الخصاونة يكتب: تنامي الحركات المطلبية لموظفي الحكومة
د.انيس الخصاونة
انتشار المسيرات والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات أصبحت ظواهر مألوفة ليست على الصعيد المحلي فحسب ولكن في كثير من الدول التي يتوفر فيها هوامش معقولة ومعتبرة للديمقراطية وحرية التعبير.معظم المسيرات في الأردن تكاد تكون سياسية بامتياز حيث تطالب بإصلاحات سياسية ،أو رفع القيود عن حرية التعبير ،أو المشاركة السياسية ،أو إصلاحات تشريعية، أو محاسبة الفاسدين.
الملفت للانتباه في الأردن هو انتشار، لا بل تزايد، الحركات والتجمعات المطلبية التي تسعى لتعظيم المكاسب الوظيفية وتحسين مستويات الرواتب.تكاد لا تخلو مؤسسة حكومية أو جامعة رسمية من حركات وتجمعات تمارس ضغوط على إدارات هذه المؤسسات لتحقيق مكاسب وتحسين أوضاع.نادرا ما ترى أو تلمس مطالبات تتعلق بالأداء أو بجودة العمل في المؤسسة ذاتها في حين أن المطالب تركز على حاجات ومصالح ذاتية للجماعات المطلبية.
وفي الوقت الذي يمكن تفهم بعض المطالبات المتعلقة بالحوافز والرواتب، فإن تزايد حدة هذه الحركات المطلبية
وتدخلها في صلب قرارات المؤسسة وصلاحيات إدارتها التي تمارسها وفقا للقانون له آثار سلبية على قدرة المؤسسة وإدارتها على تنفيذ القانون واتخاذ القرارات التي تخدم المؤسسة وأهدافها.العاملون في بعض المؤسسات الرسمية أصبحوا يشكلون لجان تمثيلية وهياكل غير قانونية خارج الأطر الهيكلية والتشريعية للمؤسسة ويمارسون ضغوط وتهديدات بالإضرابات والتوقف عن العمل و...الخ مما يكبل عمل المسئول ويزيد من احتمالات رضوخه لمطالب العاملين على حساب مصلحة المؤسسة ومقدراتها.
بعض المسئولين يلحأون للمواجهة والذود عن مصلحة المؤسسة مما يتسبب بخسارة سياسية لهم أمام الجهات العليا في الدولة التي ينصب جل اهتمامها على سير العمل بهدوء وبدون اضطرابات.معيار نجاح المسئولين ورؤساء الجامعات ليس بمساهمة الإدارة في تحسين جودة التعليم أو بمقدار التوفير بالنفقات العامة أو بالإيرادات ولكن بقدرة المسئول على الاحتواء والاستقطاب والامتصاص ( Containment and Co-optation).هذا الوضع بالتأكيد غير صحي وغير وطني ولا يخدم مؤسسات الوطن إذ أن للمؤسسات أهداف ،وتحكمها قوانين وأنظمة وتشريعات، ولها مجالس ،وفيها مرجعيات قانونية وإدارية، وبالتالي فإن الفيصل والمعيار في تقييم أداء المسئول والحكم على أداءه وكفاءته يحب أن ينصب على مهارته في تحقيق أهداف المؤسسة ،وليس على استرضاء أقطاب الحركات المطلبية أو الرضوخ للمطالب غير القانونية على حساب المؤسسة وأهدافها وغاياتها التي وجدت من أجلها.
حالة من التردد الإحباط تصيب المسئولين الذين يرون بأم أعينهم حالات الجرأة والاستقواء والضغط على المؤسسات لتحقيق مكاسب غير قانونية تضر بالأهداف بعيدة الأمد لهذه المؤسسات. بعض المدراء والرؤساء ومسئولين الصف الأول الذين يدركون طبيعة أولويات واهتمامات الأجهزة العليا في الدولة قد تدفعهم حالات الضغط من العاملين إلى الرضوخ لمطالب غير مشروعه وغير قانونية وغير منطقية، وذلك في سيبل تجنب الاضطراب والاحتجاجات اليومية والتشويش الإعلامي المزعج لهؤلاء المسئولين.هذه الحالة بالمناسبة لا تنتهي بالتجاوب مع المطالب لهذه الفئة أو تلك وإنما تعمل على تعزيز وتشجيع الاستمرار في استخدام هذا الأسلوب من الاحتجاج في المستقبل ما دام أنه يحقق نتيجة.فما أن تقوم المؤسسة بالتجاوب إلا وتظهر فئة أخرى، أو مطلب آخر لنفس الفئة، مما يجعل المؤسسة تسير في حلقة مفرغة تضحي فيها بمصالحها وأهدافها العامة من أجل تحسين أوضاع مادية أو تعديل تعليمات لجعل النمو الوظيفي سهل جدا ،مما يفقد الرتب والدرجات الوظيفية قيمتها نظرا لأنها أصبح بمقدور الجميع تحقيقها بسهولة ويسر وبأقل جده ممكن.في ظل هكذا أوضاع تبدأ المؤسسات بالتراجع ،ويفقد المسئول قدرته على توجيه المؤسسة، كما تبدأ المؤسسة ذاتها والسلطة تفقد هيبتها واحترامها.
لعل من أبرز النتائج لهذه الحالة المؤسفة التي يمكن أن تؤدي إليها الحركات المطلبية في الأجهزة الحكومية هي الرعب والتردد في اتخاذ القرارات(Timidity and Scare) حيث يصبح من مصلحة المسئول الرضوخ للمطالب التي لا تنتهي أو المخاطرة بسمعته الإدارية على أنه غير ناجح، خصوصا في ظل تنامي تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والإشاعات ووسائل الإعلام الساعية للإثارة والمناكفة وأحيانا "الإساءة".
الحلول بالتأكيد ليست مطلقة وليست كاملة لأنها تتعامل مع حالة اجتماعية وسياسية وثقافية متكاملة.فالدولة تعاملت لعقود طويلة وما زالت تتعامل،ولو بدرجة أقل، في بعض القطاعات على الاسترضاء العشائري، والعرقي، والطائفي ،والمناطقي، أكثر من تعاملها على أساس الكفاءة.ما زالت العشائر على سبيل المثال لها نصيب في المقاعد في الجامعات ،وما زالت تعيينات قيادية في الدولة تتم على أسس عشائرية، كما لا زالت اعتبارات تتعلق بالفكر والولاء السياسي تلعب دورها في هذا المجال. لكن بلا أدنى شك يمكن للدولة أن تقيم المسئولين في الصف الأول على أساس أدائهم لمهام وظائفهم، وتحقيقهم لأهداف مؤسساتهم ،ومساهمتهم في التطوير والمحافظة على المال العام ،والالتزام بالقوانين والتشريعات، واحترامهم للمؤسسية، وفسحهم المجال لمشاركة العاملين في اتخاذ القرارات وفق قنوات إدارية ومؤسسية مشروعة، وليس من خلال لجان تمثيلية ضاغطة(Lobbies and Informal Pressure Groups) ليس لها مكان أو نص في الأنظمة والتعليمات؟.
نعتقد أن على الحكومات أن تغير منهاجها في تقييم المسئولين في المؤسسات حيث يصبح القانون هو الفيصل، والأداء هو المعيار لقياس كفاءة المسئول، وليس قدرته على المحافظة على الهدوء والاستقرار والرتابة.عشيرة المسئول ودينه ومكان ولادته ورؤيته السياسية لا تؤثر إيجابا أو سلبا في بناء المؤسسات الوطنية، في حين أن قدراته، ومهاراته، وإمكاناته القيادية ،ومعرفته التخصصية في مجال عمل مؤسسته، وإخلاصه وتفانيه في العمل، هي العوامل التي تؤدي لبناء الأوطان فهل من مدكر....
الملفت للانتباه في الأردن هو انتشار، لا بل تزايد، الحركات والتجمعات المطلبية التي تسعى لتعظيم المكاسب الوظيفية وتحسين مستويات الرواتب.تكاد لا تخلو مؤسسة حكومية أو جامعة رسمية من حركات وتجمعات تمارس ضغوط على إدارات هذه المؤسسات لتحقيق مكاسب وتحسين أوضاع.نادرا ما ترى أو تلمس مطالبات تتعلق بالأداء أو بجودة العمل في المؤسسة ذاتها في حين أن المطالب تركز على حاجات ومصالح ذاتية للجماعات المطلبية.
وفي الوقت الذي يمكن تفهم بعض المطالبات المتعلقة بالحوافز والرواتب، فإن تزايد حدة هذه الحركات المطلبية
وتدخلها في صلب قرارات المؤسسة وصلاحيات إدارتها التي تمارسها وفقا للقانون له آثار سلبية على قدرة المؤسسة وإدارتها على تنفيذ القانون واتخاذ القرارات التي تخدم المؤسسة وأهدافها.العاملون في بعض المؤسسات الرسمية أصبحوا يشكلون لجان تمثيلية وهياكل غير قانونية خارج الأطر الهيكلية والتشريعية للمؤسسة ويمارسون ضغوط وتهديدات بالإضرابات والتوقف عن العمل و...الخ مما يكبل عمل المسئول ويزيد من احتمالات رضوخه لمطالب العاملين على حساب مصلحة المؤسسة ومقدراتها.
بعض المسئولين يلحأون للمواجهة والذود عن مصلحة المؤسسة مما يتسبب بخسارة سياسية لهم أمام الجهات العليا في الدولة التي ينصب جل اهتمامها على سير العمل بهدوء وبدون اضطرابات.معيار نجاح المسئولين ورؤساء الجامعات ليس بمساهمة الإدارة في تحسين جودة التعليم أو بمقدار التوفير بالنفقات العامة أو بالإيرادات ولكن بقدرة المسئول على الاحتواء والاستقطاب والامتصاص ( Containment and Co-optation).هذا الوضع بالتأكيد غير صحي وغير وطني ولا يخدم مؤسسات الوطن إذ أن للمؤسسات أهداف ،وتحكمها قوانين وأنظمة وتشريعات، ولها مجالس ،وفيها مرجعيات قانونية وإدارية، وبالتالي فإن الفيصل والمعيار في تقييم أداء المسئول والحكم على أداءه وكفاءته يحب أن ينصب على مهارته في تحقيق أهداف المؤسسة ،وليس على استرضاء أقطاب الحركات المطلبية أو الرضوخ للمطالب غير القانونية على حساب المؤسسة وأهدافها وغاياتها التي وجدت من أجلها.
حالة من التردد الإحباط تصيب المسئولين الذين يرون بأم أعينهم حالات الجرأة والاستقواء والضغط على المؤسسات لتحقيق مكاسب غير قانونية تضر بالأهداف بعيدة الأمد لهذه المؤسسات. بعض المدراء والرؤساء ومسئولين الصف الأول الذين يدركون طبيعة أولويات واهتمامات الأجهزة العليا في الدولة قد تدفعهم حالات الضغط من العاملين إلى الرضوخ لمطالب غير مشروعه وغير قانونية وغير منطقية، وذلك في سيبل تجنب الاضطراب والاحتجاجات اليومية والتشويش الإعلامي المزعج لهؤلاء المسئولين.هذه الحالة بالمناسبة لا تنتهي بالتجاوب مع المطالب لهذه الفئة أو تلك وإنما تعمل على تعزيز وتشجيع الاستمرار في استخدام هذا الأسلوب من الاحتجاج في المستقبل ما دام أنه يحقق نتيجة.فما أن تقوم المؤسسة بالتجاوب إلا وتظهر فئة أخرى، أو مطلب آخر لنفس الفئة، مما يجعل المؤسسة تسير في حلقة مفرغة تضحي فيها بمصالحها وأهدافها العامة من أجل تحسين أوضاع مادية أو تعديل تعليمات لجعل النمو الوظيفي سهل جدا ،مما يفقد الرتب والدرجات الوظيفية قيمتها نظرا لأنها أصبح بمقدور الجميع تحقيقها بسهولة ويسر وبأقل جده ممكن.في ظل هكذا أوضاع تبدأ المؤسسات بالتراجع ،ويفقد المسئول قدرته على توجيه المؤسسة، كما تبدأ المؤسسة ذاتها والسلطة تفقد هيبتها واحترامها.
لعل من أبرز النتائج لهذه الحالة المؤسفة التي يمكن أن تؤدي إليها الحركات المطلبية في الأجهزة الحكومية هي الرعب والتردد في اتخاذ القرارات(Timidity and Scare) حيث يصبح من مصلحة المسئول الرضوخ للمطالب التي لا تنتهي أو المخاطرة بسمعته الإدارية على أنه غير ناجح، خصوصا في ظل تنامي تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والإشاعات ووسائل الإعلام الساعية للإثارة والمناكفة وأحيانا "الإساءة".
الحلول بالتأكيد ليست مطلقة وليست كاملة لأنها تتعامل مع حالة اجتماعية وسياسية وثقافية متكاملة.فالدولة تعاملت لعقود طويلة وما زالت تتعامل،ولو بدرجة أقل، في بعض القطاعات على الاسترضاء العشائري، والعرقي، والطائفي ،والمناطقي، أكثر من تعاملها على أساس الكفاءة.ما زالت العشائر على سبيل المثال لها نصيب في المقاعد في الجامعات ،وما زالت تعيينات قيادية في الدولة تتم على أسس عشائرية، كما لا زالت اعتبارات تتعلق بالفكر والولاء السياسي تلعب دورها في هذا المجال. لكن بلا أدنى شك يمكن للدولة أن تقيم المسئولين في الصف الأول على أساس أدائهم لمهام وظائفهم، وتحقيقهم لأهداف مؤسساتهم ،ومساهمتهم في التطوير والمحافظة على المال العام ،والالتزام بالقوانين والتشريعات، واحترامهم للمؤسسية، وفسحهم المجال لمشاركة العاملين في اتخاذ القرارات وفق قنوات إدارية ومؤسسية مشروعة، وليس من خلال لجان تمثيلية ضاغطة(Lobbies and Informal Pressure Groups) ليس لها مكان أو نص في الأنظمة والتعليمات؟.
نعتقد أن على الحكومات أن تغير منهاجها في تقييم المسئولين في المؤسسات حيث يصبح القانون هو الفيصل، والأداء هو المعيار لقياس كفاءة المسئول، وليس قدرته على المحافظة على الهدوء والاستقرار والرتابة.عشيرة المسئول ودينه ومكان ولادته ورؤيته السياسية لا تؤثر إيجابا أو سلبا في بناء المؤسسات الوطنية، في حين أن قدراته، ومهاراته، وإمكاناته القيادية ،ومعرفته التخصصية في مجال عمل مؤسسته، وإخلاصه وتفانيه في العمل، هي العوامل التي تؤدي لبناء الأوطان فهل من مدكر....