القبة نيوز-تحتضن مكة المكرمة في هذه الأيام ثلاث قمم واحدة خليجية، وثانية عربية وهي القمة الطارئة الرابعة عشرة، وثالثة إسلامية وكانت جميعها بدعوة من الملك سلمان بن عبد العزيز. شارك في القمة العربية نحو 13رئيساً عربياً بالإضافة إلى 6 مسؤولين آخرين على مستوى رؤساء الوزراء، في ظل انقسام عربي حاد، فشل في تجاوز الخلافات العربية وحتى الخليجية-الخليجية. فجاءنا الخطاب الختامي متضمناً لكل تطورات المنطقة ولكن برؤيا سعودية-اماراتية، حيث تصدر التهديد الإيراني وضرورة التصدي له مخرجات القمة، كما ركز قادتها على ضرورة "النهوض بالعمل العربي المشترك” للحد من الخطر الإيراني.
وجاءت الدعوة إلى عقد هذه القمم، بعد ارتفاع وتيرة هجمات جماعة أنصار الله الحوثية على بعض النقاط الاستراتيجية داخل السعودية والإمارات العربية المتحدة. حيث استطاع الحوثيون استهداف خط أنابيب النفط شرق-غرب والذي يضخ النفط من المنطقة الشرقية إلى البحر الأحمر. كما تمكنوا من تخريب أربع ناقلات نفط في ميناء الفجيرة الإماراتي.
بحث القادة العرب في خطورة التدخل الإيراني وتوسعه في المنطقة، ولكنهم تناسوا أن هذا التدخل كان نتيجة للممارسات العربية بعد عام 2011. وغضوا البصر عن أن الواقع العربي الهش هو من فتح أبواب التدخلات الخارجية سواء من إيران أو غيرها من الدول. نسي قادتنا موقفهم السلبي من معاناة العراق وتفتيته طائفياً، كما تناسوا حرب اليمن ومعاناة أهله بعد تضافر جهودهم الجبارة في الهجوم عليه عسكرياً. وأغمضوا أعينهم عن الدور العربي المشين اتجاه سوريا، وتكاتفهم وإصرارهم على مقاطعتها وزيادة معاناة شعبها. وإذا ما أردنا النظر إلى ليبيا، سنجد الميليشيات المدعومة عربياً، وحرب الوكالة المستعرة بين طرفي النزاع الخليجي ومعهم مصر، فحرقوا ليبيا وأهلها في أتون حرب أهلية ومستقبل مجهول. ناهيك عن التدخل في مصير السودان والجزائر، وغيرها من المعاناة التي نشروها على أراضي جيرانهم دون مراعاة لحق الإنسانية والجيرة والتاريخ والدين المشترك. أما القضية المركزية للعرب ألاوهي القضية الفلسطينية، فتحولت إلى زائر غير مرغوب فيه في قممنا، بعد تحول اسرائيل إلى صديق وشريك محتمل في الأرض، بعد عمليات التطبيع التي لم يبذل فيها الإسرائيلي الكثير من الجهود. والتي أنتجت لنا صفقة القرن التي ننتظر إعلانها في أي لحظة وتوجيه الرصاصة الأخيرة إلى صدور الفلسطينيين.
يثير الواقع العربي بهشاشته التساؤلات عن جدوى هكذا قمم، وهل هي فعلاً تلعب دوراً حقيقياً في تغيير واقع المواطن العربي أو حتى العودة إلى البيت العربي الواحد والعمل بصدق للوقوف في وجه التحديات؟
شهدت السنوات الأخيرة تراجعاً خطيراً في الخطاب والعمل العربي المشترك، ولم يستطع الاستجابة لتحديات الواقع، أو مماهاته، على الرغم من تغير الظروف الدولية والإقليمية، وخطورة التحديات الماثلة أمام هؤلاء القادة والتي وصلت إلى درجة التهديد المباشر لبقاء الدول والشعوب.
مما لا شك فيه أن تعامل القوى الاستعمارية ذات المطامع في المنطقة، بعدم جدّية، أو اهتمام مع هكذا قمم، يعود في الجانب الأكبر منه إلى عدم قناعة أصحاب القرار في هذه الدول العربية أنفسهم بجدواها، وغياب الإصرار والحزم في التمسك بقضاياهم المبدأية التي اتخذت بدورها مساراً انحدارياً وفي زمن قياسي. ولا نحتاج الكثير من البحث لنكتشف أن هذه الأنظمة تخلّت تماماً عن أرضية الاستقلال الخاصة بها، واتجهت إلى التبعيّة الكاملة للولايات المتحدة، وبذلت الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على هذه العلاقة بمقابل الحفاظ على وضعها الراهن حتى لوكان الثمن لهذا البقاء التطبيع مع الكيان الصهيوني والذي تمّ بكل يسر وسهولة في السر والعلن، وتمرير صفقة القرن، والتنازل عن الأقصى، وإهداء الجولان لنتنياهو.
إلى أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، إن ماتعانيه مجتمعاتنا العربية من تشرذم وحروب أهلية وحروب خارجية وتدخلات أجنبية، ماهو إلا نتيجة لفشلكم في صناعة القرار داخل البيت العربي، وعدم قدرتكم على التوحد أمام الأطماع الخارجية التي مهدتم لها بكل امكانياتكم. نحن لا نخشى إيران، ولانريد محاربتها بالنيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية، نحن نخشى من نتائج هكذا قمم على مصير المنطقة بالكامل، كما نخشى من قراراتكم اتجاه القضية الفلسطينية والجولان، نحن نخشى من الشرق الأوسط الجديد الذي تم رسمه في غرف عملياتكم بالإشتراك مع البيت الأبيض قبيل إعلانكم عن القمم الثلاث.
ليسمح لي أصحاب الجلالة والفخامة والسمو بالقول بأنه لا يمكن الجمع بين الصيف والشتاء، ولا الثلج والنار، فقد حان الوقت، وربما أزف على الانتهاء، لإختيار نهج واضح حتى تستطيعوا إنقاذ شعوبكم من الكوارث المستقبلية التي شاركتم بصنعها، وإن الثمن الذي ستقدمونه الآن نظير العمل على خلق أسس شراكة حقيقية تستند إلى مصالح الشعوب، هو أفضل بكثير من الخسائر المستقبلية المؤكدة والمجهولة. راي اليوم
باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية- لندن