خارج التاريخ
د. فيصل الغويين
القبة نيوز- منذ عدة قرون قدمت الأمة استقالتها من التاريخ، وأصبحت خارج الفعل الحضاري الانساني، وأصبحنا نعيش على الاجترار والتقليد، بدل التجديد والعقل. وتكالبت وما زالت قوى الاستعمار الغربي منذ خروج العرب من غرناطة، فكان الاستعمار البرتغالي والهولندي، ثم تبعة الاستعمار الفرنسي والبريطاني والاسباني والايطالي، وقد كرّس الغرب كل طاقاته لاختراق المنطقة، فامتلأت المكتبات ومراكز الأبحاث بآلاف الكتب والدراسات تحت عنوان "الاستشراق"، مجرية مسحًا دقيقًا لكل انتاجنا الفكري في الأديان والمذاهب والملل والنحل، ودخلت إلى أدق التفاصيل حتى في العادات والتقاليد والفلكلور، ودرست تاريخنا جيدا، كما درست الدين الاسلامي، وكل قضايا الخلاف الفقهي والكلامي والعقيدي والسياسي، حتى أصبحت أخبر منا بأنفسنا، وكل ذلك ليس من باب الدراسة الأكاديمية العلمية المحايدة، وانما لامتلاك أكبر قدر من المعرفة والفهم الذي يتيح لهذه القوى ابقاء حالة الاستتباع والسيطرة، فالغرب بثقافته العنصرية المركزية يعتبرنا آخر له لا ندا حضاريا.
إن المواجهة التاريخية بين هذه الأمة والغرب بدأت منذ انهيار امبراطورية الروم على يد العرب المسلمين، ليعيد هذا الغرب الكرة مرة أخرى ويشن سلسلة من الحملات التي أطلق عليها في الأدبيات الغربية "الحروب الصليبية"، وفي كتب التاريخ العربي الاسلامي "حروب الفرنجة".
وبعد حوالي قرنين يوحد صلاح الدين مصر وبلاد الشام كمقدمة لتحرير المنطقة والقدس من دنس الصليبيين، الذين استفادوا من وجودهم في المنطقة وقاموا بنقل كل ما أنتجه العقل العربي الاسلامي من علوم ومعارف، ونسبوه إليهم، في أكبر عملية سرقة علمية وحضارية عرفها التاريخ الانساني، لم تتكشف أبعادها إلا في الوقت الحاضر، وليشيدوا حضارة اختصرت العالم بالبعد المادي، والآخر بالإنسان الهمجي غير المتحضر والذي على الغرب تمدينه، كجزء من رسالة الرجل الأبيض المقدسة، فجاء هذا التمدين على شكل حملات ابادة للشعوب وللحضارات كما حصل للهنود الحمر، ونهب لثروات الأمم والشعوب المادية والبشرية، كما حصل في افريقية، وخضع جل الوطن العربي لهذا الاستعمار، مما ساهم في احداث تراكم للثروة والقوة غير مسبوق في التاريخ، ولثورة صناعية احتاجت إلى مزيد من الأسواق والمواد الخام، ولنظام رأسمالي مادي لا زال يستعبد العالم، ويفتعل الحروب والفتن والنزاعات، ويقوم بضرب أي قوة تحاول النهوض.
ولعل الجريمة الأكبر التي اقترفها هذا الغرب بحق أمتنا كانت تقسيم الوطن العربي إلى دويلات، كمقدمة لزرع الكيان الصهيوني كخندق استعماري متقدم، مهمته اجهاض أي محاولة للنهوض، وابقاء حالة التبعية والفرقة والتناحر، موظفين بذلك امكانات وأبناء وحتى عقيدة الأمة كأسلحة فتاكة لإدامة سيطرتهم على ثرواتها وخاصة النفط والغاز، وحماية أمن الكيان الصهيوني، وهي الأهداف الاستراتيجية الثابتة للقوى الاستعمارية وخاصة بريطانيا والولايات المتحددة.
