facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

البدارين يكتب: الأردني .. هل يقاد إلى الجنة بالسلاسل؟

البدارين يكتب: الأردني .. هل يقاد إلى الجنة بالسلاسل؟

بسام بدارين

القبة نيوز- لا أحد في الكرة الأرضية يعلم كيف يمكن إقناع 14 مواطنا تصرفوا كمراهقين وقرروا الاجتماع بإحدى المزارع نكاية بالسلطات وسياسات العزل الطبي. هذه نكاية بالطهارة والعلم وايذاء بليغ للذات والمجتمع والأسرة وليست عملية تحايل سخيفة على تعليمات من الصنف الذي لا يمكن فرضه بـ«الهراوة» وقوة القانون.


أيضا لا أجد وسيلة يمكن أن تقنع شخصا اختلط بإبن عمه المعلن عن اصابته بالفيروس فقرر من «أجل رزق العيال» تحريك سيارة الخضار خاصته ونزل إلى سوق الخضار فصافح واحتضن وباع واشترى وترك لجنة الاوبئة الوطنية في حيرة، فحرم أطفاله وأطفال أقاربه وبقية المحافظة التي يقيم بها والقبيلة والعشيرة من البضاعة.

لا «فتوى» من أي صنف يمكن أن تردع أحد الموظفين وهو يقرر اخفاء معلومة اصابة والده المتوفي بالفيروس على جميع الزملاء فتنقل وتحرك وزار عشرات الصيدليات حتى حرم الوطن برمته من خدمات صيدلية بأكثر من مئة مقر.

أما الأب العائد من إسبانيا، فأصر على عقد زواج ابنته العروس «حتى لا يكسر خاطرها» رغم علمه المسبق بإصابته بكورونا وكانت النتيجة عقد قران الفيروس على أكثر من 80 ضيفا على العرس وعلى طريقة العداد لا تزال «الحسابة بتحسب».

أما عريس الغفلة والبحر الميت الشهير فبعد تحذيره خطيا إثر حجره صحيا مع عروسته وبعد الحصول على هدايا ملكية، شاهده المواطنون عندما وصل منزل ذويه يعانق ويقبل ويحتضن كل من وقف على رصيف الترحيب.

الأردنيون في السلوك الاجتماعي لا يثقون بالرواية الرسمية ولا يصدقون الحكومة ويميلون إلى الرفع من قيمة الاحتكاك والاجتماع لسبب أو بدونه..
أكيد ثمة تراثيات تختبر اليوم الصبر على مواجهة عالم ما بعد كورونا. وأكيد من الصعب تغيير سلوك اجتماعي مستقر قسرا وبسبب فيروس.

كنت في مدينة الزرقاء وأصر عابر سبيل استفسرت منه عن طريق على الركوب إلى جانبي وسخر من كمامتي معتبرا أن الفيروس مؤامرة للكفار ولن يصيب المسلمين وحاولت عبثا تذكيره بالأطباء المسلمين الذين فقدهم النظام الصحي البريطاني ولجأ إلى قمة الحسد «كفانا الله شروره» وهو يعلنها: نحن أهل الزرقاء لا تصيبنا فيروسات.

مهما فعلت الدولة أمنيا او تثقيفيا لن تصل إلى مستوى إقناع الجمهور بتغيير وتعديل سلوكه. ومن غير المنطقي أن يضع بعض المقترحين الدولة الأردنية اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما إما «إجبار الناس» على الالتزام بالقوة الجبرية أو الاستعداد للانفلات الاجتماعي.

الانفلات الاجتماعي خيار وارد ولكنه ليس حتميا، فالشارع مسرور بوجود الأمن والجيش في الشوارع وفي عمق الاشتباك مع الأزمة وعلى الدولة أن تسأل اليوم عن هوية وحجم حضور ومستوى مصداقية من يصدر «التعليمات للناس» قبل الاستفسار عن أسرع طريقة للإخضاع.

الفرد في الأردن مهم. والمزاج العام يستمع من بعض الأشخاص ولا يؤمن بالعديد من الذين يتواجدون في الواجهة اليوم وثمة ثقات ومثقفون وخبراء وأصحاب حظوة وطنية وسجلات فيها مصداقية يمكن أن يصغي لهم الناس عقائديا وليس إعلاميا فقط، مما يدلنا مجددا على»أزمة أدوات» قديمة تتربع اليوم في عمق أزمة كورونا.

تبدو فعلا الحاجة ملحة حتى يلتزم الأردني ولا يجد الوطن نفسه برمته في مواجهة «الحائط» لاعادة النظر بمسألة «الأدوات» التي تدبر وتقرر وتتولى مسؤولية الشعب بعيدا عن أصحاب التجربة القليلة والأفق المحدود والهواة المتسرعين الاستعراضيين وبعيدا عن «رموز الصدفة» الذين تم تسمينهم في مراحل الاسترخاء العام فكشف الفيروس عن التحدي الكبير المصنوع الآن بسببهم.

ومقابل حالات التجاوز والبؤس والجهل الاجتماعي ومغامرات شريحة من الأردنيين ثمة حالات التزام أخلاقية جماعية وحرص، صعب انكارها وتدلل على أن المجتمع الأردني حضاري وملتزم ووطني ويقف مع الدولة ومؤسساتها عند الأزمات والمطلوب من نخب وقوى الأمر الواقع في المحصلة زيادة مثل هؤلاء بتعزيز جوانب الثقة بين المؤسسات والنخب والشارع.

لابد اولا من استعادة الثقة ولو تدريجيا بالرواية الرسمية عموما.

ولابد من العمل على «إزالة الأسباب» التي يتذرع بها المواطنون الأردنيون وهم يبررون مخالفاتهم بل يتواطئون في مفارقة غريبة مع الفيروس ويخذلون أنفسهم قبل المجتمع والدولة.

لا يقاد الناس الى الجنة بالسلاسل صحيح… لكن سياسيا محنكا مثل الدكتور ممدوح العبادي يصر في الأولوية الصحية على أن القيادة بالسلاسل هي الخيار الأفضل.

ومن الممكن اليوم الاقتناص في اللحظة التاريخية المتوفرة حاليا لبناء حالة تحصين شمولية وأفقية في المجتمع تخفف العبء عن الدولة.

والمطلوب ليس كثيرا في ظل التحدي الوجودي وسقوط كل أنماط وتحالفات الماضي.

أقله حكومة وطنية فعلا قادرة على إقناع الأردنيين لا بل إقناع نفسها بأنها حكومة أصلا واسناد بيروقراطي خبير للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية وتنشيط لطبقة رجال الدولة الحقيقيين الذين أقصاهم طوال سنوات «رموز الصدفة».

وأقله نفض الغبار عن التصنيفات «الأمنية المعلبة» القديمة لأن الوطن ومعه الدولة اليوم محتاج للجميع..تلك قرارات بسيطة ممكنة وغير مكلفة.

القدس العربي

تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير