facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

روحانية الشرق

روحانية الشرق

العميد المتقاعد عمر الخوري

القبة نيوز-نتميز بالشرق، وخاصة في مشرقنا العربي، بالميل نحو الروحانيات حتى لغير الملتزمين دينيا. كيف لا ونحن أرض الديانات ومهبطها والمكان الذي تشكل الأديان فيه الجزء الأهم من منظومة القيم المجتمعية السائدة. هذا الميل تعزز مؤخرا مع أزمة كورونا، ولا سيما أنه تزامن مع الصوم المسيحي وعيد الفصح المجيد ومع استعدادنا لحلول شهر رمضان المبارك.


لا شك ان الكثيرين منا لمسوا عبرة في تفشي فيروس كورونا. فمع تقدم العلم والتكنولوجيا وإنتشار القيم المادية، ظن البعض انه لا يُقهر. وساد الطغيان والتجبر لدى بعض الافراد وبعض الدول، فجاء تفشي الفيروس، على بشاعته، ليعيد نوعا من التوازن الى الحياة على المستوى الشخصي وعلى المستوى السياسي الدولي. فقد أظهر الفيروس المتناهي الصغر محدودية قدراتنا وتقدمنا العلمي، وتبين لنا ان غزو الفضاء والاسلحة النووية القادرة على تدمير الكرة الارضية تقف عاجزة امام فيروس لا يُرى بالعين المجردة. ومن روح الآية الكريمة "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، شاء القدر ان تكون الدول الأكثر إبتلاءً بالفيروس هي الأكثر قدرة على التعامل معه، او هكذا إعتقدنا، ليُظهر لنا "كوفيد" هشاشة الاستعدادات وردود الافعال ومن ثم انهيارا في المنظومات الصحية وارتفاعا حادا ومؤسفا في الاصابات والوفيات. ومما ساهم في تفاقم الاوضاع التركيز على مدى سنوات طويلة على الربحية بدلا من الرعاية الصحية.

غيّر انتشار المرض كذلك من مفاهيم العولمة حيث انغلقت الدول على نفسها وتوقف السفر والطيران، كما انه زعزع بعض التحالفات الدولية التي لم تنجح في تقديم الدعم والمساعدة لدولها الاكثر تأثراً بالمرض. بالمقابل، عزّز الفيروس من الاحساس بالتساوي بين البشر إذ لم يستهدف فئة او شريحة او شعوبا دون سواها، وإن كان الفقراء اكثر عرضة لمضاعفات المرض وتبعاته. كما أنه بمفارقة ملفتة أبرز ضرورة التعاون الدولي لهزيمته، فلا يمكن التعامل مع الوباء داخل الحدود القطرية الضيقة فيما يتفشى في مناطق اخرى في العالم ويعيد انتقاله من منطقة لأخرى.

في منطقتنا العربية يبدو وكما يقال في العامية "إنه إلنا خطيه"! فبعد فترة قصيرة نسبيا من طرح ما سُمي بصفقة القرن والقرارات الاخرى التي سبقتها والتي ضربت عرض الحائط بكافة قرارات الشرعية الدولية وأضافت ظلما على الظلم الواقع أصلا، تجد الإدارة الامريكية الراعية للصفقة نفسها غارقة في أزمة صحية وإقتصادية خانقة تنسيها ما سواها. هذه الأزمة هي صنيعة لنفس الذهنية القائمة على الاحساس بالعظمة وبأن البعض لا يُقهر، حيث وللأسف أدت القرارات الفردية غير المدروسة لأن تقترب الولايات المتحدة من تسجيل مليون اصابة بالفيروس مع عشرات الالاف من الوفيات من شعبها الطيب الذي نكن له ولمنجزاته كل الاحترام والتقدير. بالإضافة لذلك، هناك إحتمال كبير ان يطيح الفيروس الصغير بالإدارة الحالية في الانتخابات المزمع إجراؤها في مطلع شهر تشرين ثاني بسبب طريقة تعاملها مع الازمة في بداياتها، ولا يسعنا اذا ما صحت هذه التوقعات الا ان نستذكر الآية الكريمة "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".

مرّ علينا عيد الفصح المجيد في ظل الازمة الحالية بقليل من الاهتمام بالطعام واللباس مذكراً إيانا بمقولة السيد المسيح "أليست الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس". وها نحن نقترب من شهر رمضان المبارك بأجوائه الخاصة ومن المتوقع ان تطغى روحانية الشهر الفضيل على ما عداها. كنت دائما متفائلا بشهر رمضان المبارك وبحلوله علينا، وكان التلفزيون الاردني في سنوات خلت يبث فور ثبوت رؤية الهلال إنشاداً باللهجة المصرية يقول مطلعه: "أهلا أهلا يا رمضان أهلا وسهلا يا رمضان، يا جاي ومعاك الخير ألوان، أمل ونصر ونور وأمان". نسأل الله في هذه الايام الصعبة الأمل والنصر والنور والأمان، أعاده الله على الجميع بالصحة واليمن والبركات وكل عام وانتم بخير.

omar.khoury@gmail.com

تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )