارعة باتخاذ قرارات أحادية الجانب. الفلسطينيون مصرون على أن إسرائيل هي التي بادرت بذلك من خلال اقتحاماتها المتكررة لمناطق السيادة الفلسطينية المصنفة "أ" في اتفاق أوسلو، وكذلك قرار التحالف الإسرائيلي (نتنياهو وجانتس) لضم مناطق فلسطينية محتلة في مخالفة للاتفاقيات والشرعية الدولية.
منذ عام 1969 عندما قاد فدائيو فتح بقيادة عرفات السيطرة على منظمة التحرير، التي صنعتها الجامعة العربية، باتت المنظمة هي أداة بيد الحركة. وهناك نكتة متداولة بأن المستقلين داخل المنظمة "أي من لا ينتمون لأي فصيل فلسطيني" هم بصورة أوتوماتيكية محسوبون على حركة فتح ذات القاعدة الفكرية الواسعة والمتخصصة بموضوع واحد: التحرير.
ماذا بعد؟
سيتطلب القرار الاستراتيجي الفلسطيني عدة أمور لتطبيقه واستدامته. فالتمسك بالوضع القائم قد يكون أقل السيناريوهات الصعبة سوءا. فبين ازدياد العنف أو قبول الإملاءات الإسرائيلية، فإن تفاهم جديد سيتم التوصل إليه. الحياة ستستمر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي غياب التنسيق مع إسرائيل، فإن التنقل المحلي والإقليمي والدولي والأمور الاقتصادية والتعاملات البنكية ونقل البضائع وغيرها من الأمور الحياتية اليومية يجب أن يتم تنظيمها. أما توقع اللجنة الدولية للصليب على معالجة كل حالات الطوارئ، فلا تعتبر سياسة مدروسة بل عملية شبه ثورية تعكس الطريقة الفتحاوية.
وإذا لم ينتج عن السياسة الجديدة تصعيد العنف المناهض لإسرائيل فمن الممكن أن توافق دولة الاحتلال على السماح بتمرير الأمر بصورة مؤقتة. ولكن الموضوع الأكثر أهمية يتمثل بأن بقاء واستمرار الوضع الجديد في الأراضي المحتلة مرهون بردود فعل المجتمع الدولي. فهل ستستمر أوروبا بتغطية الدعم المالي لفلسطين؟ وهل ستسمح أمريكا للنظام البنكي الفلسطيني بالاستمرار في العمل تحت الظروف الجديدة؟ وهل ستتأقلم دول الإقليم خاصة إسرائيل والأردن مع الواقع الجديد والذي سيشكل سابقة هامة لقرار فلسطيني أحادي الاتجاه. الجواب على هذه الأسئلة ليس واضحا.
وفرت الطريقة الفتحاوية للقادة الفلسطينيين أحيانا، بعض الحلول من خلال فذلكات معينة، ولكن القادة، وهم أمام استحقاقات كبيرة الآن، بحاجة إلى انتخابات توفر لهم الشرعية اللازمة لوضع خطط ناجعة ومدروسة ضمن أهداف واقعية تلقى دعما شعبيا.
المصدر: مؤسسة الشرق الأوسط- واشنطن