مستشفيات تدق ناقوس الخطر لتراجع أرقام السياحة العلاجية
دق عاملون في عدد من المستشفيات الخاصة ناقوس الخطر إثر التراجع الكبير في السياحة العلاجية في المملكة نتيجة لعوامل عدة أبرزها قيام الحكومة بوضع عدد من الجنسيات التي تعتمد عليها السياحة العلاجية في المملكة بشكل كبير على قائمة الجنسيات المقيد دخولها أراضي المملكة، وعدم وجود ترويج كاف للسياحة العلاجية.
وأبدى هؤلاء استغرابهم من عدم قيام الحكومة بإجراءات سريعة لإدخال المرضى من دول عربية وغيرها من الدول الى الأردن لتلقي العلاج، لاسيما وأن السياحة العلاجية تعد رافدا مهما لخزينة الدولة وللقطاع السياحي؛ حيث تصل إيرادات السياحة العلاجية سنويا ما يقارب 1200 مليون دولار.
وحذر هؤلاء الحكومة من تجاهل قطاع السياحة العلاجية وأنه في حال عدم وجود حل سريع ومعالجة للتحديات التي تواجه السياحة العلاجية في الأردن، ستخسر ايرادات الخزينة الكثير من الأموال وسيتم تسريح الكثير من الأيدي العاملة الأردنية وغيرها من القطاعات التي ستتأثر أيضا بفعل تراجع أرقام السياحة العلاجية.
عدد من متلقي خدمة العلاج في المستشفيات ومن جنسيات متعددة أبدوا استغرابهم من قرار الأردن بوضعهم على قائمة الجنسيات المقيدة رغم أنهم يأتون للأردن بهدف العلاج، إضافة الى الغلاء الكبير في الأسعار ابتداء من الأكل والشرب الى أسعار الشقق الفندقية.
وأشار هؤلاء إلى أن عددا كبيرا من أقربائهم كانوا يتلقون العلاج في الأردن توجهوا الى دول أخرى لتلقي علاجهم، أبرزها تركيا ودبي، وذلك لوجود تسهيلات سريعة من قبلهم وبأسعار أقل ربما من الأردن، إلا أن سمعة الأردن بتقديم الخدمات الطبية ما تزال حاضرة لدى الكثير في بلدانهم، وهنالك فرصة كبيرة أمام الأردن لزيادة أعداد وأرقام السياحة العلاجية وممن يتلقون الخدمة الطبية.
أحد متلقي الخدمة الطبية من الجنسية اليمنية محمد قاسم طاهر، قال إن الأردن لديه خبرة طويلة في تقديم الخدمات الطبية، مشيرا إلى أن الأردن بالنسبة لليمنيين تعد أولى وجهاتهم لتلقي العلاج لأسباب عدة أبرزها قدرة الطواقم الطبية في الأردن على تقديم أفضل الخدمات، إلا أنه في العامين الأخيرين، تراجعت أعداد الكثير من اليمنيين والذي يأتون الى الأردن بهدف العلاج، وذلك لعدم وجود تسهيلات من قبل الحكومة الأردنية لليمنيين، إضافة الى إدراج الجنسية اليمنية على قائمة الجنسيات المقيد دخولها إلى الأردن.
ويبين طاهر أنه قبل سنوات عدة، كان اليمنيون يحصلون على فيزا لدخول الأردن خلال يوم أو يومين، والآن يواجه المتقدم للفيزا من أجل العلاج تأخيرا قد يصل لأسبوع، وهذا أمر جعل اليمنيين يبحثون عن وجهات ودول أخرى لتلقي العلاج فيها.
ويضيف طاهر أن معدل مصروفه على المأكل والمشرب والسكن وصل خلال أقل من 20 يوما الى ألفي دولار، من دون الحصول على الخدمات الطبية، معتبرا أن هذا المبلغ كبير مقارنة بدول أخرى منافسة للأردن بما يخص السياحة العلاجية.
وأكدت مرافقة لأحد المرضى السودانيين ابتسام خوجلي، عدم وجود تسهيلات من قبل الحكومة الأردنية للمرضى السودانيين الذين يدخلون الأردن بهدف تلقي العلاج، لافتة إلى أنه قبل 3 سنوات زارت الأردن للهدف ذاته، وكانت الإجراءات آنذاك ميسرة ولا يوجد أي تعقيدات في الحصول على موافقة لدخول الأردن.
