لماذا يجدر بالأردنيين أن يلزموا منازلهم: العلم لمبدأ "إبقاء المسافة" بين الناس
يزن العجلوني
القبة نيوز-- الزيادة في اعداد المصابين بات امراً محتومًا كما هو الحال الآن. لقد فشلت الجهود الدولية لاحتواء فيروس كورونا المستجد، وهو فيروس معدي مسئول عن أكثر من 8000 حالة وفاة حول العالم. مما يجبر المسئولين على اتخاذ تدابير مختلفة والقيام بخطوة أخري للتعامل مع هذا الوباء، وهي خطوة "التأخير". مع أكثر من 200,000 حالة مصابة حول العالم، دول مثل المملكة المتحدة وإيطاليا وجدوا أنفسهم متأخرين عن التصرف ببضع آلاف حالة. ففي إيطاليا على سبيل المثال، عدد الأفراد المصابين تزايد بسرعة رهيبة خلال بضعة أيام، قبل اتخاذ أي تدابير وإجراءات وقائية. وفي المملكة المتحدة لم يختلف الوضع كثيراً، حيث خاطب بوريس جونسون رئيس الوزراء الأمة قائلاً إن الناس يجب أن يستعدوا ليفقدوا أقاربهم وأحبائهم نظراً لأن نظام الرعاية الصحية سيفشل ببساطة في احتواء عدد المصابين. مثل هذه الدول لا تستطيع أن تفعل شيئاً في هذه المرحلة سوي التركيز على تأخير المحتوم وإبطاء الناتج المؤسف نتيجة الإصابة بمثل هذا الوباء.
ولكن لا يجب أن يكون هذا واقع الأردن. بمثل هذا المرض ذو معدل نشر العدوي الهائل، فإن المعدل الذي يصبح فيه السكان مصابين بالعدوى يصنع فرقاً هائلاً فيما إذا كان هناك عدد كافٍ من أسرة المستشفيات (والأطباء والموارد أيضاً) لمعالجة المرضي.
تبعاً للأرقام الرسمية من جامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة الأمريكية، هناك أكثر من 200,000 حالة عدوي حول العالم. منهم 48 حالة فقط تم التعرف على إصابتهم بالأردن، وتم التأكد من وجود معظم هذه الحالات بالأردن في الأيام السابقة. مما يعني أن هناك تأخر في عدد المصابين بفيروس كورونا في الأردن عند مقارنة الأعداد بكل من أوروبا وآسيا. وهذا التأخر سمح للمسئولين وصانعي القرار بالدولة أن يفهموا معدل العدوي الخاص بهذا المرض ويتعلموا الدرس بسرعة من الدول الأوروبية لحسن الحظ. فبدءًا من 17 مارس، فرضت الأردن حظرًا صارمًا على أماكن التنزه العامة. وهذا يتضمن إغلاق المطاعم والمقاهي وأي تجمع يتضمن أكثر من عشرة أفراد. بالإضافة إلى ذلك، تم منع جميع رحلات الطيران، وتم حجز أكثر من 3,000 فرد ممن سافروا إلى الأردن في اليومين الماضيين، حيث تم وضعهم في حجر صحي بفنادق متعددة في عمان والبحر الميت.
المنحني
هذه السياسات الصارمة على الرغم من إنها تعتبر مثيرة للجدل بالنسبة لكثير من الناس، إلا أنها مثالية وضرورية للغاية لمحاولة احتواء انتشار الفيروس قبل أن يخرج عن السيطرة. ففي علم الأوبئة، هذه السياسات تتماشي مع الإجراءات الضرورية للتحكم في انتشار الوباء. إن فكرة ونظرية إبطاء انتشار الفيروس بحيث تكون القدرة الاستيعابية بالمستشفيات للعلاج كافية في أي وقت تعرف بـ "خفض المنحني". وقد قامت الحكومة الأردنية باتخاذ كافة التدابير الضرورية لخفض المنحني. إليك ما تحتاج لمعرفته عن المنحني ودورك كعضو من المجتمع لتساعد في خفضه.
المنحني يوضح عدد الأشخاص المصابين بالنسبة للوقت منذ أول حالة مصابة. شكل المنحني يمكن أن يتخذ هيئات عديدة، والذي يعتمد في النهاية على معدل انتشار العدوي. كلما ارتفع منحني العدوي، كلما زادت السرعة التي تثقل بها هيئات الرعاية الصحية المحلية أكثر من قدرتها الاستيعابية لعلاج المرضي. فكما نري في إيطاليا، عدد متزايد من المرضي لا يستطيع أن يحصل على سرير بالعناية المركزة، كما يتزايد عدد المستشفيات التي يمكن أن تنفذ منها الموارد الأساسية التي يحتاجونها للاستجابة للوباء. ببساطة شديدة، كلما كان المنحني مسطحًا أكثر، كلما نتج عنه نفس العدد من الأشخاص المصابين، ولكن في فترة زمنية أكبر، مما يتيح إمكانية احتواء المصابين وعلاجهم وتوفير الرعاية الصحية لهم بالمستشفيات. وفي النهاية سينتج عنه معدل وفيات أقل بكثير جدًا من منحني مرتفع، حيث أن الناس لا يتم رفض علاجهم بالمستشفيات بسبب مشكلات متعلقة بالقدرة الاستيعابية.
كيف يمكننا أن نخفض المنحني؟
مع كل التدابير الهائلة التي تم اتخاذها بواسطة الحكومة الأردنية، تصبح الإجابة بسيطة: لدينا مسئولية تلزمنا بالبقاء بالمنزل. "إبقاء المسافة" أو "الإبعاد الاجتماعي" هو إجراء ضروري لخفض منحني الوباء، وبخاصة عندما لا يكون العلاج له متوفرًا أو من المتوقع أن يتوفر بالمستقبل القريب.
تقنية خفض المنحني ناجحة، ولقد نجحت مرات عديدة على مدي التاريخ وتم دعمها بعلم الأوبئة. في عام 1918 عندما سببت الانفلونزا الإسبانية وبائا عالميا (لا يختلف كثيرًا عما يحدث الآن)، قام المسئولون بمدينة فيلادلفيا بتجاهل كل التحذيرات من خبراء الأوبئة المعدية بشأن انتشار العدوي في المجتمع. بل إنهم قاموا برعاية ودعم موكب ضخم جمع مئات الآلاف من الناس في الشوارع. وفي خلال 48 ساعة، بدأ آلاف الناس بالموت. ضحت فيلادلفيا بـ 16,000 شخص من ساكني تلك المدينة خلال ستة أشهر فقط.
أما في مدينة سانت لويس، فرض المسئولون سياسات عزل اجتماعي صارمة، مثل تلك التي فرضت من الحكومة الأردنية اليوم. حيث تم إغلاق المدارس على الفور، وتم تقليل السفر، كما تم حظر التجمعات العامة. ونتيجة لذلك، نجحت المدينة في معالجة معظم المصابين بالعدوي (ولو أن الأمر أخذ وقتًا أطول حينها). وكانت النتيجة وفاة 2,000 شخصاً فقط، أي ثمن الأرواح التي خسرتها مدينة فيلادلفيا في نفس الوقت.
أما اليوم، فإن الأردنيين لديهم ميزة وسط هذه الأزمة التي تهدد الصحة العالمية، مع عدد المصابين الذي لم يتجاوز المائة شخص. ومع أن هذا الرقم مقدر له أن يتزايد، إلا أننا لدينا واجب ومسئولية اجتماعية لنبطئ من سرعة انتشار المرض. لقد أدت الحكومة دورها بكفاءة، أما ما تبقى فهو يعتمد على الناس. لنقف معًا من أجل مجتمعنا بالبقاء في المنزل وممارسة العزل الاجتماعي. دعونا نكن مثالاً يحتذي به للعالم أجمع وللأجيال القادمة.
كل فعل نقوم به اليوم يساوي عشرة غدًا ومئة بعد أسبوع. كل إزعاج ومعاناة نتكبدها اليوم على سبيل الحذر سينقذ مئات، إن لم يكن آلاف الأرواح. لذلك أتمنى منكم أن تكونوا مسئولين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتب يزن العجلوني هو باحث في الصحة العامة بجامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة وبمدرسة ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا بمدينة نيويورك. لديه العشرات من الأبحاث العلمية في مجال الصحة العامة، بالإضافة إلى مساهمته في كتابة أربع فصول لكتب علمية تركز على الصحة العامة وعلوم المتعلقة بمنطقة المعيشة والجغرافية المكانية للمكان الذي نعيش به.
ولكن لا يجب أن يكون هذا واقع الأردن. بمثل هذا المرض ذو معدل نشر العدوي الهائل، فإن المعدل الذي يصبح فيه السكان مصابين بالعدوى يصنع فرقاً هائلاً فيما إذا كان هناك عدد كافٍ من أسرة المستشفيات (والأطباء والموارد أيضاً) لمعالجة المرضي.
تبعاً للأرقام الرسمية من جامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة الأمريكية، هناك أكثر من 200,000 حالة عدوي حول العالم. منهم 48 حالة فقط تم التعرف على إصابتهم بالأردن، وتم التأكد من وجود معظم هذه الحالات بالأردن في الأيام السابقة. مما يعني أن هناك تأخر في عدد المصابين بفيروس كورونا في الأردن عند مقارنة الأعداد بكل من أوروبا وآسيا. وهذا التأخر سمح للمسئولين وصانعي القرار بالدولة أن يفهموا معدل العدوي الخاص بهذا المرض ويتعلموا الدرس بسرعة من الدول الأوروبية لحسن الحظ. فبدءًا من 17 مارس، فرضت الأردن حظرًا صارمًا على أماكن التنزه العامة. وهذا يتضمن إغلاق المطاعم والمقاهي وأي تجمع يتضمن أكثر من عشرة أفراد. بالإضافة إلى ذلك، تم منع جميع رحلات الطيران، وتم حجز أكثر من 3,000 فرد ممن سافروا إلى الأردن في اليومين الماضيين، حيث تم وضعهم في حجر صحي بفنادق متعددة في عمان والبحر الميت.
المنحني
هذه السياسات الصارمة على الرغم من إنها تعتبر مثيرة للجدل بالنسبة لكثير من الناس، إلا أنها مثالية وضرورية للغاية لمحاولة احتواء انتشار الفيروس قبل أن يخرج عن السيطرة. ففي علم الأوبئة، هذه السياسات تتماشي مع الإجراءات الضرورية للتحكم في انتشار الوباء. إن فكرة ونظرية إبطاء انتشار الفيروس بحيث تكون القدرة الاستيعابية بالمستشفيات للعلاج كافية في أي وقت تعرف بـ "خفض المنحني". وقد قامت الحكومة الأردنية باتخاذ كافة التدابير الضرورية لخفض المنحني. إليك ما تحتاج لمعرفته عن المنحني ودورك كعضو من المجتمع لتساعد في خفضه.
المنحني يوضح عدد الأشخاص المصابين بالنسبة للوقت منذ أول حالة مصابة. شكل المنحني يمكن أن يتخذ هيئات عديدة، والذي يعتمد في النهاية على معدل انتشار العدوي. كلما ارتفع منحني العدوي، كلما زادت السرعة التي تثقل بها هيئات الرعاية الصحية المحلية أكثر من قدرتها الاستيعابية لعلاج المرضي. فكما نري في إيطاليا، عدد متزايد من المرضي لا يستطيع أن يحصل على سرير بالعناية المركزة، كما يتزايد عدد المستشفيات التي يمكن أن تنفذ منها الموارد الأساسية التي يحتاجونها للاستجابة للوباء. ببساطة شديدة، كلما كان المنحني مسطحًا أكثر، كلما نتج عنه نفس العدد من الأشخاص المصابين، ولكن في فترة زمنية أكبر، مما يتيح إمكانية احتواء المصابين وعلاجهم وتوفير الرعاية الصحية لهم بالمستشفيات. وفي النهاية سينتج عنه معدل وفيات أقل بكثير جدًا من منحني مرتفع، حيث أن الناس لا يتم رفض علاجهم بالمستشفيات بسبب مشكلات متعلقة بالقدرة الاستيعابية.
كيف يمكننا أن نخفض المنحني؟
مع كل التدابير الهائلة التي تم اتخاذها بواسطة الحكومة الأردنية، تصبح الإجابة بسيطة: لدينا مسئولية تلزمنا بالبقاء بالمنزل. "إبقاء المسافة" أو "الإبعاد الاجتماعي" هو إجراء ضروري لخفض منحني الوباء، وبخاصة عندما لا يكون العلاج له متوفرًا أو من المتوقع أن يتوفر بالمستقبل القريب.
تقنية خفض المنحني ناجحة، ولقد نجحت مرات عديدة على مدي التاريخ وتم دعمها بعلم الأوبئة. في عام 1918 عندما سببت الانفلونزا الإسبانية وبائا عالميا (لا يختلف كثيرًا عما يحدث الآن)، قام المسئولون بمدينة فيلادلفيا بتجاهل كل التحذيرات من خبراء الأوبئة المعدية بشأن انتشار العدوي في المجتمع. بل إنهم قاموا برعاية ودعم موكب ضخم جمع مئات الآلاف من الناس في الشوارع. وفي خلال 48 ساعة، بدأ آلاف الناس بالموت. ضحت فيلادلفيا بـ 16,000 شخص من ساكني تلك المدينة خلال ستة أشهر فقط.
أما في مدينة سانت لويس، فرض المسئولون سياسات عزل اجتماعي صارمة، مثل تلك التي فرضت من الحكومة الأردنية اليوم. حيث تم إغلاق المدارس على الفور، وتم تقليل السفر، كما تم حظر التجمعات العامة. ونتيجة لذلك، نجحت المدينة في معالجة معظم المصابين بالعدوي (ولو أن الأمر أخذ وقتًا أطول حينها). وكانت النتيجة وفاة 2,000 شخصاً فقط، أي ثمن الأرواح التي خسرتها مدينة فيلادلفيا في نفس الوقت.
أما اليوم، فإن الأردنيين لديهم ميزة وسط هذه الأزمة التي تهدد الصحة العالمية، مع عدد المصابين الذي لم يتجاوز المائة شخص. ومع أن هذا الرقم مقدر له أن يتزايد، إلا أننا لدينا واجب ومسئولية اجتماعية لنبطئ من سرعة انتشار المرض. لقد أدت الحكومة دورها بكفاءة، أما ما تبقى فهو يعتمد على الناس. لنقف معًا من أجل مجتمعنا بالبقاء في المنزل وممارسة العزل الاجتماعي. دعونا نكن مثالاً يحتذي به للعالم أجمع وللأجيال القادمة.
كل فعل نقوم به اليوم يساوي عشرة غدًا ومئة بعد أسبوع. كل إزعاج ومعاناة نتكبدها اليوم على سبيل الحذر سينقذ مئات، إن لم يكن آلاف الأرواح. لذلك أتمنى منكم أن تكونوا مسئولين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتب يزن العجلوني هو باحث في الصحة العامة بجامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة وبمدرسة ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا بمدينة نيويورك. لديه العشرات من الأبحاث العلمية في مجال الصحة العامة، بالإضافة إلى مساهمته في كتابة أربع فصول لكتب علمية تركز على الصحة العامة وعلوم المتعلقة بمنطقة المعيشة والجغرافية المكانية للمكان الذي نعيش به.