facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

ماذا عن الفساد الصغير؟

ماذا عن الفساد الصغير؟
 القبة نيوز -جمانة غنيمات - من حق رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، أن يفتخر بـ"عدم وجود قضية فساد واحدة في آخر خمس سنوات، ولا حتى إشاعة بوجود فساد"، كما قال أمس خلال لقائه، في عمان، رئيس مجلس الأعمال العراقي والوفد المرافق له. كما من حق الرئيس أيضا أن يعيد التأكيد على أن الدولة قوية في هذا الموضوع، لأنه فعلاً، وكما قال "في ظل الفساد لا يوجد اقتصاد، ونحن نفخر بما أنجزناه على هذا الصعيد". لكن ذلك لا يعني أن الصورة ناصعة لدينا، كما يظن دولة الرئيس فعلاً، أو يريدنا على الأقل أن نظن. وهو ما يفسر ما جوبهت به تصريحات د. النسور من سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً، عبر تعليقات من قبيل "اعمل نفسك ميت"، و"أنا مصدقك شو بالنسبة لباقي الشعب؟". والأهم أن مثل هذه التعليقات المشككة بسخرية، تؤشر إلى أزمة ثقة بين الحكومة والناس، لم ينجح الرئيس وزملاؤه بإزاحتها ولو قليلا باتجاه الانفراج، لاسيما على صعيد قضية حساسة جداً هي مكافحة الفساد. بداية، صحيح أن الفساد الكبير المتأتي من صفقات ضخمة مشبوهة، لم يعد كما كان في فترات سابقة. لكن هذه النتيجة ليست مرتبطة بأداء الحكومة وحدها، والتي تضم حقاً شخصيات نزيهة بين أعضائها حريصة على المال العام. كذلك، فإن هذه الحكومة لم تحاسب، في الوقت ذاته، فاسدين بعضهم صدرت بحقه قرارات قضائية لم تُطبّق، رغم كل المطالب الشعبية. بالنسبة لأسباب تراجع "الفساد الكبير"، فإنها تتشعب. لكن أهمها وجود إرادة عليا بمحاربته، تُوّجت بتشكيل "لجنة تقييم التخاصية"، والتي أصدرت في نهاية عملها تقريرا ضخما، حدد مواقع الخلل والاختراقات التي حدثت، ووضع -بالتالي- الفساد في حجمه الحقيقي بعيدا عن المخيال الشعبي الجامح غالباً على هذا الصعيد. وانتهى التقرير إلى تقديم مجموعة من التوصيات لتلافي الأخطاء أو تداركها. أيضاً، شكلت الرقابة الشعبية وحساسية الأردنيين المفرطة تجاه ملف الفساد، عاملا حاسما في الحد من الفساد والتجاوزات الكبيرة. ولا بد من الإقرار بتضافر ذلك مع إيمان بعض مؤسسات الظل بضرورة وضع حد لمن يسعى إلى الفساد ويسوّغه. لكن الدور الأساس المنوط بالحكومة، والذي قصّرت في معالجته للأسف، مرتبط بالفساد الصغير الذي يتفشى في بعض المؤسسات بأشكال مختلفة، جميعها تعبر عن مشكلة جديدة علينا نسبياً، وتتمثل في انهيار قيم الوظيفة العامة عند صغار الموظفين قبل كبارهم؛ بحيث صارت الرشى وسواها من مظاهر فساد وإفساد مقبولة للأسف، بل وتُعدّ في بعض الأحيان جزءا من البيروقراطية والإجراءات. هل سمعت الحكومة عن مواطن يدفع مبالغ محددة لإنهاء معاملة؟ على الأغلب لا! هل سبق أن سقطت على مسمعها عبارة "كل عام وأنت بخير"، والتي يعرف الجميع دلالتها لقاء خدمة حكومية؟ لا أظن. هذا شكل من المشاكل التي تغرق فيه بعض المؤسسات. كذلك، فإنه إذا كان صحيحا أن فساد التنفيعات القائمة على عمولات لم يعد قائماً، إلا أنه ما تزال لدينا عطاءات ضخمة يتقدم لها متنفذون يقدرون على اختراقها تبعا للعبة المصالح أو المناكفات التي يجيدها هؤلاء. وماذا عن التعيينات في الوظائف والمناصب الرفيعة خصوصاً؛ هل كلها تنبع من مصالح البلد؟ وهل الحاجة ماسة لها جميعاً ونحن في وقت أحوج ما نكون إلى ضبط النفقات؟ بصراحة، ثمة كثير من التعيينات التي لا تحتاجها المؤسسات الرسمية. وهي إذ لا تُعد فسادا ماليا كما يقول الرئيس، إلا أنها تظل تجسد أحد أوجه تشوه الأداء المؤدي إلى هدر الموارد العامة. يُحسب للحكومة الحالية أنها غير فاسدة بالمعنى الحرفي الضيق للكلمة قولا وفعلا. بيد أن هناك اختلالات وتشوهات ما تزال قائمة بأوجه كثيرة، كما تعرف الحكومة؛ بدليل أنها لم تضع مدونة أخلاقية للعمل العام، تسعى إلى تطبيقها بحزم عبر إيقاع أقسى العقوبات بحق المخالف مهما علا أو قلّ شأنه. كما أن هذه الحكومة لم تتخذ كل ما يلزم لتحصين الموظف الصغير من الإغراءات، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، وأهم من كل ذلك ملاحقة المحكومين واسترداد أموال الشعب.
تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )