زكي بني ارشيد يكتب :نحن وكورونا من يصل أولاً ؟
زكي بني ارشيد
القبة نيوز- أطلق فيروس ( كوفيد 19) سلسلة من المفاجآت والتحديات في آنٍ واحد.
إذ على الرغم من أن البعض كان يتوقع حدوث بعضها منذ زمن طويل، ومع ذلك فقد وقعت مفاجآت صادمة أظهرت مدى العجز العالمي لمواجهة الوباء.
كان متوقعاً مثلاً أنه إن توقف السياح عن السفر، فسوف يتعطل قطاع السياحة، لكن لا أحد كان يعرف متى وكيف ولماذا سيتوقف المسافرون فجأة عن القدوم إلى وجهاتهم؟.
وكان مفترضاً أنه إن توقفت السفن عن إيصال البضائع والسلع فستنكمش الأسواق بشدة، لكن لم يكن أحد يعرف ما الذي سيتسبب في ذلك؟.
وكان متوقعاً أيضا تفشي وباء أو جائحة بسبب طفرات جينية لفيروس
مجهول يفتك بمن لا تقوى مناعته الذاتية على المقاومة، وكانت الأنظمة الصحية تتوقع وتدّعي قدرتها على فعل كل ما يلزم للتصدي ، لكن المفاجأة التي حصلت هو أن العالم لم يكن مستعداً لمواجهة تفشي هذا الوباء؟ وكيف أثّر على أنماط الحياة البشرية، وكل مناشطها الاقتصادية وحتى الرياضية.
لا احد بإمكانه أن يتنبأ لحظة الإعلان عن الانتصار على كورونا، لأننا أمام وضع مختلف جوهرياً لكثرة الفواعل وتشابك العوامل المتداخله ، غير أن العامل الأبرز في هذه الحالة هو الجهل بطبيعة الشبح الذي يطاردنا ولا نعرف عن تحديد اتجاهات حركته أو أين وكيف ومتى سيضرب من جديد، فضلاً عن معرفة إمكانية وكيفية السيطرة على هذا البلاء الجديد؟ أو حجم الخسائر التي سيتركها خلفه؟.
المفارقة تكمن في انه لا سبيل للنجاة بشكل فردي إن على مستوى الأشخاص أو الدول، فالولايات المتحدة الأمريكية التي سَخِرت إدارتها بداية الأزمة من تحدي هذه الجائحة تتصدر الآن قائمة الدول في عدد الإصابات وتعاني من ضغط هائل على النظام الصحي الذي انكشف أمام تفشي الوباء بشكل مفاجئ.
لا احد بإمكانه المكابرة من خلال إنكاره الإصابة بالوباء أو نجاحه في إغلاق الحدود أمام الفايروس الموصوف بالغدر وقدرته - أي الفايروس - على الوصول إلى أي مكان دون الحصول على تأشيرة دخول من اي سلطة مهما كانت قوية ومتحكمة.
لا أحد يستطيع العيش معزولا لمدة طويلة، ولا حتى الأنظمة الشمولية التي تحكمت بمركزية شديدة في حياة شعوبها وحجبت عنهم الكثير من الحقائق والمعلومات، هذه الدول عجزت هذه المرة عن الإنكار والمكابرة، وكل ما استطاعت أن تخفيه إلى حين هو عدد الإصابات وربما الوفيات، مع توجيه أصابع الاتهام بعدم المصداقية بسبب غياب الشفافية وضعف أو انعدام الحصول على المعلومة.
عندما يخرج العالم من هذه الأزمة، سيظهر حجم المصيبة التي حلت بالبشرية والخسائر الإقتصادية والأعباء المالية.
الجائحة كانت بمثابة تسونامي من العيار الثقيل، اجتاح العالم بقسوة بآلغة، بعد أن أصبح معيار النجاح هو من يخرج بأقل الخسائر؟ .
التحدي هذه المرة لم يكن سطحيا
ولا وطنيا، وإنما هي الحرب التي تواجه فيها البشرية شبحا دون عنوان ولا هوية ويطارد الجميع دون تمييز.
الأزمة الحالية شاملة وعميقة وطويلة المدى وتختلف عن كل ما سبقها من أزمات .
