أريد تقويما جديدا لا يحضر فيه (أيلول).
لارا مصطفى صالح
القبة نيوز- أتخيل آب واقفا على باب السنة ولا يسمح له بالدخول ويسانده في ذلك تموز وتشرين الأول وكانون الأول. ويقرأ نيسان بكامل مهابة الربيع عليه بيان تنحيته تماماً ونهائياً عن أي منصب رسمي، ويطلب منه العودة إلى صفوف الحروف الأبجدية، يندمج معها ويؤدي واجبه حيث يمكنه أن يكوّن آلاف الكلمات والأسماء بدءا من الألف وانتهاء باللام، لكن ليس من بينها (أيلول)! وأن يتنازل عن حق العودة للتقويم حتى لو طالبه مواليد أيلول بذلك، ولا يكون مثل عبد الناصر إذ عاد عن قرار تنحيته بعد يوم واحد نزولا عند رغبة الجماهير! أما عن طالع أيام مواليده وأعوامهم المقبلة، فالشمس ستكون نجمهم، وأعوامهم المقبلة ستنفتح أمامهم لغابات الأمل. وسيمنح نيسان كل واحد منهم قصيدة في كل عام وتعويضا يتراوح بين ٢٤-٣١ وردة يتم تحديدها حسب الفئة العمرية.
ليست هذه أمنية بمقدار ما هي نزيف قضى على خلايا الذاكرة والقلب. قد يكون الطابع التاريخي المشؤوم لشهر أيلول ألقى بظلاله عليه فألبسه ثوب النحس. فجملة (بكرة ٩/١) أصبحت بمثابة إنذار للتأهب. تماما مثل إعلان مراقب الامتحانات بضرورة إفراغ المثانات قبل بدء الامتحان، لأنه بمجرد البدء لن يسمح لأحد بالخروج من القاعة! ولا أعلم صدقا، إن كانت الأيام ستكون بلا أيلول أفضل، فالأمر برمته لا يتعدى في الحقيقة أكثر من كونه هلوسة أو أضغاث أحلام أو خيالا سيفتعله عقلي الباطن مع كل أيلول لتصبح الأيام جديرة بالاحتمال. تماما كما يحدث مع من يقترب من الموت بسبب مرض أو حادث، فيخيل إليه نفق مظلم في نهايته ضوء أبيض يشده للمغادرة، لكنه يسمع فجأة صوتا ما يخبره أن ساعته لم تحن بعد أو أن عليه إتمام بعض المهام التي لم تنجز!
رؤى غير مترابطة وزخم من الظلال و صُور سوريالية. وأحداث تشبه بسرعتها حركة الكاميرا المتنقلة من كادر إلى كادر في صورة درامية مدروسة، تصعّد الموقف النفسي للمشهد، لكن بدون حوار! وليل ليس فيه ثمة صوت إلا نبضات قلبي تتراكض عند قدمي، وصدى صوت فيروز وهي ترتل (رجع أيلول وأنت بعيد بغيمة حزينة قمرها وحيد). وساعاتي الثلاث، توقفت عن العمل!
كرهٌ، اعتقدت أنه سيبقى خالدا تجاهه، بيد أن فيروز نهضت مرة ثانية بقامتها العالية وصوتها الأثير بيني وبينه، وغنت لي (غرب هودجها وتعانقنا صار الضرب سيوف يا ويل حالي). كلمات خضراء حنونة، لم تسرف ولم تبالغ صلبت قسوة الشهر على (الحور العتيق) فعادت للحياة ألوانها المندفعة وللصباحات مذاقها. وأقسمت أنا بربك عمّان، أني سأعلم وَلدَيّ صناعة الحياة ولن أحدثهما عن قصص التاريخ، وبطولات الأجداد ونَحس أيلول، فعضلات قلبيهما لا زالت تجيد الفرح.....
حبيبتي عمّان؛ إذا مرّ بك طيف أيلول في العام القادم أوصدي أبواب قلبك أمام جبروته، واصلبي حريته على سطور ورقة بيضاء... ويا سفيرة روحي للحياة؛ في قلبكِ ولدت وفي قلبكِ سأدفن، ولتكن هذه وصيتي.
ذلك كان في أيلول 2019!