بوتين والبوتينية لعام 2036 .. لماذا؟
د.حسام العتوم
القبة نيوز-إن الدافع الذي وقف خلف تحريك قلمي باتجاه الكتابة عن شخصية رئيس الفيدرالية الروسية فلاديمير فلاديميورفيج بوتين، وعن حقبته "البوتينية" الرئاسية , والقيادية الفولاذية, والفريدة من نوعها على خارطة العالم, هو ما تناقلته وكالات الانباء، ومنها الفرنسية A.F.P، والسوشيال ميديا، حول شروع روسيا والنخبة السياسية فيها بالتخطيط لتمديد رئاسة بوتين حتى عام 2036، وهو صاحب الكاريزما التي يصعب تكرارها بسهولة في الزمن القريب، رغم حضور الدستور المانع لأن يكرر الرئيس او يكرر نفسه لأكثر من دورتين رئاسيتين، بينما يشارف بوتين على ان يقترب من إنهاء دورته الرئاسية الرابعة عام 2024. ومن الطبيعي عندها ان يترك دورة رئاسية اصبحت مدتها ست سنوات بدلاً من اربع سنوات بعد تعديل الدستور عام 2008. وكان يرتكز سابقاً على ابن مدينته (سانت بيتر بورغ) دميتري ميدفيديف ليشغل كرسي الكرملين لفترة رئاسية واحدة، ويقبل هو برئاسة الوزراء لنفس الفترة الزمنية، وهو ما حدث فعلاً في عمق الزمن المعاصر، فكيف سيكون حال مقعد بوتين الرئاسي في القصر الجمهوري للفيدرالية الروسية (الكرملين) بعد عام 2004، وحتى عام 2036؟ وهل لا زالت روسيا عاجزة عن انجاب شخصية رئاسية بمستوى بوتين؟ ومن يقود روسيا الان، حزب روسيا الموحدة الحاكم، ام النخبة السياسية القريبة من بوتين، ام جهاز ال FCB الامني الاستخباري الاقرب لبوتين؟ وهل توجد معارضة ايدولوجية حقيقية لموضوع التمديد لبوتين مثل الحزب الشيوعي، ووسط عامة الناس عبر الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، وحتى وسط طبقة الاوليغارخ الثرية؟
دعوني ابحر معكم هنا لأجيب على السؤال الرئاسي الروسي المطروح هنا، وعبر وسائل الاعلام، وبموضوعية.
لقد ظهر حل التمديد الرئاسي لبوتين مبكراً، واعلنه حزب روسيا الموحدة الحاكم من خلال الذهاب لتصفير عداد الفترات الدستورية، والبدء من جديد لادخال بوتين لحقبة رئاسية جديدة تمتد إلى 12 عاماً إلى الامام بعد عام 2024، وهو ما علق عليه الرئيس بوتين نفسه بقوله: بأن الكرة في ملعب المجلس الدستوري العالي، وهو الأمر الذي يؤشر على وجود رغبة وتخطيط مشترك لمجموعة من المؤسسات إلى جانب بوتين مثل جهاز ال F.C.B (المخابرات الروسية)، وحزب روسيا الموحدة الحاكم، والنخبة السياسية والاقتصادية الاوليغارخية، ومؤازرين بطبيعة الحال من وسط كل الطبقات الاجتماعية الفقيرة، والمتوسطة، والغنية.
ولا ننسى هنا بأن بوتين وصل إلى مرحلة من الاعتداد بالنفس، وبقوته, ومن الاعتماد على نفسه في إدارة دفة الانتخابات الرئاسية, وقيادة روسيا إلى درجة كبيرة، ولقد لاحظنا مؤخراً عدم اعتماده على حزبه الحاكم "روسيا الموحدة" في الانتخابات الرئاسية عام 2018، وترك الشارع الروسي يقول كلمته بحقه عبر صناديق الاقتراع، وكانت النتيجة مدهشة ليس للروس فقط، وإنما للغرب الامريكي إن صح التعبير، ولكل العالم، حيث حصد 76.66% من اصوات الناخبين الروس، وبحجم وصل إلى أكثر من 55 مليون صوتاً بعد فرز 99.83% من الأوراق، وتجاوزت نسبة الاقبال على التصويت وقتها 67%. وهذه الارقام اعلاه هي الاعلى منذ عام 2000 ومروراً بعام 2004 إلى الامام.
كتب وولتر لاكوير في مؤلفه "البوتينية – روسيا ومستقبلها مع الغرب. ص153" عندما اصبح بوتين رئيساً، كانت روسيا تتخبط في تيه الفوضى والاضطرابات المروعة. كانت الدولة والاقتصاد في حالة يرثى لها من العطالة والركود. و كانت هناك حاجة إلى قدر كبير من روح الطموح أو الوطنية لإلهام قيادة البلاد, ورفع روحها المعنوية في هذه الظروف. نظراً لكونه ليس خبيرا اقتصادياً، و لم يكن بوتين ربما على اطلاع كامل بخطورة الوضع، و لا بد انه كان قد عرف الكثير عن ذلك الوضع في ضوء المناصب الرفيعة التي كان قد شغلها خلال السنوات السابقة. فيما يتعلق برئيس وزرائه، قام بوتين بتعيين ميخائيل كاسيانوف، الذي تحول لاحقاً إلى ناقد لاذع لنظامه, و اجرى كاسيانوف اصلاحات هامة وناجحة في المجال الاقتصادي (اصلاحات نقدية، واصلاحات جمركية). جرى خفض التضخم وشهد الاقتصاد نمواً لافتاً خلال عهده بحوالي الثلث. (انتهى الاقتباس).
وتعليقي هنا هو ان الكاتب لاكوير اغفل فترة بوريس يلتسين الرئاسية التي كادت أن تفكك الدولة الروسية، وهدمت الاقتصاد فيها، وحولت نظام المجتمع الروسي ذي الجذور السوفيتية الاشتراكية إلى طبقي يسوده الاثرياء, وذابت فيه الطبقة المتوسطة، وسط الطبقة الفقيرة الواسعة التي قدرّت بـ 70% واكثر.
وكتب لاكوير في ص153 و 154 يقول أيضاً بأن اسلوب بوتين اختلف في ادارة الحكومة، مؤكداً بأن فصل السلطات جرى الغاؤه واستبداله بمبدأ (السلطة العمودية) الذي كان يعني أن كافة القرارات الهامة كان يتم اتخاذها من قبل الحكومة، دون ان يكون للبرلمان او القضاء اي رأي بعد الآن.
وقال لاكوير "لم تكن بداية رئاسة بوتين بداية مباشرة. فبعد ثلاثة اشهر من تعيينه، في آب / اغسطس 2000، وقعت كارثة الغواصة كورسك. كانت كورسك عبارة عن غواصة حاملة للصواريخ تعمل بالطاقة النووية، وقد غرقت في بحر بارنتس. وحدثت كارثة الهجوم الارهابي الذي وقع عام 2002، واودى بحياة 130 شخصاً ابان عملية تحرير الرهائن في مسرح موسكو. وهنا ينتقد لاكوير الحادثتين، بينما اعتبرهما شخصياً حوادث وقعت، وتم تفاديها بمهارة روسية كبيرة رغم الخسار البشرية بطبيعة الحال، ولا توجد دولة في العالم تقريباً تمكنت من ان تنجو من حوادث القدر، او التخطيط الاسود المسبق.
وفي صفحة 155 منه كتب لاكوير يقول بأن "نظرة بوتين الاستشرافية إلى الاقتصاد كانت قد تشكلت على الارجح خلال السنوات التي أمضاها في المانيا – المثال الالماني الغربي تحديداً. وكان من المؤيدين لسياسة سوق ضمن حدود، وكان يصر على تطبيق قدر كبير من السيطرة الحكومية والاشراف الحكومي على الاقتصاد، وكان يقاوم بحزم أية محاولة من قبل الاوليغارخيين للسيطرة على السلطة السياسية. اولئك ممن لم ينصاعو للقوانين الجديدة، امثال ميخائيل خودوركوفسكي ,وبوريس بيريزوفسكي. (انتهى الاقتباس).
