الشخصية العراقية بين الأمس واليوم
حسن اسميك
القبة نيوز- في العام 2003 ,قرر الرئيس جورج بوش الابن الاطاحة بنظام صدام حسين تحت ذريعة الاستحواذ على أسلحة الدمار الشامل ؛تم اتخاذ قرار غزو العراق دون امتلاك رؤية عميقة عن طبيعة الشعب العراقي ،لذلك عانى الأمريكيون و حلفائهم بعد سقوط بغداد في تحديد التحالفات المجتعية و المحلية ، ، وفشلت ادارة بول بريمر في كيفية نقل العراق وشعبه إلى بر الأمان والاستقرار .
كان التعامل العشوائي واللحظي هوسيدالموقف؛لهذا تعثرت العملية السياسية وتعطلت المشاريع التنموية واعادة الإعمار(حتى الآن) فغياب استراتيجية واضحة ومتكاملة التي تعتمد على فهم تعقيدات و تركيبات المجتمع العراقي المحلية و مفاصلها الاجتماعية و الدينية و الاثنية قبل قرار الغزو أدى بالعراق إلى الوقوع تحت دائرة النفوذ الايراني ،(وصفه بعض العراقيين بالخضوع شبه التام لايران ) ، و الفراغ المفاجىء في السلطات المحلية و المجتمعية أدت بشكل كبيرإلى تعثر عملية إعادة الإعمار بعد حرب 2003.
ولتوضيح الفرضية المقترحة سأستعين ببعض أطروحات عالم الاجتماع العراقي الراحل د. علي الوردي من خلال دراسته القيمة " شخصية الفرد العراقي " و التي صدرت في في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي حول صفات العراقيين والكيفية التي يفكرون بها و العوامل الاجتماعية و النفسية التي تحدد طبيعة تحالفاتهم و تفاعلاتهم بين بعضهم و بين الاخرين.
يرى الوردي أن الشخصية العراقية، تعاني من الازدواجية و التناقض؛ فالعراقيُّ أكثرُ الناس هُياماً بالمـُثُل العليا وأكثرهم انحرافاً عنها في واقع حياته، ومن أكثر الناس حُبَّاً للوطن ويتملّص من خدمة العَلَم، ومن أكثرهم انغماساً بين المذاهب الدينية وأقلُّهم تمسُّكاً بالدِّيْن، ويلتهب حماساً لمبادئ العدل والعفو والرحمة ويُسْرِع بالاعتداء على غيره ضرباً ولَكْماً، إنَّه ليس بهذا منافقاً أو مرائياً كما قالوا عن الشعب العراقي، ولكنَّه في الواقع ذو شخصيتين، يفكّر بإحداهما ويعمل بأخرى.
إنَّ هذه الازدواجية المنتاقضة موجودةٌ عند كلِّ الناس على المستوى الشخصيّ – قليلاً أو كثيراً – ولكنَّها عند العراقيّ أكثر ظهوراً وتغلغلاً في أعماق نفسه، ويرجع ذلك إلى ثلاثة أسبابٍ: حضارية، واجتماعية، ونفسيّة.
فمن الناحية الحضارية: نرى العراق مهداً لأول مدنيةٍ وحضارةٍ في التاريخ، مجاوراً لصحراء كبيرة تعجُّ بالبدو، الذين هجروا صحراءهم ودخلوا العراق، فنشأ فيه طبقتان: طبقة بدويةٌ محاربة، وطبقة زراعية خاضعة، وهذا الصراعُ الحضاريُّ أثَّر في شخصية الفرد العراقي تأثيراً بليغاً، فاقتبس نوعين من القيم الاجتماعية، فعند مواجهة مَنْ هو أقوى منه يصبح خاضعاً (مازوكياً)، وعند مواجهة مَنْ هو أضعفُ منه يكون غضوباً (ساديَّاً)، وازدادت هذه الازدواجية وترسخت أكثر في العهد العباسي وبعدها في الدولة العثمانية.
وأما اجتماعياً: فاتَّسَمَ المجتمع العراقيُّ بظاهرةِ "التجزُّؤ"، أي: انقسام أسلوب الحياة بين الرجل والمرأة والطفل، وقلَّ أن نجد في الدنيا مجتمعاً تجزَّأتْ فيه العائلةُ كالعراق.
وأطفالُ العراق نشؤوا في الأزقَّة والحارات والشوارع، يؤلفون زمراً محليةً هي في الحقيقة بذور لنموّ العصابات الكبيرة، فسادَتْ بينهم قيم التفاخرِ بالقوة وحبّ السيطرة والعصبية المحلية، وسرعان ما تختفي هذه النزعةُ عندما يعود للمنزل، فيُطلَبُ منه أن يكون إنساناً وقوراً عاقلاً، أو يذهب مع أبيه للمقهى فيسمعُ الناس يتكلمون بالأفكار السامية ويتفاصحون في الكلام، فينشأ بازدواجيةٍ بين الزقاق والمنزل والمقهى.
وأما نفسياً: فكلُّ ظاهرةٍ اجتماعية لها جانبٌ نفسيٌّ، فعندما يطلب الآباءُ من أبنائهم أن يكونوا في مستوى رفيع في المجتمع في أعمالهم وسلوكهم وكلامهم، ويحاسبونهم على كلِّ هفوةٍ حساباً عسيراً، ويتشدَّدون في تعليمهم لدى الكُتَّاب، ويطلقون يدَ المعلّم في التأديب والتربية والتعليم، ويطلبون منه أن لا يظهر الرحمة أبداً، عندما يحصل كلُّ هذا ينشأ الطفلُ العراقيُّ وله شخصيتان: شخصيةٌ مؤدبة خاضعة، وشخصية ثائرة معتدية، ويؤدي ذلك في غالب الأحيان إلى نموّ الرياء والنفاق، أضف إلى ذلك أنه لا يكاد يبلغ الحُلُم إلا ويرى المرأة قد حُجِبتْ عنه، فيشيع الانحرافُ الجنسيُّ الذي يؤدي إلى الانحراف النفسيّ، وهذا الكَبْتُ النفسيُّ أثَّر بشدة في الإنسان العراقيّ، فحاول التنفيس عن هذا الكبت بكثرة انتقاده للآخرين، فينسب خراب الوطن للآخرين وهو مساهمٌ في هذا الخراب، وينتقد موظفو الحكومةِ الحكومةَ وكأنَّها مؤلفةٌ من غيرهم، وينتقدون الغيبة والنميمة والكذب وهم يفعلونها.
فدافعُ الجنس مكبوتٌ عند العراقيين لشدة حجاب المرأة، ودافع القوة مكبوتٌ لسياسة الاستعباد في العراق منذ مئات السنين، ودافع الحياة مكبوتٌ لما توالى على العراق من مجاعات وأوبئة وحروب وفيضانات، وهذا كان له الأثر الأكبر في ازدواج الشخصية.
وأدَّى كذلك الفرقُ الكبيرُ بين اللغة الدارجة (العامية) واللغة الفصحى إلى مزيد من هذه الازدواجية، فالعراقيُّ يتقمّص شخصيتين ويفكّر بنمطين، في حياته اليومية الاعتيادية يتعامل بالعامية،ـ وفي المحافل والتأليف بالفصحى، ودعا المؤلفُ إلى دمج العامية بالفصحى في لغةٍ واحدةٍ كما فعل الأوروبيون في النهضة الحديثة.
وأخيرا أخلص إلى القول ، بأن طروحات الوردي مهمة جدا للساسة ؛ ذلك ان علم النفس و التاريخ عاملان اساسيان لفهم الشعوب و المساعدة في بنائها. اذا لا ينفع فقط تقديم المساعدات الاقتصادية و الانسانية و انما ايضا بناء الشعوب يعتمد على بناء الفرد و الاسرة و المجتمع لذلك من المهم جدا العودة الى مراجع كهذه لفهم الشخصية العراقية و التعامل معها بشكل جدي يتيح المجال أمام العراق للعبور من حالة الفوضى الى بر الأمان و الاستقرار، بالأخص ان الساسة الاميركييون لا يملكون النية للانسحاب العسكري من العراق مما يترتب على الأمر الانخراط السياسي المباشر مع المكونات السياسية العراقية للتعاون طويل الأمد لبناء عراق يملك قراره الوطني المستقل ،ويحقق مطالب شبابه الثائر -في الميادين- ا لذي يتوق للديمقراطية والتعددية السياسية، والدولة المدنية البعيدة عن الفساد و الارتهان للأحزاب المؤدلجة التي حكمت بعد عام 2003.
ايلاف.
كان التعامل العشوائي واللحظي هوسيدالموقف؛لهذا تعثرت العملية السياسية وتعطلت المشاريع التنموية واعادة الإعمار(حتى الآن) فغياب استراتيجية واضحة ومتكاملة التي تعتمد على فهم تعقيدات و تركيبات المجتمع العراقي المحلية و مفاصلها الاجتماعية و الدينية و الاثنية قبل قرار الغزو أدى بالعراق إلى الوقوع تحت دائرة النفوذ الايراني ،(وصفه بعض العراقيين بالخضوع شبه التام لايران ) ، و الفراغ المفاجىء في السلطات المحلية و المجتمعية أدت بشكل كبيرإلى تعثر عملية إعادة الإعمار بعد حرب 2003.
ولتوضيح الفرضية المقترحة سأستعين ببعض أطروحات عالم الاجتماع العراقي الراحل د. علي الوردي من خلال دراسته القيمة " شخصية الفرد العراقي " و التي صدرت في في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي حول صفات العراقيين والكيفية التي يفكرون بها و العوامل الاجتماعية و النفسية التي تحدد طبيعة تحالفاتهم و تفاعلاتهم بين بعضهم و بين الاخرين.
يرى الوردي أن الشخصية العراقية، تعاني من الازدواجية و التناقض؛ فالعراقيُّ أكثرُ الناس هُياماً بالمـُثُل العليا وأكثرهم انحرافاً عنها في واقع حياته، ومن أكثر الناس حُبَّاً للوطن ويتملّص من خدمة العَلَم، ومن أكثرهم انغماساً بين المذاهب الدينية وأقلُّهم تمسُّكاً بالدِّيْن، ويلتهب حماساً لمبادئ العدل والعفو والرحمة ويُسْرِع بالاعتداء على غيره ضرباً ولَكْماً، إنَّه ليس بهذا منافقاً أو مرائياً كما قالوا عن الشعب العراقي، ولكنَّه في الواقع ذو شخصيتين، يفكّر بإحداهما ويعمل بأخرى.
إنَّ هذه الازدواجية المنتاقضة موجودةٌ عند كلِّ الناس على المستوى الشخصيّ – قليلاً أو كثيراً – ولكنَّها عند العراقيّ أكثر ظهوراً وتغلغلاً في أعماق نفسه، ويرجع ذلك إلى ثلاثة أسبابٍ: حضارية، واجتماعية، ونفسيّة.
فمن الناحية الحضارية: نرى العراق مهداً لأول مدنيةٍ وحضارةٍ في التاريخ، مجاوراً لصحراء كبيرة تعجُّ بالبدو، الذين هجروا صحراءهم ودخلوا العراق، فنشأ فيه طبقتان: طبقة بدويةٌ محاربة، وطبقة زراعية خاضعة، وهذا الصراعُ الحضاريُّ أثَّر في شخصية الفرد العراقي تأثيراً بليغاً، فاقتبس نوعين من القيم الاجتماعية، فعند مواجهة مَنْ هو أقوى منه يصبح خاضعاً (مازوكياً)، وعند مواجهة مَنْ هو أضعفُ منه يكون غضوباً (ساديَّاً)، وازدادت هذه الازدواجية وترسخت أكثر في العهد العباسي وبعدها في الدولة العثمانية.
وأما اجتماعياً: فاتَّسَمَ المجتمع العراقيُّ بظاهرةِ "التجزُّؤ"، أي: انقسام أسلوب الحياة بين الرجل والمرأة والطفل، وقلَّ أن نجد في الدنيا مجتمعاً تجزَّأتْ فيه العائلةُ كالعراق.