فهي أزمة حطمت الجغرافيا السياسية، واستباحت السيادة الوطنية، وفجأة وجدت البشرية بأن ما اعتبرته أعظم مكاسبها من سهولة التنقل وانسياب البضائع ورفع العوائق أمام التجارة العالمية، أصبح عبئا عليها ومقيداً لرشاقة حركتها ولياقة مكوناتها.
هي أزمة شاملة أيضاً بمعنى أنها تتحدى كل أبعاد البناء السياسي من المنظومة الدولية إلى المنظومات الإقليمية إلى الدولة الوطنية إلى الوحدات المنضوية تحتها، وتطال كل مكونات البناء الاجتماعي من العائلة إلى الفرد .
وهي شاملة لكل مجالات النشاط الإنساني، فالقادح الصحي يحاكم الاقتصاد والتربية والثقافة والسياسة.
وعلى جميع المستويات كافة، الدولة القطرية أو الاتحادات القومية والتكتلات الإقليمية والدولية.
تطرح الأزمة الحالية أسئلة كبرى من ضمنها العلاقة المركبة بين "رأس المال الوطني" و " سيادة الدولة الحديثة"، بعد أن أصبحت الجملة الأكثر تداولاً بأن العالم ما بعد الكورونا لن يكون كما كان قبلها سواءا كان الحديث عن الاقتصاد أو رأس المال أو إدارة الاعمال أو النظم السياسية أو علم الاجتماع وفلسفة العلاقات الدولية ومساءلة المفاهيم التي ساد استعمالها، مثل التعاون والتنافس والاعتماد المتبادل والحدود والسيادة ومفهوم المواطنة وغيرها، ونظرا لان الصورة في الساحة الدولية لم تتضح بما فيه الكفاية ، تنوعت المقاربات المعتمدة بين من غلب سياسات صارمة اعتمدت التوقي والحصار الشامل ولو أدى الأمر تحمل تكلفة اقتصادية ثقيلة (يتهامس البعض ان الصين لجأت لهذه المقاربة بعد أن تراخت في التصدي في الوقت المناسب ،ويحملها تبعا لذلك تضليل الرأي العام العالمي، والتسبب في كارثة إنسانية كان بالإمكان محاصرتها في المنشأ )، وبين من اعتمد سياسة مسايرة تدرجية للمحافظة في نفس الوقت على السوق و الأرواح، في حين فضل صنف ثالث من الدول التعويل على إمكانية الوصول إلى مناعة جماعية بعد فترة تعايش وخسائر لا يمكن تجنبها ، وهي مقاربة سرعان ما عدل عنها أصحابها (بريطانيا و الولايات المتحدة ) تحت ضغط الرأي العام وخوفا من التكلفة الأخلاقية و السياسية وحتى الانتخابية .
المواجهة متعددة الأوجه، والانعكاسات الاقتصادية، لا تخفى الصعوبات الهيكلية التي تعاني منها اقتصاديات كونية لا زالت على قائمة التصنيف بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة، هذا على الرغم من غزارة الإنتاج الا ان المفقود حتى هذه اللحظة هو عدالة التوزيع، ما يعني أن العالم كله يعيش مرحلة الحضانة، ولحظات المخاض لميلاد النظام الجديد، ليس من أجل القيم الأخلاقية ولا العدالة الاجتماعية فقط وإنما لأسباب موضوعية متعلقة بمواصفات النظام العالمي الجديد والتهديد الذي يمكن أن ينفجر في أي لحظة ما لم يتحقق الأمن العالمي والسلم الدولي والتغلب على المخاطر السيبرانية والتهديدات الأمنية، المتعلقة بالحد من الفقر وغياب العدالة وإعادة توزيع الثروة قبل أن تندلع الثورة وامواج الهجرات البشرية الباحثة عن لقمة العيش من جهة وعن الاستقرار والشراكة الوطنية الناتجة عن إصلاحات بنيوية ترسم ملامح النظام القادم الجديد.
إن البلدان والمدن والكتل الاقتصادية والمكونات الإنسانية المؤهلة لتجاوز هذه المحنة هي تلك القادرة على إستقبال المنتجات الهائلة لثورة الذكاء الصناعي، التي بدأت مبادراتها منذ عشرة أعوام، صحيح انها كانت خجولة، ونجاعتها محدودة، إلا أن الفايروس الجديد والتطور المتسارع في منتجات الثورة الصناعية الرابعة منذ خمس سنوات فتح الباب واسعا أمام التطبيقات المتعلقة بالاستشفاء عن بعد، كما هو التعلم أيضاً، الأمر الذي يستوجب الاستعجال في إنزال تقنية الاتصال 5G، والحوسبة السحابية (cloud computing)، والزراعة المائية الذكية ، وتدفق المعلومات الهائلة، واصبح الحلم بالتغلب على تخلف وسائل المواصلات كي تواكب التطور الهائل بالاتصالات قاب قوسين أو أدنى، واصبح تسيير الطيران الكهربائي ( e-craft ) هو الناقل المرتقب المفضل الأكثر أمناً والأقل تلوثاً، وسيتيح هذا البديل للمجموعات اختيار طائرتهم بحسب رغباتهم، نقل كثيف لا ينفث السم الكربوني، ولا يحتاج للبنية التحتية (المطارات العملاقة) ذات الكلفة الهائلة، ومخاطر العدوى الكبيرة.
والنقل الجديد أكثر أمناً وغير ناقل للعدوى بسبب تجنب الازدحام في الطائرات والكثافة في المطارات.
ترجمة المخيال العلمي الذي هو أقرب للتطبيق سيكون على نحو السيارات الحديثة أو ما يطلق عليه "أوبرايزاشين" اي مثل شركة (اوبر) المتخصصة بالنقل البري عبر التطبيقات الذكية.
لقد دخل العالم على خجل او على مهل مرحلة الاستشارات عن بعد، قد تكون نجاعتها حتى الآن متواضعة، لأن النجاح والتعميم في هذا المضمار يحتاج ويعتمد بشكل رئيس على نجاعة البنى التحتية اللازمة اولاً، وحجم الجهود المُستثمرة فيها ثانياً ، والأهم تصديقُنا وقناعتُنا بأن التحول هو الممر الاجباري الذي لا مفر منه للباحثين عن المستقبل.
ليس الأمر مقتصراً على استشراف المستقبل وفهم احتياجات المواطنين المعاشية فقط، لأن العبور نحو المستقبل الآمن يحتاج إلى الرؤية الشاملة، التي تحقق الإجراءات الاستباقية بالنظر إلى ما هو أبعد من اللحظة الراهنة والواقع الذي نعيشه،
الخلاصة وماذا بعد؟.
على مستوى الاقتصاد بدأ البعض يبشر بنهاية العولمة بعد فشل النظرية والتجربة الرأسمالية ويبشر من جهة أخرى بالعودة التائبة إلى الاشتراكية الشمولية، وهؤلاء ببساطة يتمتعون بعاطفة رغائبية حالمة وغير قادرة على فهم التاريخ فضلاً عن القدرة على ملء الفراغ أو المشاركة في قيادة العالم.
وتحدث آخرون عن نسخة جديدة من العولمة والراسمالية القائمة على نفس المبادئ التي تأسست بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبعد فشل التجربة الشيوعية المركزية، ويظهر أن هؤلاء أيضاً لم يستفيدوا من الفرصة المرافقة للازمة الاقتصادية التي ضربت قواعد الاقتصاد الرأسمالي المركزي عام 2008.
هذا المتعلق بالاقتصاد ولكن ماذا عن السياسة؟
إذا كانت بعض الدول تعاني من أزمة الثقة بين حكامها وشعوبها ، فإن التعايش مع أزمة طويلة الأمد يفرض
التفكير بشكل مختلف في الحلول والأولويات.
الفيروس الصغير كشف المستور وفضح الخزعبلات ومزق الخرافات ووضع النقطة في نهاية السطر.
لتبدأ الحياة من جديد، فالمستقبل القادم بنظامه الجديد، يشكل تحدياً للحكم الشمولي، ويخلو من الإستبداد السياسي والدجل الإعلامي والتوظيف الديني، ولا مكان فيه للهرطقات السياسية أو احتكار السلطة والقرار.
كوفيد 19 يعلن وبضربة واحدة وإلى الأبد : وداعاً لمرحلة الإستبداد السياسي والاحتكار الاقتصادي وما ينشأ على شواطئهما من فساد واسع ودمار كبير، صرخة سيذعن لها الجميع ومن أبى وكابر واستكبر فإن سنن الكون قاهرة وغلّابة،
كَناطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً ليِوُهِنَها * فَلَمْ يَضِرّْها وأوْهى قَرْنَه الوعِلُ
إذ على الرغم من أن البعض كان يتوقع حدوث بعضها منذ زمن طويل، ومع ذلك فقد وقعت مفاجآت صادمة أظهرت مدى العجز العالمي لمواجهة الوباء.
كان متوقعاً مثلاً أنه إن توقف السياح عن السفر، فسوف يتعطل قطاع السياحة، لكن لا أحد كان يعرف متى وكيف ولماذا سيتوقف المسافرون فجأة عن القدوم إلى وجهاتهم؟.
وكان مفترضاً أنه إن توقفت السفن عن إيصال البضائع والسلع فستنكمش الأسواق بشدة، لكن لم يكن أحد يعرف ما الذي سيتسبب في ذلك؟.
وكان متوقعاً أيضا تفشي وباء أو جائحة بسبب طفرات جينية لفيروس
مجهول يفتك بمن لا تقوى مناعته الذاتية على المقاومة، وكانت الأنظمة الصحية تتوقع وتدّعي قدرتها على فعل كل ما يلزم للتصدي ، لكن المفاجأة التي حصلت هو أن العالم لم يكن مستعداً لمواجهة تفشي هذا الوباء؟ وكيف أثّر على أنماط الحياة البشرية، وكل مناشطها الاقتصادية وحتى الرياضية.
لا احد بإمكانه أن يتنبأ لحظة الإعلان عن الانتصار على كورونا، لأننا أمام وضع مختلف جوهرياً لكثرة الفواعل وتشابك العوامل المتداخله ، غير أن العامل الأبرز في هذه الحالة هو الجهل بطبيعة الشبح الذي يطاردنا ولا نعرف عن تحديد اتجاهات حركته أو أين وكيف ومتى سيضرب من جديد، فضلاً عن معرفة إمكانية وكيفية السيطرة على هذا البلاء الجديد؟ أو حجم الخسائر التي سيتركها خلفه؟.
المفارقة تكمن في انه لا سبيل للنجاة بشكل فردي إن على مستوى الأشخاص أو الدول، فالولايات المتحدة الأمريكية التي سَخِرت إدارتها بداية الأزمة من تحدي هذه الجائحة تتصدر الآن قائمة الدول في عدد الإصابات وتعاني من ضغط هائل على النظام الصحي الذي انكشف أمام تفشي الوباء بشكل مفاجئ.
لا احد بإمكانه المكابرة من خلال إنكاره الإصابة بالوباء أو نجاحه في إغلاق الحدود أمام الفايروس الموصوف بالغدر وقدرته - أي الفايروس - على الوصول إلى أي مكان دون الحصول على تأشيرة دخول من اي سلطة مهما كانت قوية ومتحكمة.
لا أحد يستطيع العيش معزولا لمدة طويلة، ولا حتى الأنظمة الشمولية التي تحكمت بمركزية شديدة في حياة شعوبها وحجبت عنهم الكثير من الحقائق والمعلومات، هذه الدول عجزت هذه المرة عن الإنكار والمكابرة، وكل ما استطاعت أن تخفيه إلى حين هو عدد الإصابات وربما الوفيات، مع توجيه أصابع الاتهام بعدم المصداقية بسبب غياب الشفافية وضعف أو انعدام الحصول على المعلومة.
عندما يخرج العالم من هذه الأزمة، سيظهر حجم المصيبة التي حلت بالبشرية والخسائر الإقتصادية والأعباء المالية.
الجائحة كانت بمثابة تسونامي من العيار الثقيل، اجتاح العالم بقسوة بآلغة، بعد أن أصبح معيار النجاح هو من يخرج بأقل الخسائر؟ .
التحدي هذه المرة لم يكن سطحيا
ولا وطنيا، وإنما هي الحرب التي تواجه فيها البشرية شبحا دون عنوان ولا هوية ويطارد الجميع دون تمييز.
الأزمة الحالية شاملة وعميقة وطويلة المدى وتختلف عن كل ما سبقها من أزمات .
فهي أزمة حطمت الجغرافيا السياسية، واستباحت السيادة الوطنية، وفجأة وجدت البشرية بأن ما اعتبرته أعظم مكاسبها من سهولة التنقل وانسياب البضائع ورفع العوائق أمام التجارة العالمية، أصبح عبئا عليها ومقيداً لرشاقة حركتها ولياقة مكوناتها.
هي أزمة شاملة أيضاً بمعنى أنها تتحدى كل أبعاد البناء السياسي من المنظومة الدولية إلى المنظومات الإقليمية إلى الدولة الوطنية إلى الوحدات المنضوية تحتها، وتطال كل مكونات البناء الاجتماعي من العائلة إلى الفرد .
وهي شاملة لكل مجالات النشاط الإنساني، فالقادح الصحي يحاكم الاقتصاد والتربية والثقافة والسياسة.
وعلى جميع المستويات كافة، الدولة القطرية أو الاتحادات القومية والتكتلات الإقليمية والدولية.
تطرح الأزمة الحالية أسئلة كبرى من ضمنها العلاقة المركبة بين "رأس المال الوطني" و " سيادة الدولة الحديثة"، بعد أن أصبحت الجملة الأكثر تداولاً بأن العالم ما بعد الكورونا لن يكون كما كان قبلها سواءا كان الحديث عن الاقتصاد أو رأس المال أو إدارة الاعمال أو النظم السياسية أو علم الاجتماع وفلسفة العلاقات الدولية ومساءلة المفاهيم التي ساد استعمالها، مثل التعاون والتنافس والاعتماد المتبادل والحدود والسيادة ومفهوم المواطنة وغيرها، ونظرا لان الصورة في الساحة الدولية لم تتضح بما فيه الكفاية ، تنوعت المقاربات المعتمدة بين من غلب سياسات صارمة اعتمدت التوقي والحصار الشامل ولو أدى الأمر تحمل تكلفة اقتصادية ثقيلة (يتهامس البعض ان الصين لجأت لهذه المقاربة بعد أن تراخت في التصدي في الوقت المناسب ،ويحملها تبعا لذلك تضليل الرأي العام العالمي، والتسبب في كارثة إنسانية كان بالإمكان محاصرتها في المنشأ )، وبين من اعتمد سياسة مسايرة تدرجية للمحافظة في نفس الوقت على السوق و الأرواح، في حين فضل صنف ثالث من الدول التعويل على إمكانية الوصول إلى مناعة جماعية بعد فترة تعايش وخسائر لا يمكن تجنبها ، وهي مقاربة سرعان ما عدل عنها أصحابها (بريطانيا و الولايات المتحدة ) تحت ضغط الرأي العام وخوفا من التكلفة الأخلاقية و السياسية وحتى الانتخابية .
المواجهة متعددة الأوجه، والانعكاسات الاقتصادية، لا تخفى الصعوبات الهيكلية التي تعاني منها اقتصاديات كونية لا زالت على قائمة التصنيف بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة، هذا على الرغم من غزارة الإنتاج الا ان المفقود حتى هذه اللحظة هو عدالة التوزيع، ما يعني أن العالم كله يعيش مرحلة الحضانة، ولحظات المخاض لميلاد النظام الجديد، ليس من أجل القيم الأخلاقية ولا العدالة الاجتماعية فقط وإنما لأسباب موضوعية متعلقة بمواصفات النظام العالمي الجديد والتهديد الذي يمكن أن ينفجر في أي لحظة ما لم يتحقق الأمن العالمي والسلم الدولي والتغلب على المخاطر السيبرانية والتهديدات الأمنية، المتعلقة بالحد من الفقر وغياب العدالة وإعادة توزيع الثروة قبل أن تندلع الثورة وامواج الهجرات البشرية الباحثة عن لقمة العيش من جهة وعن الاستقرار والشراكة الوطنية الناتجة عن إصلاحات بنيوية ترسم ملامح النظام القادم الجديد.