وتعليقي هنا من جديد هو ان الرئيس بوتين اعتمد منذ البداية سياسة السوق الحر اقتصادياً، وانشطر بالتدريج عن الاقتصاد السوفيتي السابق المغلق، وانفتح على الغرب. وحتى على امريكا , لكن الحرب الباردة التي ترفضها روسيا إلى جانب رفضها لسباق التسلح، وجهت روسيا للاستمرار في تطوير سلاحها النوعي, ومنه غير التقليدي النووي, وغيره الفضائي, وعلى حساب تطوير البنية التحتية في الداخل الروسي، واحتفظت بالرقم (2) في تجارة السلاح عالمياً، وواصلت التنقيب عن البترول والغاز في القطب الشمالي حديثاً لتعويض خسارتها التاريخية ربما لفقدانها اقليم الاسكا عام 1867 ومكتنزاته الطبيعية الغنية, وهو تحليل لي يخضع للصواب و الخطأ. وتتعامل مع دول العالم سياسياً واقتصادياً من زاوية التعددية القطبية، وترفض سيطرة القطب الواحد على اقتصادات العالم.
ويواصل لاكوير توجيه انتقادات لروسيا في الملف الشيشاني ص(159), بسبب مقتل أحمد قديروف، ولحادثة مدرسة بيسلان، لكنه يعود ويقول بأن موسكو نجحت في فرض سيطرتها على القوقاز الشمالي، وتعيين قديروف (الاصغر) اي الابن حاكما على الاقليم" جمهورية الشيشان" خلفاً لوالده (انتهى الاقتباس).
وقولي هنا هو بأن التطرف الديني في القفقاس لم يشكل في التاريخ حلاً للمحافظة على استقلال روسيا، وبدى وقتها بأن تقاسم الاستقلال ليس مخرجاً ايضاً، والاعتذار من قبل الدولة الروسية اصبح واجباً قانونياً بعد صدور قانون لروسيا عام 1991 يعترف بعدم احقية النفي في عمق التاريخ المعاصر. وكلنا نراهن على حكمة الرئيس بوتين وبعد نظره في الزمن القادم الطويل. خاصة وأن سبب ملف النفي غير المعلن ارتكز على شريحة قفقاسية وضعت تحت علامة استفهام في الحرب الوطنية العظمى الثانية "1939-1945" في زمن قدم فيه القفقاس بطولات و اسماء جنرالات عديدة لصالح الخندق السوفييتي انذاك .
وأقرأ هنا ايضاً في صفحة 159 بأنه في عام 2004، جرى انتخاب بوتين رئيساً للمرة الثانية. وعلى صعيد الوطن، جرى مصادرة ممتلكات يوكس Yokos ، احدى شركات النفط العملاقة، وجرى اعتقال مالكها، ميخائيل خودوركوفسكي عام 2003, والحكم عليه بالسجن لمدة تسع سنوات بتهمة التهرب الضريبي, وجرائم اخرى. وشهدت الفترة 2006 – 2007 توترات مع جيران روسيا مثل اوكرانيا, وجورجيا, وبلدان البلطيق.
