الملكة رانيا: نحتاج للتمسك بالتعايش واحترام الاختلاف
القبة نيوز: في التأثير الإيجابي بالأردن لا بد أن تذكر الملكة رانيا العبد الله، وفي مجال التعليم يمر اسمها كذلك، وأيضاً حين الحديث عن التمسك بالتعايش واحترام الاختلاف.
وقد نشرت مجلة 'لها' مؤخراً، حديثاً عن إنجازات الملكة رانيا التي صنعت من رؤاها واقعاً يؤسس لنهضة مجتمعية.
ففي مجال التعليم، تنبهت الملكة إلى مشكلاته، وقالت 'يجب إنقاذ الأجيال، فلنبدأ من خطين متوازيين، لنجرؤ على تطوير المناهج وندرّب المعلّمين في الوقت نفسه على تطبيق أساليب التعليم المتطوّرة'.
وللحاضرين حولها، تروي الملكة رانيا روايات النساء في كفاحهن بحثاً عن النجاح، رواية الشباب الطموح، رواية المجتمع الذي يحضن السلام ليحارب به تطرّف مقاتلي التطوّر بالتطوّر.
وتنبهت الملكة رانيا إلى أن التطور ليس تطوراً إذا لم يخفف بؤس الأقل حظاً ولم يستفد منه الجميع، فقالت 'وهم التطوّر'.
كما تشجع الملكة رانيا على التعاون بين المؤسسات الخاصة والمؤسسات العامة، وتؤمن بفكرة رد الجميل للمجتمع. ففي أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين، معظم الأفكار التي تحوّلت إلى وقائع هي أفكار الملكة وأحلامها الشخصية.
وأطلقت الأكاديمية عام 2009 بالشراكة مع Columbia Teachers College بهدف تقديم فرص التطور المهني للمعلمين عبر تدريبهم في مجالات تخصصاتهم.
وتقول الملكة رانيا: 'أي فرد يمتلك فرصة التأثير الإيجابي عليه أن يستثمرها'، مضيفةً أن 'وجودي في هذا الموقع مسؤولية وحافز من أجل خدمة المجتمع وتحسين أوضاع من حولي. ومَن يعمل في منصب عام لا يعيش لنفسه بل لمَن حوله، وعليه أن يستثمر جهده وعقله وطاقاته ويتابع الأفكار الجديدة والخلاقة ويعمل على تطبيقها من أجل إحراز التقدم والوصول إلى تغيير الظروف الصعبة وتخطي العقبات'.
وتتساءل الملكة: 'لماذا لا تكون إحدى الجامعات العربية بين أول عشرين جامعة في العالم؟ لماذا المحتوى العربي على الإنترنت ضعيف جداً؟'.
وتضيف: 'يجب أن يطور الشخص نفسه من أجل أن يحسّن أحوال من حوله'. وبعد أن قرأت الملكة كتاب 'علّم بثقة' باللغة الإنجليزية لمؤلفه دوغ ليموف الذي قدم 49 أسلوباً ناجحاً في التعليم، تُرجم الكتاب إلى العربية وصدر عن أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين.
وتشير الملكة إلى مناطق الوجع في عالمنا العربي، لاسيما بعد تسلمها شهادة فخرية من جامعة سابينزا الإيطالية، قائلة 'إنهم يدمرون إرثنا الثقافي. ما يحدث من عنف ودمار ليس له علاقة بالدين. هناك معادلة تكرس حالياً للأسف، يتم استقطاب الأفراد باستغلال الدين أو يتم تخويفهم منه وإبعادهم عنه'.
وترى الملكة أنه 'عندما يلتفّ الأفراد حول المصالح الفردية والمناطقية والمذهبية أو الدينية تختفي المصلحة الوطنية ويتحوّل الاهتمام إلى أمور فرعية لا تفيد ولا تحدث التغيير المنشود. نحتاج إلى التمسك بقيم مثل التعايش واحترام الاختلاف والتي تؤدي إلى إثراء تجارب الأفراد. ويجب الخروج من الأطر الضيقة وبناء أساليب وممارسات جديدة تعظم من قيم الإنسانية المشتركة بيننا جميعاً. نعيش الآن تحت مظلّة ثقافة عالمية، ونشهد على انفتاح عالمي، نسافر بسهولة، يمكننا التعرّف إلى الآخر من دون أي حواجز. الإنترنت فتح العالم أمام الجميع وأصبح تبادل الأفكار سريعاً'.
