"برفع الأيدي يا إخوان"
د. صبري الربيحات
القبة نيوز- لا شيء يثير دهشتي ويدفعني للاستغراب وفقدان الأمل في التغيير أكثر من متابعة لحظات التصويت التي تأتي في نهاية المناقشات التي يجريها مجلس النواب للتشريعات والبيانات والموازنات. كل الاثارة والحدة التي نسمعها في المناقشات تنتهي عند سماع الجملة التي تقول ” برفع الايدي يا اخوان” في اشارة إلى أن المجلس لن يستخدم النظام الإلكتروني للتصويت بل سيعتمد رفع الايدي. وهنا ترسم الجملة الحد الفاصل بين القول والفعل فغالبا ما تسمع كلمة موافقة.
منذ أكثر من عشر سنوات جرى تزويد مجلس الأمة بتقنيات لتيسير عمليات الاتصال والتداول والتصويت من ضمنها نظام التصويت الإلكتروني. المأمول من التحديث الذي مول بدعم خارجي ان يوفر الجهد ويختصر الوقت المستخدم في عمليات الاقتراح ويساعد النواب على التعبير عن مواقفهم الحقيقية من القضايا والسياسات بسرية تامة ودون وجل أو تردد.
في كل مرة تنتهي فيها ولاية مكتبه الدائم واللجان يمضي النواب اياما وأسابيع وهم يتنقلون بين مقاعدهم ومنصات الاقتراع في عمليات انتخاب يمكن ان تنتهي في دقائق لو استخدمت التكنولوجيا المتوفرة. لا أعرف الاسباب الحقيقية التي اعاقت استخدام هذا النظام وتفعيله ولا أسباب استمرار التصويت برفع الايدي على قضايا يمكن ان تحسم بكبس الازرار التي تم تركيبها على خلايا الاتصال التي زودت بها مناضدهم.
الشاشات التي أمام النواب واللوحة الإلكترونية اصبحت ديكورات لا قيمة لها. الموضوعية وصدق التعبير عن ارادة الناس هي العوامل التي يحتاج لها المجلس لاستعادة ثقة الجمهور به وبدوره في احداث التغيير المنشود في سائر مناحي الحياة. اللجوء إلى الأسلوب التقليدي في التصويت بالرغم من وجود اللوحات الإلكترونية أحد الامثلة على استمرار الفجوة بين الشكل والمضمون وانسحاب هذه الحالة على عملية الإصلاح السياسي برمتها
في الأردن وبالرغم من كل ما يقال عن الإصلاح واعتباره أولوية وطنية إلا أن الملف معقد وجدلي فمن ناحية يمكن ان تسمي عشرات الإجراءات التي اتخذتها الدولة لتوسيع دائرة المشاركة السياسية حيث اسست هيئة مستقلة للانتخابات ووزارة للتنمية السياسية ونظام لدعم الاحزاب ومحكمة دستورية وهيئة للنزاهة ومكافحة الفساد إضافة الى كوتة للنساء في مجالس النواب والبلديات واللامركزية والتزمت بمواعيد الانتخابات.
على الجانب الاخر يرى البعض ان معظم التغيرات شكلية لا ترقى لمستوى الإصلاح الذي يتيح للناس التعبير عن ارادتهم فالانتخابات تتقيد ظاهريا بالقواعد والشروط لكن الدوائر الانتخابية تمنح السلطات هندسة النتائج والتحكم بها فتسهل للبعض النجاح وتعيق فرص من لا تضمن امتثالهم لسياساتها كما يلعب المال السياسي ادوارا كبيرة في تحديد النتائج.
الاستطلاعات الأخيرة تشير الى تراجع الثقة بالمجالس النيابية الى مستويات غير مسبوقة فالبعض ممن يدخلون الى صفوف المجالس النيابية لا يملكون معرفة قانونية أو اهتمامات سياسية والعديد منهم بلا سجلات واضحة في العمل العام إضافة إلى امتلاك البعض مشاريع ومؤسسات ترتبط بعلاقات ومصالح عمل مع الحكومة.
من غير الممكن للدولة ان تحدث تحولا حقيقيا في العلاقة مع المواطنين دون البحث عن صيغ جديدة تسهم في ايجاد حالة من التوازن بين حاجة الدولة للاستقرار وحقوق المواطن في التعبير عن ذاته ومواقفه من السياسات والخطط والتشريعات واتاحة الفرص للمجتمعات في اختيار من يمثلهم بحرية ونزاهة وبعيدا عن تأثير الحاجة أو المال أو الوعد بتقديم أي منها. المجتمعات القوية لا تبنى بلا ارادة حرة يعبر عنها ممثلون اقوياء اكفياء يملكون احترام الشارع ومنزهون عن المصالح الشخصية ويشكلون نماذج محترمة في مجتمعاتهم المحلية.