اصبح ديمتري ميدفيديف رئيساً عام 2008، وبوتين رئيساً للوزراء. وخاضت روسيا حرباً مع جورجيا لبضعة أيام، وحدث انفراج محدود مع الولايات المتحدة عام 2009. "انتهى الاقتباس"
وهنا لاكوير والحديث لي لم يتعمق في دهاليز السياسة الروسية الداخلية ومع الجوار. وكان الرئيس بوتين محقاً في ضبط الداخل, وحديثا منح البرلمان (الدوما) سلطة اضافية للعمل، ولا زال امامه الكثير ليعمل بالتعاون مع طاقمه الاداري رفيع المستوى وفي مقدمتهم ميخائيل ميشوستين رئيس وزرائه الجديد المختلف بأدائه بكل تأكيد عن سلفه ميدفيديف, وهو الذي اعلن مؤخرا بأن بلاده روسيا تجري تجاربا على ستة اصناف من علاجات فايروس كورونا. و في المقابل كنت اسمع مطالبات لعامة الناس داخل روسيا ومنذ زمن قريب بضرورة استبداله عن كرسي رئاسة الوزراء ، وهو ما حصل حديثاً, حيث أصبح مساعداً لبوتين في الأمن القومي. ومن وجهة نظري كمراقب ومحلل للسياسة الداخلية الروسية ايضا، فإن روسيا محتاجة اليوم لإجراء دمج بين نظام اقتصادها المركزي مع نظام اللامركزية، ليتاح لمدن الدرجة الثالثة و الاقاليم بالتطور الذاتي، والتخلص من مسألة ارسال خبرات المدن للعاصمة موسكو، ولمدينة سانت بيتربورغ، ولمدينة سوتشي البحرية من دون تحقيق فائدة تلحظ لمعظم المدن والاقاليم الروسية.
والعلاقة الروسية الاوكرانية والجورجية، ومع البلطيق وكما الاحظ شخصياً الآن، وحتى منذ انهيار الاتحاد السوفيتي تخضع لمعادلة الفوبيا والرُهاب " الخوف العميق" غير المبرر من روسيا، ومن سياستها الخارجية، وهي فوبيا مبرمجة وليست بريئة. ولامريكا، ولحلفها (الناتو) الغربي مصلحة مباشرة فيها، ولأسباب اقتصادية حتما، واخرى سياسية ذات علاقة بأهمية سيطرة القطب الواحد. بينما هي روسيا الاكثر تمسكاً بالقانون الدولي عبر مجلس الامن، والامم المتحدة، والمحكمة الدولية. وتجد في اتفاقية (مينسك) حلا جذرياً لضبط ايقاع الأمن الاوكراني والعلاقة مع روسيا بعيداً عن مسألة اعادتها لاقليم القرم الذي اصبح مستقبله السياسي محسوماً روسياً، ولا يخضع لأي نقاش، والتاريخ شاهد عيان على أحقيتيه الروسية السيادية.
وفي المقابل ايضا، ومن زاوية الموضوعية، فإن معارضة يقودها الحزب الشيوعي وتيار من المثقفين، ومن عامة الناس في روسيا لمسألة تمديد الفترة الرئاسية لبوتين حتى عام 2036. وحتى المؤرخ وولتر لاكوير الذي ترجم كتابه "البوتينية" للعربية د. فواز زعرور لم يتمكن من التنبوء بمن سيخلف بوتين، ولا حتى جهاز لوجستي في العالم. و الان اصبح مؤكداً بأن الرئيس بوتين سيخلف نفسه، ويبقى في سلطة (الكرملين) إثنا عشرة عاماً بعد عام 2024.
بمعنى انه باق حتى عمر 84 بعد عمرطويل. الا اذا كان البرنامج السياسي الروسي رفيع المستوى يخطط بأتجاه اخر .
دعوني ابحر معكم هنا لأجيب على السؤال الرئاسي الروسي المطروح هنا، وعبر وسائل الاعلام، وبموضوعية.
لقد ظهر حل التمديد الرئاسي لبوتين مبكراً، واعلنه حزب روسيا الموحدة الحاكم من خلال الذهاب لتصفير عداد الفترات الدستورية، والبدء من جديد لادخال بوتين لحقبة رئاسية جديدة تمتد إلى 12 عاماً إلى الامام بعد عام 2024، وهو ما علق عليه الرئيس بوتين نفسه بقوله: بأن الكرة في ملعب المجلس الدستوري العالي، وهو الأمر الذي يؤشر على وجود رغبة وتخطيط مشترك لمجموعة من المؤسسات إلى جانب بوتين مثل جهاز ال F.C.B (المخابرات الروسية)، وحزب روسيا الموحدة الحاكم، والنخبة السياسية والاقتصادية الاوليغارخية، ومؤازرين بطبيعة الحال من وسط كل الطبقات الاجتماعية الفقيرة، والمتوسطة، والغنية.
ولا ننسى هنا بأن بوتين وصل إلى مرحلة من الاعتداد بالنفس، وبقوته, ومن الاعتماد على نفسه في إدارة دفة الانتخابات الرئاسية, وقيادة روسيا إلى درجة كبيرة، ولقد لاحظنا مؤخراً عدم اعتماده على حزبه الحاكم "روسيا الموحدة" في الانتخابات الرئاسية عام 2018، وترك الشارع الروسي يقول كلمته بحقه عبر صناديق الاقتراع، وكانت النتيجة مدهشة ليس للروس فقط، وإنما للغرب الامريكي إن صح التعبير، ولكل العالم، حيث حصد 76.66% من اصوات الناخبين الروس، وبحجم وصل إلى أكثر من 55 مليون صوتاً بعد فرز 99.83% من الأوراق، وتجاوزت نسبة الاقبال على التصويت وقتها 67%. وهذه الارقام اعلاه هي الاعلى منذ عام 2000 ومروراً بعام 2004 إلى الامام.
كتب وولتر لاكوير في مؤلفه "البوتينية – روسيا ومستقبلها مع الغرب. ص153" عندما اصبح بوتين رئيساً، كانت روسيا تتخبط في تيه الفوضى والاضطرابات المروعة. كانت الدولة والاقتصاد في حالة يرثى لها من العطالة والركود. و كانت هناك حاجة إلى قدر كبير من روح الطموح أو الوطنية لإلهام قيادة البلاد, ورفع روحها المعنوية في هذه الظروف. نظراً لكونه ليس خبيرا اقتصادياً، و لم يكن بوتين ربما على اطلاع كامل بخطورة الوضع، و لا بد انه كان قد عرف الكثير عن ذلك الوضع في ضوء المناصب الرفيعة التي كان قد شغلها خلال السنوات السابقة. فيما يتعلق برئيس وزرائه، قام بوتين بتعيين ميخائيل كاسيانوف، الذي تحول لاحقاً إلى ناقد لاذع لنظامه, و اجرى كاسيانوف اصلاحات هامة وناجحة في المجال الاقتصادي (اصلاحات نقدية، واصلاحات جمركية). جرى خفض التضخم وشهد الاقتصاد نمواً لافتاً خلال عهده بحوالي الثلث. (انتهى الاقتباس).
وتعليقي هنا هو ان الكاتب لاكوير اغفل فترة بوريس يلتسين الرئاسية التي كادت أن تفكك الدولة الروسية، وهدمت الاقتصاد فيها، وحولت نظام المجتمع الروسي ذي الجذور السوفيتية الاشتراكية إلى طبقي يسوده الاثرياء, وذابت فيه الطبقة المتوسطة، وسط الطبقة الفقيرة الواسعة التي قدرّت بـ 70% واكثر.
وكتب لاكوير في ص153 و 154 يقول أيضاً بأن اسلوب بوتين اختلف في ادارة الحكومة، مؤكداً بأن فصل السلطات جرى الغاؤه واستبداله بمبدأ (السلطة العمودية) الذي كان يعني أن كافة القرارات الهامة كان يتم اتخاذها من قبل الحكومة، دون ان يكون للبرلمان او القضاء اي رأي بعد الآن.
وقال لاكوير "لم تكن بداية رئاسة بوتين بداية مباشرة. فبعد ثلاثة اشهر من تعيينه، في آب / اغسطس 2000، وقعت كارثة الغواصة كورسك. كانت كورسك عبارة عن غواصة حاملة للصواريخ تعمل بالطاقة النووية، وقد غرقت في بحر بارنتس. وحدثت كارثة الهجوم الارهابي الذي وقع عام 2002، واودى بحياة 130 شخصاً ابان عملية تحرير الرهائن في مسرح موسكو. وهنا ينتقد لاكوير الحادثتين، بينما اعتبرهما شخصياً حوادث وقعت، وتم تفاديها بمهارة روسية كبيرة رغم الخسار البشرية بطبيعة الحال، ولا توجد دولة في العالم تقريباً تمكنت من ان تنجو من حوادث القدر، او التخطيط الاسود المسبق.
وفي صفحة 155 منه كتب لاكوير يقول بأن "نظرة بوتين الاستشرافية إلى الاقتصاد كانت قد تشكلت على الارجح خلال السنوات التي أمضاها في المانيا – المثال الالماني الغربي تحديداً. وكان من المؤيدين لسياسة سوق ضمن حدود، وكان يصر على تطبيق قدر كبير من السيطرة الحكومية والاشراف الحكومي على الاقتصاد، وكان يقاوم بحزم أية محاولة من قبل الاوليغارخيين للسيطرة على السلطة السياسية. اولئك ممن لم ينصاعو للقوانين الجديدة، امثال ميخائيل خودوركوفسكي ,وبوريس بيريزوفسكي. (انتهى الاقتباس).
وتعليقي هنا من جديد هو ان الرئيس بوتين اعتمد منذ البداية سياسة السوق الحر اقتصادياً، وانشطر بالتدريج عن الاقتصاد السوفيتي السابق المغلق، وانفتح على الغرب. وحتى على امريكا , لكن الحرب الباردة التي ترفضها روسيا إلى جانب رفضها لسباق التسلح، وجهت روسيا للاستمرار في تطوير سلاحها النوعي, ومنه غير التقليدي النووي, وغيره الفضائي, وعلى حساب تطوير البنية التحتية في الداخل الروسي، واحتفظت بالرقم (2) في تجارة السلاح عالمياً، وواصلت التنقيب عن البترول والغاز في القطب الشمالي حديثاً لتعويض خسارتها التاريخية ربما لفقدانها اقليم الاسكا عام 1867 ومكتنزاته الطبيعية الغنية, وهو تحليل لي يخضع للصواب و الخطأ. وتتعامل مع دول العالم سياسياً واقتصادياً من زاوية التعددية القطبية، وترفض سيطرة القطب الواحد على اقتصادات العالم.
ويواصل لاكوير توجيه انتقادات لروسيا في الملف الشيشاني ص(159), بسبب مقتل أحمد قديروف، ولحادثة مدرسة بيسلان، لكنه يعود ويقول بأن موسكو نجحت في فرض سيطرتها على القوقاز الشمالي، وتعيين قديروف (الاصغر) اي الابن حاكما على الاقليم" جمهورية الشيشان" خلفاً لوالده (انتهى الاقتباس).
وقولي هنا هو بأن التطرف الديني في القفقاس لم يشكل في التاريخ حلاً للمحافظة على استقلال روسيا، وبدى وقتها بأن تقاسم الاستقلال ليس مخرجاً ايضاً، والاعتذار من قبل الدولة الروسية اصبح واجباً قانونياً بعد صدور قانون لروسيا عام 1991 يعترف بعدم احقية النفي في عمق التاريخ المعاصر. وكلنا نراهن على حكمة الرئيس بوتين وبعد نظره في الزمن القادم الطويل. خاصة وأن سبب ملف النفي غير المعلن ارتكز على شريحة قفقاسية وضعت تحت علامة استفهام في الحرب الوطنية العظمى الثانية "1939-1945" في زمن قدم فيه القفقاس بطولات و اسماء جنرالات عديدة لصالح الخندق السوفييتي انذاك .
وأقرأ هنا ايضاً في صفحة 159 بأنه في عام 2004، جرى انتخاب بوتين رئيساً للمرة الثانية. وعلى صعيد الوطن، جرى مصادرة ممتلكات يوكس Yokos ، احدى شركات النفط العملاقة، وجرى اعتقال مالكها، ميخائيل خودوركوفسكي عام 2003, والحكم عليه بالسجن لمدة تسع سنوات بتهمة التهرب الضريبي, وجرائم اخرى. وشهدت الفترة 2006 – 2007 توترات مع جيران روسيا مثل اوكرانيا, وجورجيا, وبلدان البلطيق.
