العرب والغر وحافة الوباء
د. عبدالله الزعبي
القبة نيوز- يثير وباء فيروس كورونا جملة تساؤلات حول الدور الذي يلعبه في حسم التأرجح في الفكر الغربي الحائر ما بين العولمة والإنعزال، وربما يحدث تطوراً جوهرياً في خارطة العالم الإقتصادية والثقافية، تماماً مثلما أدى الطاعون، أو الموت الأسود، إلى إنهيار النظام الإقطاعي في أوروبا عندما ضربها في منتصف القرن الرابع عشر، و الإنفلونزا الإسبانية التي انتشرت مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وربما عجلت في إنتهاءها، وحصدت الأرواح الشابة بعشرات الملايين، وقادت إلى سلسلة من القلاقل والإضطرابات كادت تصل حد الثورة في جميع أنحاء أوروبا. كذلك تفشت مجموعة من الأمراض في العقد الأخير، أبرزها الإنفلونزا بأنواعها من مثل سارس والخنازير، والطيور قبلها، وفيروسات ميرس في الشرق الأوسط وإيبولا في أفريقيا وزيكا في أميركا الجنوبية.
ينتشر فيروس كورونا في ظل مشهد عالمي يزداد تعقيداً وتجهماً ويتراوح بين المضي قدماً في متاهات العولمة تارة والتقهقر خلف متاريس الانعزالية والاحتماء تارة أخرى. فبينما تدفع الشركات عابرة الحكومات والدول والجنسيات بإتجاه مزيد من حرية التجارة وحركة البشر والمنتجات وثمار التكنولوجيات الناشئة عبر الحدود والشعوب وترويجها للعولمة باعتبارها الأداة الأساسية لإزدهار الإنسانية، تتنامى قوى اليمين الأبيض الشعبوي وسيطرته على أدوات الحكم في الغرب المأزوم الذي شهد صعود ظاهرة ترمب ودراما بريسكت. جاء ذلك نتيجة تعاظم نفوذ الحركات العنصرية الغربية من مثل بيغيدا والبديل في ألمانيا، والجبهة الوطنية في فرنسا، والحرية في هولندا، والشعب في الدنمارك، والفجر الذهبي في اليونان، والقانون والإنصاف في بولندا، والاستقلال في بريطانيا، وخمس نجوم في إيطاليا، والنمسا أولاً ومجر أفضل وغيرها الكثير. عبرَ هذا اليمين عن نفسه عبر عدد من الظواهر تجسدت في صراع الهوية وتفشي البطالة والمنافسة الاقتصادية، خصوصاً على العمالة والوظائف، وتغذى على محاربة الهجرة واللجوء والإرهاب وتجلى في الإسلاموفوبيا والعنصرية ومعاداة السامية. اليوم يتعدى تعاظم ذاك التطرف حدود الغرب، وبالتحديد الأنجلوساكسوني، إلى آسيا، إبتداءً من الهند، حيث تحالف ترمب بالأمس القريب مع ناريندرا مودي، رئيس حكومتها اليميني، وقبلها مع شينزو آبي، رئيس وزراء اليابان، وأونغ سان سو كي زعيمة ميانمار، وحزب المستقبل المتحد اليميني في كوريا الجنوبية، ثم إلى أمريكا الجنوبية وبولسونارو المتطرف؛ رئيس البرازيل، ومجموعة متنوعة من الأحزاب المتطرفة الأخرى في عدة بلدان من القارة اللاتينية، ناهيك عن اليمين الإسرائيلي والمشروع الصهيوني ويهودية الدولة وتداعيات صفقة القرن. اليمين الغربي إذاً ما زال يحمل مشروع صامويل هنتنجتون الذي يؤمن في صدام الحضارات ويحلم في تحقيق نبوءة التحالفات ويغذي الصراع بين الحضارات الكبرى، الغربية والبوذية والكنفوشوسية واللاتينية والارثودكسية والعربية الإسلامية، لكنه حائر بين الحمائية والعولمة التي تضمن له سبل السيطرة والهيمنة.