وبينت خوجلي أن من أبرز التعقيدات التي واجهتنا عند طلب زيارة الأردن بهدف العلاج وجود رصيد بنكي، إضافة الى بعض التشديدات الأمنية، مشيرة الى أن من حق أي دولة أن تحافظ على أمنها، إلا أن هنالك الكثير من السودانيين الذين تأثروا وبشكل كبير من الإجراءات الجديدة للأردن على السودانيين.
وأوضحت خوجلي أن الخدمات الطبية التي تقدمها الأردن لها سمعة كبيرة في البلدان العربية والعالمية، وأن هذا يعد استثمارا حقيقيا لدى الأردن، فالسمعة التي يتميز بها الكادر الطبي الأردني والأجهزة المتطورة المستخدمة في المستشفيات الأردنية جعلتها من أولى الدول وأفضلها ممن يقدمون الخدمات الطبية على مستوى المنطقة، مطالبة الحكومة الأردنية بإعادة النظر بالتعليمات الجديدة التي وضعت على الجنسية السودانية عند دخولها الأردن لتسهيل دخول المرضى السودانيين.
وحذرت خوجلي من أن الأردن سيخسر الكثير من السودانيين الذين من الممكن أن يتلقوا العلاج، لافتة الى أن كل سوداني يزور المملكة يرافقه 2 الى 3 أشخاص، بما يعنيه ذلك من نفقات على السكن وبقية المتطلبات، وكل هذا يعمل على تحريك السوق الأردني.
ويصل عدد الجنسيات المقيدة إلى المئات، والتي من بينها السورية واليمنية والسودانية إلى جانب بعض الدول الأفريقية مثل تشاد ونيجيريا.
من جهته، قال رئيس جمعية المستشفيات الخاصة فوزي الحموري "إن قرار وضع بعض الجنسيات غير المقيدة والتي تعتمد عليها السياحة العلاجية في الأردن ضمن قائمة الجنسيات المقيدة (15/12/2015)، وأبرزها الجنسيتان الليبية واليمنية هبط بأعداد المرضى لأول ستة أشهر من العام الحالي من 70 % الى 80 % مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي".
ولفت إلى أن هناك جنسيات أخرى مثل السودانية تعاني من إجراءات الحصول على التأشيرة؛ إذ كانت تصدر بسهولة من خلال السفارة الأردنية في الخرطوم، بينما تحتاج حاليا الى أكثر من أسبوعين، مشيرا كذلك إلى الجنسية التشادية والنيجيرية والعراقية والسورية والتي يعد العلاج لها مغلقا نهائيا؛ حيث إن السوريين الذين يدخلون الى الأردن بهدف العلاج يأتون من خلال دول أخرى وليس من سورية مباشرة.
وأكد الحموري أن هنالك تغيرا كبيرا لوجهة السياح ممن يتلقون العلاج الى دول أخرى؛ حيث بدأت بعض الجنسيات بتغيير وجهتها بدلا من الأردن الى دول أخرى مثل تركيا ودبي والهند ومصر وتونس، وهذه الدول تعد من الدول المنافسة للأردن فيما يخص السياحة العلاجية.
وعبر عن خشيته من أن يفقد الأردن ميزته التنافسية؛ "حيث كنا في الأردن نفتخر أننا حصلنا على جائزة أفضل مقصد للسياحة العلاجية في المنطقة لأسباب عدة أولها جودة الخدمة، وكفاءة الكادر الطبي، والمستوى المتقدم للمستشفيات، وأسعارنا المعتدلة عن غيرنا من الدول".
ويتساءل الحموري: "كيف للمرضى الليبيين الحصول على تأشيرة دخول الى الأردن ولا يوجد حكومة تسير عمل البلاد هناك، ولا يوجد لدينا أيضا سفارة هناك؟"، مبينا أن عدد الزوار القادمين من ليبيا كان لا يقل عن 50 ألفا في العام الواحد، بينما كان عدد الزوار اليمنيين يتراوح بين 20 و30 ألفا.
وتابع: "اليوم تحكي الأرقام غير ذلك تماما، هناك انخفاض كبير انعكس وبشكل سلبي على إيرادات السياحة العلاجية، السياحة العلاجية لدينا تعد ثروة وطنية وكنزا للأجيال لا يمكن لنا أن نفرط فيه، فعلينا أن نعزز مكانة الأردن كمزكز إقليمي للسياحة العلاجية".
وأضاف الحموري: "نقدر الدواعي الأمنية التي تتخذها الحكومة بشأن دخول الأجانب الى الأردن ونحن نحترمها ونقدرها، لكن يجب أن لا يكون هذا التخوف الأمني على حساب المرضى الذين يتلقون العلاج في الأردن والسياحة العلاجية، والتي تعد من أبرز أعمدة الاقتصاد الأردني"، لافتا الى أنه "وعدنا أكثر من مرة من وزير الداخلية بحل مشكلة الجنسيات المقيدة وبشكل سريع، إلا أن هذا الشيء لم يتم على أرض الواقع".
ونبه الحموري إلى معاناة كثير من المستشفيات الخاصة من أوضاع مالية صعبة؛ حيث بدأت بتقليص أعداد العاملين لديها، مشيرا إلى أن إيرادات هذا القطاع بلغت العام الماضي نحو 1200 مليون دولار، وبعد انخفاض أعداد متلقي العلاج في مستشفيات المملكة، من المتوقع أن لا تتجاوز إيرادات السياحة العلاجية في المملكة نهاية العام الحالي 900 مليون تقريبا.
ويشير الحموري إلى "أن الجمعية أصدرت دراسة تبين أن الإيرادات التي تحققها السياحة العلاجية في الأردن 35 % منها يصب فقط بالجسم الطبي، و65 % تصرف في قطاعات أخرى مثل المولات والفنادق والشقق الفندقية والمطاعم والتنقل وتذاكر الطيران، مؤكدا أن المطالبة بدعم السياحة العلاجية لا تعني مصلحة المستشفيات فقط، وإنما عدد كبير من القطاعات الأخرى المرتبطة بها بشكل كبير، ونتمنى أن نصل لمرحلة يتم فيها إلغاء التقييد على الجنسيات".
ويبين الحموري أن لقاء عقد مع رئيس الوزراء هاني الملقي، قدموا خلاله شرحا مفصلا عن التأثير الذي أصاب السياحة العلاجية في الأردن، لافتا إلى أنه أوعز لوزير الداخلية بحل قضية الجنسيات المقيدة وتسهيل دخول السياح الى الأردن، الا أنه ما يزال هنالك تراجعات كبيرة في أعداد المرضى القادمين الى المملكة.
ويرى مدير عام مستشفى الرشيد، رفعت المصري، أن المشكلة ليست فقط في موضوع وجود جنسيات مقيدة أدت الى تراجع أعداد المرضى القادمين الى الأردن من الخارج، وإنما هنالك عوامل عدة أدت الى عزوف المرضى عن زيارة الأردن لتلقي العلاج، منها ما يخص عدم وجود تسهيلات للحصول على تأشيرة دخول المملكة، إضافة الى أسعار الفنادق والكلف على متلقي خدمة العلاج من حيث الأكل والسكن والتذاكر ذات الأسعار المرتفعة مقارنة بدول أخرى تقدم لمن يأتي اليها للعلاج تذكرة علاج بخصم يصل الى 40 %، إضافة الى خدمات أخرى.
وأشار المصري إلى تراجع في الترويج والتسويق السياحي، لافتا إلى أن جمعية المستشفيات تقدم ما هو مطلوب منها لترويج الأردن بما يخص السياحة العلاجية، الا أن دور الجمعية لا يكفي، فهنالك أيضا دور على القطاع العام في ترويج وتسويق الأردن علاجيا، إضافة الى عدم وجود خطوط طيران مباشرة الى الأردن في كثير من الدول، وهذا أمر في غاية الأهمية.
وعن الجنسيات المقيدة، يوضح المصري أن وزارة الداخلية قدمت بعض التسهيلات للمرضى القادمين الى الأردن، الا أن هنالك بعض الحالات الفردية فيما يخص تأخير بعض الجنسيات بالحصول على تأشيرات دخول الى الأردن.
وردت وزارة السياحة والآثار بما يتعلق بتراجع أرقام السياحة العلاجية، وعن الجنسيات المقيدة، وما هي خطط الوزارة بالترويج وتسويق السياحة العلاجية الأردنية في الخارج، ردت بتأكيد "تأثر السياحة العلاجية كغيرها من أنواع السياحات"، معتبرة أن "الوضع الإقليمي المضطرب أدّى الى تراجع في أعداد السياح والزوار بشكل عام".
وأوضحت الوزارة أنها ستولي السياحة العلاجية أولوية قصوى وتنسّق في هذا الشأن مع هيئة تنشيط السياحة ومع جمعية المستشفيات الخاصة، وتضع الهيئة في برامج التسويق والترويج في الدول الشقيقة تميز السياحة العلاجية في المملكة، فضلا عن الترويج لسياحة الاستشفاء والاستجمام التي تتميز بها المملكة كأحد أنواع السياحة التي تستقطب الزوار، بموازاة التسهيلات الممنوحة للسياح والزوار من الأشقاء كتسهيل الإجراءات على المنافذ الحدودية ومعاملة الأشقاء العرب كمعاملة الأردنيين في رسوم الدخول للمواقع السياحية والأثرية.
وأشارت الوزارة، في ردها، إلى أن هناك لجنة مختصة يرأسها وزير الصحة، وتضم في عضويتها الأمناء العامين لوزارات السياحة والداخلية والعمل والصحة، ومن أبرز قراراتها تسهيل دخول السياح من الجنسيات الراغبة بالسياحة العلاجية، وذلك بتزويدهم بإجابة خلال يومي عمل من وزارة الداخلية.
وأشارت الوزارة إلى أن المؤسسات الطبية الأردنية تميزت بالاحتراف الطبي والعلاجي، والسمعة العالمية المميزة، بما أهّلها للحصول على المرتبة الأولى للسياحة العلاجية في الإقليم، مسنودة بأسباب النجاح والتميز مثل جودة ونوعية الخدمات الطبية المقدمة وتنافسية أسعار الخدمات الطبية مقارنة بمختلف دول العالم، والكوادر البشرية المؤهلة لغوياً وفنياً وحصول العديد من المستشفيات على الاعتمادية الوطنية والدولية، فضلا عن وجود المنتجعات الاستشفائية في الأردن كالبحر الميت وحمامات ماعين وعفرا والبربيطة والحمة ونحو 200 نبع مياه معدنية، والميزة الأساسية المهمة في توفر أجواء الأمن والاستقرار.
وأضافت الوزارة أنه ومن أبرز ما يعزز التجربة العلاجية في الأردن، الطبيعة الخلابة المتوفرة بمواردها العلاجية كافة بدءا بالمياه الحارة الغنية بالمعادن، مرورا بالوحل البركاني والطقس المعتدل وانتهاء بالمناظر الطبيعية الخلابة.
وقالت الوزارة "إن القطاع الطبي في الأردن شهد خلال السنوات الماضية نقلات نوعية على صعيد البنى التحتية وتجهيز المستشفيات بأحدث الأجهزة والتقنيات الطبية، فضلا عن التأهيل العالي للأطباء والكوادر المساعدة والسمعة الطبية التي يتمتعون بها، مما مكن الأردن من استقطاب المزيد من المرضى من مختلف الدول وبشكل كبير من الدول العربية؛ حيث يزور المملكة سنوياً للعلاج ما يفوق 200 الف مريض، مما يعني رفد الاقتصاد الوطني؛ حيث تشير الأرقام الصادرة عن الجهات المعنية مباشرة الى أن الدخل المتأتي من السياحة العلاجية يفوق المليار دولار سنويا".
من جهته، أكد مصدر مطلع في وزارة الداخلية أنه لا يوجد أي مشكلة تواجه من يتقدم بطلب علاج من الجنسيتين الليبية واليمنية من خلال شركات أردنية محلية قادرة على تأمين استصدار تأشيرة خلال فترة لا تتجاوز 48 ساعة إذا ثبت أن الزيارة لأهداف العلاج، وفي حال ثارت الشكوك حول أهداف الزيارة تتأخر التأشيرة لحين التدقيق في الطلب.
وفيما يخص الجنسية السودانية، أوضح المصدر أن الحكومة عملت على اشتراط استصدار كتاب من رئاسة الحكومة السودانية تؤكد أن هذا الشخص بحاجة إلى علاج، وأن يضمن هذا الكتاب الطلب المقدم للحصول على تأشيرة.
وأكد المصدر أن الأردن يسهل إجراءات الزيارة بهدف العلاج، مشيرا إلى أن هناك تشديدات في بعض الأوراق والإجراءات نظرا للظروف الإقليمية المحيطة والدواعي الأمنية.
ويتطابق حديث المصدر مع تصريحات سابقة لوزير الداخلية سلامة حماد، أطلقها في آب (أغسطس) الماضي، أكد فيها تشديد الإجراءات بسبب الاضطرابات في المنطقة والإقليم، مشددا على إيلاء الجانب الأمني أهمية قصوى شريطة أن لا تؤثر هذه الإجراءات بشكل سلبي على القطاعات الحيوية أو المصالح الأردنية في مختلف المجالات.