إن البلدان والمدن والكتل الاقتصادية والمكونات الإنسانية المؤهلة لتجاوز هذه المحنة هي تلك القادرة على إستقبال المنتجات الهائلة لثورة الذكاء الصناعي، التي بدأت مبادراتها منذ عشرة أعوام، صحيح انها كانت خجولة، ونجاعتها محدودة، إلا أن الفايروس الجديد والتطور المتسارع في منتجات الثورة الصناعية الرابعة منذ خمس سنوات فتح الباب واسعا أمام التطبيقات المتعلقة بالاستشفاء عن بعد، كما هو التعلم أيضاً، الأمر الذي يستوجب الاستعجال في إنزال تقنية الاتصال 5G، والحوسبة السحابية (cloud computing)، والزراعة المائية الذكية ، وتدفق المعلومات الهائلة، واصبح الحلم بالتغلب على تخلف وسائل المواصلات كي تواكب التطور الهائل بالاتصالات قاب قوسين أو أدنى، واصبح تسيير الطيران الكهربائي ( e-craft ) هو الناقل المرتقب المفضل الأكثر أمناً والأقل تلوثاً، وسيتيح هذا البديل للمجموعات اختيار طائرتهم بحسب رغباتهم، نقل كثيف لا ينفث السم الكربوني، ولا يحتاج للبنية التحتية (المطارات العملاقة) ذات الكلفة الهائلة، ومخاطر العدوى الكبيرة.
والنقل الجديد أكثر أمناً وغير ناقل للعدوى بسبب تجنب الازدحام في الطائرات والكثافة في المطارات.
ترجمة المخيال العلمي الذي هو أقرب للتطبيق سيكون على نحو السيارات الحديثة أو ما يطلق عليه "أوبرايزاشين" اي مثل شركة (اوبر) المتخصصة بالنقل البري عبر التطبيقات الذكية.
لقد دخل العالم على خجل او على مهل مرحلة الاستشارات عن بعد، قد تكون نجاعتها حتى الآن متواضعة، لأن النجاح والتعميم في هذا المضمار يحتاج ويعتمد بشكل رئيس على نجاعة البنى التحتية اللازمة اولاً، وحجم الجهود المُستثمرة فيها ثانياً ، والأهم تصديقُنا وقناعتُنا بأن التحول هو الممر الاجباري الذي لا مفر منه للباحثين عن المستقبل.
ليس الأمر مقتصراً على استشراف المستقبل وفهم احتياجات المواطنين المعاشية فقط، لأن العبور نحو المستقبل الآمن يحتاج إلى الرؤية الشاملة، التي تحقق الإجراءات الاستباقية بالنظر إلى ما هو أبعد من اللحظة الراهنة والواقع الذي نعيشه،
الخلاصة وماذا بعد؟.
على مستوى الاقتصاد بدأ البعض يبشر بنهاية العولمة بعد فشل النظرية والتجربة الرأسمالية ويبشر من جهة أخرى بالعودة التائبة إلى الاشتراكية الشمولية، وهؤلاء ببساطة يتمتعون بعاطفة رغائبية حالمة وغير قادرة على فهم التاريخ فضلاً عن القدرة على ملء الفراغ أو المشاركة في قيادة العالم.
وتحدث آخرون عن نسخة جديدة من العولمة والراسمالية القائمة على نفس المبادئ التي تأسست بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبعد فشل التجربة الشيوعية المركزية، ويظهر أن هؤلاء أيضاً لم يستفيدوا من الفرصة المرافقة للازمة الاقتصادية التي ضربت قواعد الاقتصاد الرأسمالي المركزي عام 2008.
هذا المتعلق بالاقتصاد ولكن ماذا عن السياسة؟
إذا كانت بعض الدول تعاني من أزمة الثقة بين حكامها وشعوبها ، فإن التعايش مع أزمة طويلة الأمد يفرض
التفكير بشكل مختلف في الحلول والأولويات.
الفيروس الصغير كشف المستور وفضح الخزعبلات ومزق الخرافات ووضع النقطة في نهاية السطر.
لتبدأ الحياة من جديد، فالمستقبل القادم بنظامه الجديد، يشكل تحدياً للحكم الشمولي، ويخلو من الإستبداد السياسي والدجل الإعلامي والتوظيف الديني، ولا مكان فيه للهرطقات السياسية أو احتكار السلطة والقرار.
كوفيد 19 يعلن وبضربة واحدة وإلى الأبد : وداعاً لمرحلة الإستبداد السياسي والاحتكار الاقتصادي وما ينشأ على شواطئهما من فساد واسع ودمار كبير، صرخة سيذعن لها الجميع ومن أبى وكابر واستكبر فإن سنن الكون قاهرة وغلّابة،
كَناطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً ليِوُهِنَها * فَلَمْ يَضِرّْها وأوْهى قَرْنَه الوعِلُ