اتفاق بين الأكراد ودمشق ... وهذه تفاصيلة
القبة نيوز- يوم الجمعة الماضي سقطتْ قذيفةٌ على بُعْدِ 300 متر من مركز القيادة العسكرية الأميركية قرب مدينة عين العرب (يطلق الأكراد عليها اسم كوباني) على الحدود التركية - السورية أثناء المعارك الدائرة بين الأكراد الانفصاليين السوريين والقوات التركية وحلفائها من التنظيمات السورية المختلفة والتي تقدّمت في اليوم التالي وبدأت بتقطيع أوصال المناطق التي يسيطر عليها الأكراد.
هذا كان كافياً لدقّ ناقوس الخطر لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يعلم أن أي جندي أميركي يُقتل في سورية هو بمثابة مسمار في نعش إعادة انتخابه في الدورة المقبلة. فخرج وزير الدفاع مارك إسبر ليعلن بدء انسحاب القوات الأميركية من سورية ومغادرة 1000 عنصر، وتبعتها فرنسا وستلحق بها بريطانيا.
وتقدّمتْ القواتُ السورية لتأخذ المواقع في شرق سورية في أعقاب اتفاقٍ توصلت إليه روسيا مع تركيا، حيث رعت موسكو اتفاقاً على عَجَل بين المسؤولين السوريين والقوات الكردية الانفصالية بعدما وافق الرئيس بشار الأسد على إجراء المحادثات من دون شروط مع الضامن الروسي. واتُفق على عدم حصول أي رد فعل من دمشق ضدّ الانفصاليين، على أن يندمج هؤلاء ضمن القوات الرديفة التي تدعم الجيش السوري في شمال شرقي سورية.
وينص الاتفاق الأولي على انتشار الجيش السوري على كل الخطوط المُقابِلة للجيش التركي وداخل المدن الرئيسية والفرعية ويتسلّم كل مصادر الطاقة (النفط والغاز) التي مُنع من الدخول إليها طوال الأعوام الخمسة من سيطرة الجيش الأميركي عليها إثر اندحار «داعش».
وهذه المصادر مهمة جداً للدولة السورية التي تنوء تحت عقوبات أميركية - أوروبية تمنع تسليم أي باخرة نفط لدمشق، وهو الحظر الذي خرقتْه إيران وسلّمت حليفتها (سورية) ما تحتاج إليه.
وينص الاتفاق الأولي أيضاً على عدم استقلالية الحكم الذاتي الكردي في المناطق الشمالية بل يعمل الجيش السوري على استتباب الأمن وملاحقة «داعش» الذي لا يزال يعمل في المنطقة.
ومن الطبيعي أن تنسحب القوات الأميركية - كما أعلنت هي نفسها بناء على أوامر الرئيس ترامب بالانسحاب المنظَّم وليس العشوائي - من الحدود السورية - الإيرانية في منطقة التنف بعد أن تتوصل إلى حلٍّ للمخيم الذي يقطنه عشرات الآلاف من المهجرين.
لقد سقطت كل المسبّبات التي عرضتْها أميركا سابقاً لبقائها في سورية بعد القضاء على «داعش»: فالخطر الإيراني لم يعد مطروحاً عندما فُتحت الحدود في نقطة القائم بين العراق وسورية وبالتالي لم يعد لوجود أميركا في التنف أي منفعة لواشنطن سوى إنفاق المال ومسؤولية السيطرة والخدمات للمهاجرين في مخيم الهول الحدودي.
وعدم الانسحاب قبل الاتفاق على دستور سوري جديد لم يعد من اهتمام أميركا لأن ترامب وجد أن المنفعة المادية والاستراتيجية لبقائه في سورية انتفتْ فقرر الانسحاب لتخفيف الأعباء المادية وعدم خسارة أرواح جنود أميركيين.
وفرْضُ العقوبات على سورية ومنْع التقارب العربي خرج من اليد لأن كل دول المنطقة أعربت عن تضامنها مع سورية وسيادتها ضد الهجوم التركي، وهذا سيؤسس لدعم مادي عربي مستقبلي لإعادة إعمار سورية بعدما منعت أميركا ذلك في الأعوام الماضية. فالأسواقُ السورية مُنْتِجة لدول المنطقة والمشاركةُ في إعادة الإعمار تعطي دول المنطقة نفوذاً لا يمانع الرئيس الأسد وجوده كما كان الحال قبل العام 2011.
وسقطتْ العقوبات الأميركية على إيران التي فرضها ترامب بمجرد إعادة سيطرة القوات السورية على الحدود وفتْح الأسواق السورية والحدود العراقية للطريق البري بين طهران وبغداد ودمشق.
وسقطتْ نظرية الحلفاء في سورية لأن ترامب لم يبلغ حلفاءه الأوروبيين نيّته الانسحاب المفاجئ. وكذلك سقطتْ صدقية أميركا بالحفاظ على حلفائها الأكراد الذين دافعوا عن الجنود الأميركيين مقابل الحصول على دولة «روج آفا».
وسقطتْ عقوبات أميركا التي هدّد بها ترامب تركيا إذا تقدّمت متراً واحداً خارج الخطوط الحمر لأن السبب الرئيسي الذي تفوّه به وزير الدفاع الأميركي للانسحاب هو «نية أنقرة التقدم ما بعد الحدود المتَّفَق عليها».
وسقطتْ محاولاتُ النخبة الأميركية «شيْطنة» روسيا، لأن كل ما يحصل في سورية يصّب في مصلحة الكرملين الذي أتقن فن الديبلوماسية واحتضن الكرد الذين خرجوا عن بيت الطاعة وقدّم لهم أحضانه بمجرد مغادرة أحضان أميركا وكان الضامن للجميع بمَن فيهم تركيا وسورية والميليشيات المُتَحارِبة وحتى لإسرائيل.
لقد ربح الجميع بمن فيهم ترامب الذي نفّذ وعده الانتخابي بإحضار كل الجنود الأميركيين إلى البلاد وعدم البقاء في سورية. وبقي خاسر واحد هو الكردي الذي قدم 11000 قتيل من أجل دولة حلم بها منذ عقود ولم يحصل عليها لأنه وضع رهانه على الحصان الأميركي.
الراي الكويتية