وأطفالُ العراق نشؤوا في الأزقَّة والحارات والشوارع، يؤلفون زمراً محليةً هي في الحقيقة بذور لنموّ العصابات الكبيرة، فسادَتْ بينهم قيم التفاخرِ بالقوة وحبّ السيطرة والعصبية المحلية، وسرعان ما تختفي هذه النزعةُ عندما يعود للمنزل، فيُطلَبُ منه أن يكون إنساناً وقوراً عاقلاً، أو يذهب مع أبيه للمقهى فيسمعُ الناس يتكلمون بالأفكار السامية ويتفاصحون في الكلام، فينشأ بازدواجيةٍ بين الزقاق والمنزل والمقهى.
وأما نفسياً: فكلُّ ظاهرةٍ اجتماعية لها جانبٌ نفسيٌّ، فعندما يطلب الآباءُ من أبنائهم أن يكونوا في مستوى رفيع في المجتمع في أعمالهم وسلوكهم وكلامهم، ويحاسبونهم على كلِّ هفوةٍ حساباً عسيراً، ويتشدَّدون في تعليمهم لدى الكُتَّاب، ويطلقون يدَ المعلّم في التأديب والتربية والتعليم، ويطلبون منه أن لا يظهر الرحمة أبداً، عندما يحصل كلُّ هذا ينشأ الطفلُ العراقيُّ وله شخصيتان: شخصيةٌ مؤدبة خاضعة، وشخصية ثائرة معتدية، ويؤدي ذلك في غالب الأحيان إلى نموّ الرياء والنفاق، أضف إلى ذلك أنه لا يكاد يبلغ الحُلُم إلا ويرى المرأة قد حُجِبتْ عنه، فيشيع الانحرافُ الجنسيُّ الذي يؤدي إلى الانحراف النفسيّ، وهذا الكَبْتُ النفسيُّ أثَّر بشدة في الإنسان العراقيّ، فحاول التنفيس عن هذا الكبت بكثرة انتقاده للآخرين، فينسب خراب الوطن للآخرين وهو مساهمٌ في هذا الخراب، وينتقد موظفو الحكومةِ الحكومةَ وكأنَّها مؤلفةٌ من غيرهم، وينتقدون الغيبة والنميمة والكذب وهم يفعلونها.
فدافعُ الجنس مكبوتٌ عند العراقيين لشدة حجاب المرأة، ودافع القوة مكبوتٌ لسياسة الاستعباد في العراق منذ مئات السنين، ودافع الحياة مكبوتٌ لما توالى على العراق من مجاعات وأوبئة وحروب وفيضانات، وهذا كان له الأثر الأكبر في ازدواج الشخصية.
وأدَّى كذلك الفرقُ الكبيرُ بين اللغة الدارجة (العامية) واللغة الفصحى إلى مزيد من هذه الازدواجية، فالعراقيُّ يتقمّص شخصيتين ويفكّر بنمطين، في حياته اليومية الاعتيادية يتعامل بالعامية،ـ وفي المحافل والتأليف بالفصحى، ودعا المؤلفُ إلى دمج العامية بالفصحى في لغةٍ واحدةٍ كما فعل الأوروبيون في النهضة الحديثة.
وأخيرا أخلص إلى القول ، بأن طروحات الوردي مهمة جدا للساسة ؛ ذلك ان علم النفس و التاريخ عاملان اساسيان لفهم الشعوب و المساعدة في بنائها. اذا لا ينفع فقط تقديم المساعدات الاقتصادية و الانسانية و انما ايضا بناء الشعوب يعتمد على بناء الفرد و الاسرة و المجتمع لذلك من المهم جدا العودة الى مراجع كهذه لفهم الشخصية العراقية و التعامل معها بشكل جدي يتيح المجال أمام العراق للعبور من حالة الفوضى الى بر الأمان و الاستقرار، بالأخص ان الساسة الاميركييون لا يملكون النية للانسحاب العسكري من العراق مما يترتب على الأمر الانخراط السياسي المباشر مع المكونات السياسية العراقية للتعاون طويل الأمد لبناء عراق يملك قراره الوطني المستقل ،ويحقق مطالب شبابه الثائر -في الميادين- ا لذي يتوق للديمقراطية والتعددية السياسية، والدولة المدنية البعيدة عن الفساد و الارتهان للأحزاب المؤدلجة التي حكمت بعد عام 2003.
ايلاف.