ومنذ انهيار المعسكر الشرقي وانتهاء الحرب الباردة، أخذت مراكز التفكير تهيئ العالم لمرحلة جديدة من الهيمنة الشاملة، فأطلقت مصطلحات القرن الأمريكي، وصدام الحضارات، ونهاية التاريخ، ومفاهيم العولمة التي تلغي كافة الخصوصيات الحضارية والثقافية للأمم والشعوب، لتسود ثقافة الاستهلاك والغرائز، ولتصبح الشركات متعددة الجنسية، وصندوق النقد والبنك الدوليين والجات ومجلس الأمن ووسائل التقنية الحديثة بمثابة أذرع هذا النظام العالمي المعولم، والذي يمر الآن بمرحلة انتقال تاريخية كبيرة، بدأت معالمها منذ الاجتياح الأمريكي الغربي للعراق وافغانستان، والذي كان مقدرا له أن يكون مقدمة للهيمنة على كل العالم، ومحاصرة القوى الناهضة وخاصة روسيا والصين والهند، وأية قوى في منطقتنا يمكن أن تشكل تهديدا لمشاريعهم، إلا أن الفشل التاريخي لهذا المشروع الامبراطوري، وما ترتب عليه من أزمة مالية عام 2008، نقل المواجهة إلى أشكال جديدة من التدخل، من خلال مشاريع الفوضى الخلاقة البديلة الذي كان نصيب منطقتنا منه الأكبر، وهو المشروع الأخطر الذي ساعد على تنفيذه فساد واستبداد وتبعية الأنظمة السياسية، ليشكل ظاهريا مشروع انقاذ لأبناء المنطقة الذين اندفعوا إلى الشوارع والساحات مطالبين بحقوقهم حرياتهم، فيما عرف "بالربيع العربي"، وليكون عمليا مدخلا لتنفيذ مشروع تفكيك جديد للجغرافيا والديمغرافية، في عملية معقدة من حرب الأفكار، وتزييف الوعي، واحتلال العقول، ودائما من خلال آلة اعلامية عملاقة ساهمت بها بعض دول المنطقة وتنظيماتها، فتحولت المسلمات إلى اشكاليات، والثوابت إلى أفكار نسبية، والأعداء إلى أصدقاء، وساد منطق غريب ومشوه في تحليل الأحداث ومحاولة فهمها، حيث أصبح العقل مستقطب مذهبيا، ومغيب معرفيا، وسادت أنماط من الثقافة الاستهلاكية السطحية والضحلة، وتفشت ثقافة الهويات الفرعية القبلية والمذهبية والطائفية القاتلة للجميع، التي وقعنا في مصيدتها حتى أصبحنا مجرد أدوات ضد أنفسنا وقضايانا وأوطاننا وأمتنا، ليقف البعض بدون وجل مع العدو ضد الشقيق، مع أن هذا العدو لا يخفي وجهه ولا أطماعه منذ قرون.
إن المرحلة تقتضي من الجميع أنظمة وتنظيمات ومؤسسات تعليم وتوجيه ضرورة اعادة بناء الوعي والعقل المعرفي الناقد، القادر على التحليل المنهجي لما يجري، واستخلاص العبر والدروس من التاريخ البعيد والقريب، وهي مهمة ليست سهلة، ولكنها ممكنة إذا ما اتحدت كافة القوى الحية في هذه الأمة، وإلا فإننا سنبقى خارج التاريخ، ولن ننجح في امتحاناته.
إن المواجهة التاريخية بين هذه الأمة والغرب بدأت منذ انهيار امبراطورية الروم على يد العرب المسلمين، ليعيد هذا الغرب الكرة مرة أخرى ويشن سلسلة من الحملات التي أطلق عليها في الأدبيات الغربية "الحروب الصليبية"، وفي كتب التاريخ العربي الاسلامي "حروب الفرنجة".
وبعد حوالي قرنين يوحد صلاح الدين مصر وبلاد الشام كمقدمة لتحرير المنطقة والقدس من دنس الصليبيين، الذين استفادوا من وجودهم في المنطقة وقاموا بنقل كل ما أنتجه العقل العربي الاسلامي من علوم ومعارف، ونسبوه إليهم، في أكبر عملية سرقة علمية وحضارية عرفها التاريخ الانساني، لم تتكشف أبعادها إلا في الوقت الحاضر، وليشيدوا حضارة اختصرت العالم بالبعد المادي، والآخر بالإنسان الهمجي غير المتحضر والذي على الغرب تمدينه، كجزء من رسالة الرجل الأبيض المقدسة، فجاء هذا التمدين على شكل حملات ابادة للشعوب وللحضارات كما حصل للهنود الحمر، ونهب لثروات الأمم والشعوب المادية والبشرية، كما حصل في افريقية، وخضع جل الوطن العربي لهذا الاستعمار، مما ساهم في احداث تراكم للثروة والقوة غير مسبوق في التاريخ، ولثورة صناعية احتاجت إلى مزيد من الأسواق والمواد الخام، ولنظام رأسمالي مادي لا زال يستعبد العالم، ويفتعل الحروب والفتن والنزاعات، ويقوم بضرب أي قوة تحاول النهوض.
ولعل الجريمة الأكبر التي اقترفها هذا الغرب بحق أمتنا كانت تقسيم الوطن العربي إلى دويلات، كمقدمة لزرع الكيان الصهيوني كخندق استعماري متقدم، مهمته اجهاض أي محاولة للنهوض، وابقاء حالة التبعية والفرقة والتناحر، موظفين بذلك امكانات وأبناء وحتى عقيدة الأمة كأسلحة فتاكة لإدامة سيطرتهم على ثرواتها وخاصة النفط والغاز، وحماية أمن الكيان الصهيوني، وهي الأهداف الاستراتيجية الثابتة للقوى الاستعمارية وخاصة بريطانيا والولايات المتحددة.
ومنذ انهيار المعسكر الشرقي وانتهاء الحرب الباردة، أخذت مراكز التفكير تهيئ العالم لمرحلة جديدة من الهيمنة الشاملة، فأطلقت مصطلحات القرن الأمريكي، وصدام الحضارات، ونهاية التاريخ، ومفاهيم العولمة التي تلغي كافة الخصوصيات الحضارية والثقافية للأمم والشعوب، لتسود ثقافة الاستهلاك والغرائز، ولتصبح الشركات متعددة الجنسية، وصندوق النقد والبنك الدوليين والجات ومجلس الأمن ووسائل التقنية الحديثة بمثابة أذرع هذا النظام العالمي المعولم، والذي يمر الآن بمرحلة انتقال تاريخية كبيرة، بدأت معالمها منذ الاجتياح الأمريكي الغربي للعراق وافغانستان، والذي كان مقدرا له أن يكون مقدمة للهيمنة على كل العالم، ومحاصرة القوى الناهضة وخاصة روسيا والصين والهند، وأية قوى في منطقتنا يمكن أن تشكل تهديدا لمشاريعهم، إلا أن الفشل التاريخي لهذا المشروع الامبراطوري، وما ترتب عليه من أزمة مالية عام 2008، نقل المواجهة إلى أشكال جديدة من التدخل، من خلال مشاريع الفوضى الخلاقة البديلة الذي كان نصيب منطقتنا منه الأكبر، وهو المشروع الأخطر الذي ساعد على تنفيذه فساد واستبداد وتبعية الأنظمة السياسية، ليشكل ظاهريا مشروع انقاذ لأبناء المنطقة الذين اندفعوا إلى الشوارع والساحات مطالبين بحقوقهم حرياتهم، فيما عرف "بالربيع العربي"، وليكون عمليا مدخلا لتنفيذ مشروع تفكيك جديد للجغرافيا والديمغرافية، في عملية معقدة من حرب الأفكار، وتزييف الوعي، واحتلال العقول، ودائما من خلال آلة اعلامية عملاقة ساهمت بها بعض دول المنطقة وتنظيماتها، فتحولت المسلمات إلى اشكاليات، والثوابت إلى أفكار نسبية، والأعداء إلى أصدقاء، وساد منطق غريب ومشوه في تحليل الأحداث ومحاولة فهمها، حيث أصبح العقل مستقطب مذهبيا، ومغيب معرفيا، وسادت أنماط من الثقافة الاستهلاكية السطحية والضحلة، وتفشت ثقافة الهويات الفرعية القبلية والمذهبية والطائفية القاتلة للجميع، التي وقعنا في مصيدتها حتى أصبحنا مجرد أدوات ضد أنفسنا وقضايانا وأوطاننا وأمتنا، ليقف البعض بدون وجل مع العدو ضد الشقيق، مع أن هذا العدو لا يخفي وجهه ولا أطماعه منذ قرون.
إن المرحلة تقتضي من الجميع أنظمة وتنظيمات ومؤسسات تعليم وتوجيه ضرورة اعادة بناء الوعي والعقل المعرفي الناقد، القادر على التحليل المنهجي لما يجري، واستخلاص العبر والدروس من التاريخ البعيد والقريب، وهي مهمة ليست سهلة، ولكنها ممكنة إذا ما اتحدت كافة القوى الحية في هذه الأمة، وإلا فإننا سنبقى خارج التاريخ، ولن ننجح في امتحاناته.