لكن الملكة تقول 'الخوف من هذا الانفتاح انعكس انغلاقاً وتشدداً عند بعض الفئات والأفراد. يجب أن يكون منطقياً ومتوازناً اعتناقنا الانفتاح مقابل خوفنا منه أو حقّنا في نقده. يجب أن نبتعد عن الصراع بين أن نتحوّل إلى مواطنين عالميين أو أن نختار التقوقع على أنفسنا. الحداثة تقتضي إيجاد التوازن، أن يفهم الأفراد أهمية الانفتاح على العالم ويقبلوا به وبالتعايش وأن يكونوا في الوقت نفسه مواطنين فخورين ببلدانهم وبهوياتهم ودينهم. الهويات الفرعية سبب الانقسامات في مجتمعاتنا'.
وتعتبر الملكة رانيا أن 'التعليم هو الأساس الذي يمكننا الانطلاق منه إلى تغيير مجتمعاتنا. وردود الأفعال لا تعكس التغيير ولا تعبّر عنه. الأفراد هم من يصنعون التغيير وما يغيّر الأفراد هو التعليم، وما يجب التركيز عليه هو إيجاد مناهج تواكب المستجدات وأساليب تعليم حديثة والتركيز على المعلم لأنه العنصر الأساسي والمحوري الذي يؤثر في الأجيال، وهو من يخرّج خلال مسيرته آلاف الطلاب. والتغيير الإيجابي لا يحدث إلا إذا تم تدريب المعلّم للدور المحوري الذي يؤديه مؤثراً في المجتمع الأصغر الذي هو المدرسة، وفي المجتمع الأكبر وفي المساهمة التي يقدّمها للعالم'.
وفي إشارة إلى المأساة السورية تقول الملكة 'توجعنا حقيقة ضياع أجيال وتشرّد أطفال لا يذهبون إلى المدارس ويتعرّضون للعنف والقتل ويواجهون الدمار'. وتدافع الملكة رانيا عن 'هؤلاء الذين لا يملكون سوى خيار النجاة بأرواحهم في العدالة والكرامة'، لكنها تقول 'رغم كل هذه المصائب يبقى الأمل'.
وعن المرأة وأهدافها، ترى الملكة أن 'على المرأة أن ترفع مستوى أهدافها ليحدث التغيير. يجب أن تمتلك فرصة الاختيار، أن تختار ما يشكل قناعاتها وأسلوب حياتها وعملها. فالدين أعطى المرأة مكانتها وحقوقها، ولكن ما تتعرض له وتواجهه كرّسته الثقافات المجتمعية ولا علاقة للدين به. وفي كل الأحوال، وضع المرأة في العالم العربي متفاوت ولا يجوز التعميم. في البلد الواحد هناك تفاوت بين أسلوب عيش هذه المرأة أو تلك. التعميم ليس صحيحاً، وما يهم هو أن تتمسك كل امرأة بحق الاختيار والاستقلالية'.
وتضيف: 'أما المشكلة الأبرز في مجتمعاتنا فهي بطالة الشباب. وشبابنا تحرّكهم روح المبادرة. يجب أن يتم خلق فرص عمل من خلال سياسات حكومية منفتحة تحثّ على الاستثمار وتشجع المواهب والأفكار الإبداعية وتعمل من أجل أن تتناسب مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل'.
وتهتم الملكة الجميلة المعروفة في العالم كلّه بأناقتها بـ'المضمون في الدرجة الأولى. هذا ما أنقله إلى ابنتيّ، أنصحهما بالاهتمام بدراستهما وبتطوير قدراتهما الفكرية وتثقيف نفسيهما وبناء شخصيتيهما والانفتاح على ثقافات العالم مع التمسك بإرثهما الثقافي، بالمكان الذي تنتميان إليه وبالمبادئ التي تربيتا عليها'.