اصبح ديمتري ميدفيديف رئيساً عام 2008، وبوتين رئيساً للوزراء. وخاضت روسيا حرباً مع جورجيا لبضعة أيام، وحدث انفراج محدود مع الولايات المتحدة عام 2009. "انتهى الاقتباس"
وهنا لاكوير والحديث لي لم يتعمق في دهاليز السياسة الروسية الداخلية ومع الجوار. وكان الرئيس بوتين محقاً في ضبط الداخل, وحديثا منح البرلمان (الدوما) سلطة اضافية للعمل، ولا زال امامه الكثير ليعمل بالتعاون مع طاقمه الاداري رفيع المستوى وفي مقدمتهم ميخائيل ميشوستين رئيس وزرائه الجديد المختلف بأدائه بكل تأكيد عن سلفه ميدفيديف, وهو الذي اعلن مؤخرا بأن بلاده روسيا تجري تجاربا على ستة اصناف من علاجات فايروس كورونا. و في المقابل كنت اسمع مطالبات لعامة الناس داخل روسيا ومنذ زمن قريب بضرورة استبداله عن كرسي رئاسة الوزراء ، وهو ما حصل حديثاً, حيث أصبح مساعداً لبوتين في الأمن القومي. ومن وجهة نظري كمراقب ومحلل للسياسة الداخلية الروسية ايضا، فإن روسيا محتاجة اليوم لإجراء دمج بين نظام اقتصادها المركزي مع نظام اللامركزية، ليتاح لمدن الدرجة الثالثة و الاقاليم بالتطور الذاتي، والتخلص من مسألة ارسال خبرات المدن للعاصمة موسكو، ولمدينة سانت بيتربورغ، ولمدينة سوتشي البحرية من دون تحقيق فائدة تلحظ لمعظم المدن والاقاليم الروسية.
والعلاقة الروسية الاوكرانية والجورجية، ومع البلطيق وكما الاحظ شخصياً الآن، وحتى منذ انهيار الاتحاد السوفيتي تخضع لمعادلة الفوبيا والرُهاب " الخوف العميق" غير المبرر من روسيا، ومن سياستها الخارجية، وهي فوبيا مبرمجة وليست بريئة. ولامريكا، ولحلفها (الناتو) الغربي مصلحة مباشرة فيها، ولأسباب اقتصادية حتما، واخرى سياسية ذات علاقة بأهمية سيطرة القطب الواحد. بينما هي روسيا الاكثر تمسكاً بالقانون الدولي عبر مجلس الامن، والامم المتحدة، والمحكمة الدولية. وتجد في اتفاقية (مينسك) حلا جذرياً لضبط ايقاع الأمن الاوكراني والعلاقة مع روسيا بعيداً عن مسألة اعادتها لاقليم القرم الذي اصبح مستقبله السياسي محسوماً روسياً، ولا يخضع لأي نقاش، والتاريخ شاهد عيان على أحقيتيه الروسية السيادية.
وفي المقابل ايضا، ومن زاوية الموضوعية، فإن معارضة يقودها الحزب الشيوعي وتيار من المثقفين، ومن عامة الناس في روسيا لمسألة تمديد الفترة الرئاسية لبوتين حتى عام 2036. وحتى المؤرخ وولتر لاكوير الذي ترجم كتابه "البوتينية" للعربية د. فواز زعرور لم يتمكن من التنبوء بمن سيخلف بوتين، ولا حتى جهاز لوجستي في العالم. و الان اصبح مؤكداً بأن الرئيس بوتين سيخلف نفسه، ويبقى في سلطة (الكرملين) إثنا عشرة عاماً بعد عام 2024.
بمعنى انه باق حتى عمر 84 بعد عمرطويل. الا اذا كان البرنامج السياسي الروسي رفيع المستوى يخطط بأتجاه اخر .