تشير الأرقام أن حجم التجارة العالمية السنوية تجاوز 20 ترليون دولار، أو ما يعادل 38 مليون في الثانية الواحدة، وأن عدد رحلات الطيران اليومية بلغ 102 ألف رحلة تقوم بها أكثر من 25 ألف طائرة مدنية نقلت أكثر من 4 مليار شخص عام 2017 وحده، وتلك أمثلة بسيطة على الحال التي وصلها العالم المعولم. كما تمثل الثورة الصناعية الرابعة أداة فاعلة أخرى للغرب لإخضاع العالم كله والسيطرة على الاقتصاد والعبث في الثقافات والبنى الاجتماعية للحضارات الأقل حظاً. لذلك، يشكل العام 2020 نقطة تحول رئيسة في تقرير مصير العالم وهو يدخل حقبة جديدة تحفل بالتناقض والإلتباس؛ إذ تجهد بيوت الخبرة ومراكز البحث وكتب الخيال العلمي وشطحات هوليود في رسم صورة دقيقة لنهاية التاريخ واستقراره على سيادة انموذج الديمقراطية والليبرالية الاقتصادية وحرية السوق، وهيمنة أمريكا تحديداً على العالم. ستظهر نتائج الصراع الحائر في العقل الغربي مع الإنتخابات الامريكية نهاية العام، التي ستحدد مصير ترمب ومعه اليمين العالمي المتطرف، الذي يبدو أنه يزداد قوة وإنتشاراً مع تفشي كورونا كما تشير البوادر الموضوعية الأولى.
يمنح فيروس كورونا، سواء جاء على أجنحة نظرية المؤامرة أو على بساط نظرية النشوء والتطور الطبيعي، هدية مجانية لليمين المتعصب في جميع أنحاء العالم، ويعزز مخاوف الانكماش الاقتصادي والكساد العالمي، وحتى إنهيار الأسواق وتراجع ألق العولمة التي حطمت الأسوار التجارية والثقافية منذ ما يزيد عن القرن. أن وباء العالم الحقيقي يكمن في واقع شعوب الغرب ومجتمعاتهم التي تشعر اليوم بالخوف وتلجأ إلى مرض التعصب المقدس، فرب دواء اسوأ من داء، وربما ترياق أخطر من مرض. ومن المرجح أن يشهد الشرق الأوسط، الذي يتوسط العالم ويغذيه بالطاقة، الأثر الأسوأ من حالة التذبذب وعدم الإستقرار تلك، ناهيك عن تفشي الحروب واللجوء منذ عقد ضائع تاه في الصحراء ودفع الشعوب العربية إلى حافة اليأس والوباء.
ينتشر فيروس كورونا في ظل مشهد عالمي يزداد تعقيداً وتجهماً ويتراوح بين المضي قدماً في متاهات العولمة تارة والتقهقر خلف متاريس الانعزالية والاحتماء تارة أخرى. فبينما تدفع الشركات عابرة الحكومات والدول والجنسيات بإتجاه مزيد من حرية التجارة وحركة البشر والمنتجات وثمار التكنولوجيات الناشئة عبر الحدود والشعوب وترويجها للعولمة باعتبارها الأداة الأساسية لإزدهار الإنسانية، تتنامى قوى اليمين الأبيض الشعبوي وسيطرته على أدوات الحكم في الغرب المأزوم الذي شهد صعود ظاهرة ترمب ودراما بريسكت. جاء ذلك نتيجة تعاظم نفوذ الحركات العنصرية الغربية من مثل بيغيدا والبديل في ألمانيا، والجبهة الوطنية في فرنسا، والحرية في هولندا، والشعب في الدنمارك، والفجر الذهبي في اليونان، والقانون والإنصاف في بولندا، والاستقلال في بريطانيا، وخمس نجوم في إيطاليا، والنمسا أولاً ومجر أفضل وغيرها الكثير. عبرَ هذا اليمين عن نفسه عبر عدد من الظواهر تجسدت في صراع الهوية وتفشي البطالة والمنافسة الاقتصادية، خصوصاً على العمالة