facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

الأجور وتوازنات التنافسية الإنتاجية والعدالة الاجتماعية

الأجور وتوازنات التنافسية الإنتاجية والعدالة الاجتماعية

د. سامر إبراهيم المفلح

القبة نيوز- اتجهت الحكومة في الآونة الأخيرة إلى النظر في الحد الأدنى للأجور والذي له انعكاسات اقتصادية واجتماعية متعددة، ومن الناحية التنافسية للدولة فإن الحد الأدنى للأجور قد يؤثر في القدرة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خصوصًا في القطاعات الصناعية لتأثيره على كلف مدخلات الإنتاج المرتبطة بالأيدي العاملة.


تقوم منظمة مجلس المؤتمر "The Conference Board" غير الربحية العريقة والتي تأسست في العام 1916 ومقرها الرئيس الولايات المتحدة الأمريكية وهي بمثابة مركز بحثي فكري "Think Tank"بعمل عدد من المقارنات الدولية لمؤشرات اقتصادية متعددة، ومنها مؤشر كلفة الأجور والمنافع في الساعة الواحدة المقدمة للعاملين في الصناعة "Hourly Compensation Costs in Manufacturing".

حيث أشارت البيانات التي تم تحليلها من 35 دولة أنه وفي العام 2016 بلغت أعلى كلفة للأجور والمنافع المقدمة للعاملين في الصناعة 60.4 دولار أمريكي في الساعة الواحدة في سويسرا، تلتها النرويج بما مجموعه 48.6 دولار في الساعة الواحدة، بينما بلغت في الولايات المتحدة 39 دولارًا وكانت 6.1 دولار في تركيا، بينما بلغت 3.9 دولار في المكسيك و2.1 دولار أمريكي في الفلبين، طبعًا هذه الأرقام تتأثر بشكل مباشر بمستويات الأجور وطبيعة الأنشطة الصناعية القائمة في مختلف الدول.

في ذات السياق تعتمد معظم الاقتصادات الرائدة الحد الأدنى للأجور في الساعة الواحدة، إذ يُسهِل تحديد الأجر في الساعة الواحدة ربطه بالإنتاجية، وفي الولايات المتحدة الأمريكية يتم تقسيم الموظفين إلى مجموعتين رئيستين وهم العمال المعفيون "Exempt" والعمال غير المعفيين "Non-Exempt"، وغير المعفيين هم العمال الذين تقع عليهم قواعد الحد الأدنى للأجور والعمل الإضافي لكل ساعة عمل إضافية تزيد عن 40 ساعة في الأسبوع وغيرها من القواعد، ولذلك هم غير معفيين من تطبيق قواعد قانون "معايير العمل العادل" والذي شُرّع لأول مرة في العام 1938.

العمال غير المعفيين هم العمال الذين يخضعون لإشراف مباشر في مكان العمل كالعمال في المصانع والموظفين في نقاط البيع والعمال في قطاع الإنشاء، ويتم تشريع الحد الأدنى لكل ساعة عمل من أجل حماية حقوق الموظفين، أما العمال المعفيون أو الوظائف المعفاة من الحد الأدنى للأجور، وأنظمة العمل الإضافي، وغيرها من الحقوق وسبل الحماية الممنوحة للعمال غير المعفيين فهي الوظائف التي يجب على أصحاب العمل دفع راتب شهريًا بدلًا من الأجر بالساعة، وعادة ما تكون المراكز التنفيذية أو الإشرافية أو المهنية معفاة والتي تتميز بطبيعتها بأجور مرتفعة تخضع لقواعد العرض والطلب.

لتحديد الحد الأدنى للأجور تعتمد مختلف دول العالم منهجيات متباينة تأخذ اعتبارات متعددة منها خط الفقر ومعدلاته، مسوحات سوق العمل، عدد من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية مثل معدلات البطالة والتضخم وغيرها من المؤشرات، كما تقوم بعض الدول بمراجعة الحد الأدنى للأجور سنويًا حيث يتم تعديله حسب التغيرات الحاصلة على مؤشر أسعار المستهلك "نسبة التضخم".

ففي فرنسا يتم سنويًا في بداية كل عام تعديل الحد الأدنى للأجور بالاستناد إلى مؤشر أسعار المستهلك، دول أخرى تراجع هذه المعدلات كل خمس سنوات أو حسب ما تقتضيه الحاجة حسب التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وتعتمد بعض الدول حدودًا مختلفة من الحد الأدنى للأجور بحسب طبيعة العمل إذا كان منتظمًا أو متقطعًا، أو بحسب القطاعات الاقتصادية أو المهن إذا كان هناك تفاهمات جماعية نقابية أو عمالية.

النظرية الاقتصادية متباينة حول الحد الأدنى للأجور فما بين الفلسفة الاشتراكية التي ناقشت فكرة "عبودية الأجر" و"الاغتراب أو الاستلاب - والبعد عن رغبات العامل" و"قيمة العمل" المرتبطة بقيمة السلع المنتجة، ومن الجانب الآخر وعلى النقيض فإن نظرية السوق افترضت أن آليات العرض والطلب في السوق الحر وسوق العمل هي التي تحدد الأجر المناسب، وأن أي تدخل في وضع حد أدنى للأجور ورفعه فوق نقطة التوازن الاقتصادي"Equilibrium" ما بين العرض من قبل العمال والطلب من قبل أرباب العمل، سينتج عنها خسارة "Deadweight Loss" قد تتمثل بطلب أقل للعمال من قبل أرباب العمل، ورغبة أكبر في العمل من قبل العمالة غير الماهرة مما يعني زيادة معدلات البطالة.

يبقى موضوع الحد الأدنى للأجور من المواضيع المهمة التي تتطلّب العناية الفائقة عند تحديده بشكل يحقق التوازنات المطلوبة للتنافسية الاقتصادية وجذب الاستثمارات العالمية، خصوصًا في القطاعات الإنتاجية الصناعية، ويمكن أصحاب العمل من توفير الأجر الذي ينسجم مع القيمة التي يحصلوا عليها من مساهمات العمال، ويضمن الأجر الدخل المناسب للعمال حتى يتمكنوا من تلبية احتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، ويحثهم دومًا للسعي في الحصول على فرصة عمل، وبما ينسجم أيضًا مع النموذج والنسق الاقتصادي والاجتماعي القائم في الدولة.

تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير