مشروعي الاول
نور الدويري
القبة نيوز-فيما كنت أدرس الإعلام بالجامعة العربية ، طُلب منا مشروع لمادة المونتاج بأن نعد فلماً اخبارياً بتصويرنا ومونتجنا و كتابة سكريبت.
كنت قد قررت فورا أن فلمي سيكون عن بائع كنافة على منقل فحم على طريق نزلة ناعور يجلس معظم ايام السنة في زواية محددة ، يعد صحون الكنافة مع ترحيبات سخية حتى تظن انك تقف امام وطن كبير يغمرك تقديرا ، فترى بعينيه لمعة تصميم على التسبيح سرا و في ابتسامته رضا تؤكد لك انك بانجازك اليوم و شراءك الكنافة منه قد ساهمت بمنحه وسام الاب الناجح فيعود باكياس مأونة يومه و طلبات لمملكته الصغيرة محققا فوزا على تحديات الحياة الحقيرة.
و بدات فعلا باعداد الفلم وعندما اعلمت دكتورة سولافة الزعبي بموضوعي قالت لي : نور المطلوب تقرير أخباري يحاكي مشكلة و موضوعك قصة .
فتوقفت عن مراقبته عن كثب رغم قناعتي أن قصته مشكلة وطن و خبر شعب ، و عدت أفكر هل أذهب للمحاكم أصور أوضاعها ، أم إلى مجلس النواب أصور كل أشكال الرأي ، أم أذهب إلى وسط البلد أنقل قصص البسطات و مصير المجمع الجديد ، أم اذهب للانفاق و جسور المشاة واكتب عن معاناة ذوي الإحتياجات الخاصة ، أم أذهب إلى وزارة العمل أصور فلما في قسم التفتيش كيف يكتظ الناس بشكواهم على أرباب العمل و الشكوى تضيع بلا توصية أو واسطة .
لكنني قررت بالنهاية أن أزور حدائق الحيوان على طريق مادبا فصورت المداخل و الانارات الصدئه والاسلاك المرمية على الارض المشقوقة و الاغذية تحت الشمس والعاب المعطلة و تهافت اطفالٍ على لعبة دولاب كلما نظرت اليه يقع قلبي قلقاً على سلامتهم .
و شاهدت مياه برك زينة اسنه و للأسف حيوانات جرباء ، و اقفاصاً فارغة بروائح جثث، و غزلانا تنظر اليك فتقترب منك بلا خوف تحشر انفها بين اصابعك وكانها تريد حضنا منك ، حتى أنني شهدت عاملا يوكز أسداً بعصا في قفصة مستغلا جوعه ، و سمعت عواء ذئب ينوح بالم و طيور ترفرف باقفاصها، و كلاب متسخه و نسر يفقد هيبته.
المهم أنجزت مشروعي الأول و نال فلمي درجة جيد جدا ، لكنني حصلت مع نفسي على علامة أ+ فقد ارتفع عندي عيار استشعار مسؤوليتي اتجاه الوطن في كل شيء ، فبت امارس عمل المحلل السياسي و اراقب الوضع كضابط مخابرات و اكافح كموظف معثر و اكتب كحراكي مثقف و اشت احيانا كعجوز ربت ثلاثة اجيال و لازالت تهاجن عن القمح و الحب و انتمي لكل تفصيل بفضاء الوطن كطيار عسكري و افهم بالسلاح كقائد جيش تتلبسه شخصية وزير الداخلية بين الحين و الاخر ، فارسم دوائر مستمرة حولي اكتب فيها قصة محلات مكسورة و مولات ضخمة و قصة وظائف تموت متعسرة بالولادة وقصة كليات تخرج ألاف الطلبة و سوق العمل لا يطور الا طلبة البكالوريوس ويهمش الدبلوم ، وقصة عاطلين عن العمل بلا باكيت دخان مغشوش يعيشون عليه لكانوا شهداء القهر ، وقصة اقاليم مظلومة عددها احدى عشر مهجورة العطاء الحكومي وكأن عمان هي الاقليم الوحيد و المخصص لزهور و الإستثمار .... و اكتب قصة نساء يقمن بدور الرجال و مجتمع يقسو عليهن لالف سبب .
وااا حسرتاه أكتب قصة قرارات شلت وطني و انهكت رجاله سعيا فقاسمتهم على لقمة العيش فاخذت ثلاثة ارباعه و نيف .
فاعرف ان الوطن لا يزال يحتاج اما تدعو له و ابا يشقى لاجله و اخا يحميه و اختا تخيط له علما فاخر الصفات و الاهم ان تكون عائلته تحبه باخلاص .