والوظائف، وتغذى على محاربة الهجرة واللجوء والإرهاب وتجلى في الإسلاموفوبيا والعنصرية ومعاداة السامية. اليوم يتعدى تعاظم ذاك التطرف حدود الغرب، وبالتحديد الأنجلوساكسوني، إلى آسيا، إبتداءً من الهند، حيث تحالف ترمب بالأمس القريب مع ناريندرا مودي، رئيس حكومتها اليميني، وقبلها مع شينزو آبي، رئيس وزراء اليابان، وأونغ سان سو كي زعيمة ميانمار، وحزب المستقبل المتحد اليميني في كوريا الجنوبية، ثم إلى أمريكا الجنوبية وبولسونارو المتطرف؛ رئيس البرازيل، ومجموعة متنوعة من الأحزاب المتطرفة الأخرى في عدة بلدان من القارة اللاتينية، ناهيك عن اليمين الإسرائيلي والمشروع الصهيوني ويهودية الدولة وتداعيات صفقة القرن. اليمين الغربي إذاً ما زال يحمل مشروع صامويل هنتنجتون الذي يؤمن في صدام الحضارات ويحلم في تحقيق نبوءة التحالفات ويغذي الصراع بين الحضارات الكبرى، الغربية والبوذية والكنفوشوسية واللاتينية والارثودكسية والعربية الإسلامية، لكنه حائر بين الحمائية والعولمة التي تضمن له سبل السيطرة والهيمنة.
تشير الأرقام أن حجم التجارة العالمية السنوية تجاوز 20 ترليون دولار، أو ما يعادل 38 مليون في الثانية الواحدة، وأن عدد رحلات الطيران اليومية بلغ 102 ألف رحلة تقوم بها أكثر من 25 ألف طائرة مدنية نقلت أكثر من 4 مليار شخص عام 2017 وحده، وتلك أمثلة بسيطة على الحال التي وصلها العالم المعولم. كما تمثل الثورة الصناعية الرابعة أداة فاعلة أخرى للغرب لإخضاع العالم كله والسيطرة على الاقتصاد والعبث في الثقافات والبنى الاجتماعية للحضارات الأقل حظاً. لذلك، يشكل العام 2020 نقطة تحول رئيسة في تقرير مصير العالم وهو يدخل حقبة جديدة تحفل بالتناقض والإلتباس؛ إذ تجهد بيوت الخبرة ومراكز البحث وكتب الخيال العلمي وشطحات هوليود في رسم صورة دقيقة لنهاية التاريخ واستقراره على سيادة انموذج الديمقراطية والليبرالية الاقتصادية وحرية السوق، وهيمنة أمريكا تحديداً على العالم. ستظهر نتائج الصراع الحائر في العقل الغربي مع الإنتخابات الامريكية نهاية العام، التي ستحدد مصير ترمب ومعه اليمين العالمي المتطرف، الذي يبدو أنه يزداد قوة وإنتشاراً مع تفشي كورونا كما تشير البوادر الموضوعية الأولى.
يمنح فيروس كورونا، سواء جاء على أجنحة نظرية المؤامرة أو على بساط نظرية النشوء والتطور الطبيعي، هدية مجانية لليمين المتعصب في جميع أنحاء العالم، ويعزز مخاوف الانكماش الاقتصادي والكساد العالمي، وحتى إنهيار الأسواق وتراجع ألق العولمة التي حطمت الأسوار التجارية والثقافية منذ ما يزيد عن القرن. أن وباء العالم الحقيقي يكمن في واقع شعوب الغرب ومجتمعاتهم التي تشعر اليوم بالخوف وتلجأ إلى مرض التعصب المقدس، فرب دواء اسوأ من داء، وربما ترياق أخطر من مرض. ومن المرجح أن يشهد الشرق الأوسط، الذي يتوسط العالم ويغذيه بالطاقة، الأثر الأسوأ من حالة التذبذب وعدم الإستقرار تلك، ناهيك عن تفشي الحروب واللجوء منذ عقد ضائع تاه في الصحراء ودفع الشعوب العربية إلى حافة اليأس والوباء.