(الغد)
منذ أكثر من عشر سنوات جرى تزويد مجلس الأمة بتقنيات لتيسير عمليات الاتصال والتداول والتصويت من ضمنها نظام التصويت الإلكتروني. المأمول من التحديث الذي مول بدعم خارجي ان يوفر الجهد ويختصر الوقت المستخدم في عمليات الاقتراح ويساعد النواب على التعبير عن مواقفهم الحقيقية من القضايا والسياسات بسرية تامة ودون وجل أو تردد.
في كل مرة تنتهي فيها ولاية مكتبه الدائم واللجان يمضي النواب اياما وأسابيع وهم يتنقلون بين مقاعدهم ومنصات الاقتراع في عمليات انتخاب يمكن ان تنتهي في دقائق لو استخدمت التكنولوجيا المتوفرة. لا أعرف الاسباب الحقيقية التي اعاقت استخدام هذا النظام وتفعيله ولا أسباب استمرار التصويت برفع الايدي على قضايا يمكن ان تحسم بكبس الازرار التي تم تركيبها على خلايا الاتصال التي زودت بها مناضدهم.
الشاشات التي أمام النواب واللوحة الإلكترونية اصبحت ديكورات لا قيمة لها. الموضوعية وصدق التعبير عن ارادة الناس هي العوامل التي يحتاج لها المجلس لاستعادة ثقة الجمهور به وبدوره في احداث التغيير المنشود في سائر مناحي الحياة. اللجوء إلى الأسلوب التقليدي في التصويت بالرغم من وجود اللوحات الإلكترونية أحد الامثلة على استمرار الفجوة بين الشكل والمضمون وانسحاب هذه الحالة على عملية الإصلاح السياسي برمتها
في الأردن وبالرغم من كل ما يقال عن الإصلاح واعتباره أولوية وطنية إلا أن الملف معقد وجدلي فمن ناحية يمكن ان تسمي عشرات الإجراءات التي اتخذتها الدولة لتوسيع دائرة المشاركة السياسية حيث اسست هيئة مستقلة للانتخابات ووزارة للتنمية السياسية ونظام لدعم الاحزاب ومحكمة دستورية وهيئة للنزاهة ومكافحة الفساد إضافة الى كوتة للنساء في مجالس النواب والبلديات واللامركزية والتزمت بمواعيد الانتخابات.
على الجانب الاخر يرى البعض ان معظم التغيرات شكلية لا ترقى لمستوى الإصلاح الذي يتيح للناس التعبير عن ارادتهم فالانتخابات تتقيد ظاهريا بالقواعد والشروط لكن الدوائر الانتخابية تمنح السلطات هندسة النتائج والتحكم بها فتسهل للبعض النجاح وتعيق فرص من لا تضمن امتثالهم لسياساتها كما يلعب المال السياسي ادوارا كبيرة في تحديد النتائج.
الاستطلاعات الأخيرة تشير الى تراجع الثقة بالمجالس النيابية الى مستويات غير مسبوقة فالبعض ممن يدخلون الى صفوف المجالس النيابية لا يملكون معرفة قانونية أو اهتمامات سياسية والعديد منهم بلا سجلات واضحة في العمل العام إضافة إلى امتلاك البعض مشاريع ومؤسسات ترتبط بعلاقات ومصالح عمل مع الحكومة.
من غير الممكن للدولة ان تحدث تحولا حقيقيا في العلاقة مع المواطنين دون البحث عن صيغ جديدة تسهم في ايجاد حالة من التوازن بين حاجة الدولة للاستقرار وحقوق المواطن في التعبير عن ذاته ومواقفه من السياسات والخطط والتشريعات واتاحة الفرص للمجتمعات في اختيار من يمثلهم بحرية ونزاهة وبعيدا عن تأثير الحاجة أو المال أو الوعد بتقديم أي منها. المجتمعات القوية لا تبنى بلا ارادة حرة يعبر عنها ممثلون اقوياء اكفياء يملكون احترام الشارع ومنزهون عن المصالح الشخصية ويشكلون نماذج محترمة في مجتمعاتهم المحلية.
(الغد)