الباقورة والغمر... الملك ينحاز للوطن
- تاريخ النشر : 2018-10-22 00:30:47 -
القبة نيوز-«الباقورة والغمر هي أراضي اردنية وستبقى اردنية»، كلمات قليلة تبناها الملك بإعلانه إنهاء البندين الخاصين بهما في اتفاقية وادي عربة واللذين اتاحا استغلال هذه الأراضي ــ بعد تسويات ومفاوضات طويلة ــ من قبل الجانب الإسرائيلي لمدة 25 عام في اتفاقية وادي عربة الموقعة عام 1994، والتي تجدد لفترات مماثلة ما لم يبدِ أحد الطرفين رغبته بغير ذلك، على ان يكون الاخطار بعدم التجديد قبل سنة من تاريخ التجديد، اي خلال شهر تشرين اول الحالي.
لقد انحاز الملك لوطنه ولوجدان شعبه بعدم التجديد؛ واستعادة كامل السيادة الأردنية على الباقورة والغمر رغم ان البيئة الإقليمية والدولية تدفع للتفكير عدة مرات قبل اتخاذ قرار مثل هذا، فإسرائيل يحكمها اليوم ائتلاف يميني متشدد يضم في جنباته أعتى أنصار الاستيطان والقوميين الذين أخرجوا للتو قانون يهودية الدولة الذي اظهر عنصرية إسرائيل ووجهها القميء والحقيقي بخلاف الزعم الممتد طويلاً بديمقراطية النظام وعدالته، هذا الائتلاف المتشكل من أحزاب الليكود والبيت اليهودي وجميعنا، وهي أحزاب يمينية قومية تتبنى الاستيطان وترفض التخلي عن أي متر للعرب تحت سيطرة إسرائيل، وترفض تفكيك أية مستوطنة من أجل السلام، بالإضافة لحزبي شاس ويهود التوراة، وكلاهما يتبنى طروحات دينية وتاريخية للمزاعم اليهودية لشرعنه الاحتلال والاستيطان.
ناهيك عن دور المنظمات التي ترعى الاستيطان وتدعمه وتحميه، وهي منظمات ذات تأثير كبير في العملية السياسية داخل إسرائيل، وأبرزها منظمة غوش ايمونيم، وما لهذه المنظمات من تأثير في نتائج الانتخابات حيث تمثل أكثر من ربع مليون ناخب إسرائيلي، ولا شك انها ترفض التخلي عن (حق) إسرائيل بكامل الأراضي الواقعة تحت سيطرتها، والتي تعتبر الباقورة (نهاريم) والغمر (تسوفار) جزء من ارض إسرائيل التاريخية.
إن قرار الملك رغم استناده على الحقوق التاريخية والقانونية للأردن بالباقورة والغمر سيكون محوراً لأزمة سياسية ربما تعصف بتكوين الائتلاف الحاكم في إسرائيل وقد يفضي لحل الكنيست والتعجيل بالانتخابات القادمة، وذلك لان تمرير قرار مثل هذا القرار وبعهد حكومة على هذا القدر من التشدد سيكون بمثابة مقتل لهذه الأحزاب امام ناخبيها الذين اوصلوها لسدة الحكم تحت شعارات مثل: ارض إسرائيل لشعب إسرائيل، وحق الاستيطان للشعب اليهودي على كامل الأراضي الواقعة تحت سيطرة إسرائيل.
كما أن قرار الملك يشكّل إعطابا للمخططات الإسرائيلية التي تم طرحها في بعض المحافل على هامش صفقة القرن، والتي تتضمن مقترح بقيام إسرائيل تمويل استئجار اراضٍ اردنية في الاغوار للفلسطينيين كبديل عن أراض فلسطينية محتلة من قبل إسرائيل، وذلك لأن الأردن بعد استعادة الباقورة والغمر يرسل رسالة مؤداها: ان الأراضي الأردنية ليست للبيع او الايجار.
وفي الجانب الآخر؛ فإن الولايات المتحدة محكومة بالحزب الجمهوري وعلى رأسها اليوم اكثر الرؤساء الأمريكيين تشددا وانحيازاً لإسرائيل؛ الرئيس ترامب الذي قامر بكل تبجح وإصرار على نقل سفارة بلاده الى القدس باعتبارها عاصمة دولة إسرائيل.
ناهيك عن التشرذم العربي وعدم الاتكاء بأي حال على الاسناد العربي للموقف الأردني، وتراجع أهمية ودور المجتمع الدولي ومنظماته المختلفة وعلى رأسها الأمم المتحدة، كل هذه الظروف وغيرها تجعلنا ندرك تماماً قيمة انحياز الملك لإرادة الشعب الأردني وحقوقه التاريخية والقانونية في استعادة سيادة الدولة على الباقورة والغمر.
لقد انحاز الهاشميون على الدوام لوجدان الشعب وراهنوا على الأردنيين في وجه كل التحديات، وكلّنا يستذكر الموقف الأردني الرافض للحرب على العراق وانحياز الملك حسين لشعبه في وجه التهديدات الخارجية والمغريات التي تم تقديمها للأردن من اجل التخلي عن موقفه القومي الرافض لتدمير العراق، وهو الموقف الذي تثبت أيامنا الحالية صحته وسلامته رغم ان ثمنه كان باهظا.
ان النظر لقرار الملك يجب ان يكون في سياق وطني أشمل مختلف تماماً عن كل ما اكتنف الحياة السياسية من أزمات، وعن الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد منذ سنوات، إذ يجب الوعي تماماً ان ثوابت الوطن ومقدراته ووجدان شعبه أمر لا يمكن التفريط به من قبل أحد، وأن الملك بهذا القرار يعلن بشكل ضمني بدء مرحلة جديدة من مراحل الحياة السياسية تتضمن حالة من التصالح بين الشعب وقيادته، وهذه الحالة طالما كان الوطن بحاجتها لاستعادة الثقة بالمستقبل، وان العربة تسير على مسارها السليم رغم كل المعيقات.
لا شك ان هذا القرار سيوّلد المزيد من الضغوطات على الأردن، وسيخلق العديد من التحديات والأزمات، لكن؛ سيتمكن الأردن من مواجهتها واجتيازها بنجاح في ظل حالة التوافق الوطني على الثوابت غير القابلة للتفريط، وفي ظل التفاف الشعب حول قيادته التي تنحاز لوجدانه رغم كل التبعات.
*باحث مختص في النظم السياسية.
تابعوا القبة نيوز على