facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

لا تشبه الـ 89

لا تشبه الـ 89
جمانة غنيمات يقلل البعض من سوء الأحوال العامة، وتحديدا الاقتصادية منها. بل هناك من يسعى إلى لوم المجتمع على اتساع رقعة بعض المشكلات الاقتصادية ذات الأبعاد الاجتماعية الخطيرة، لاسيما الفقر والبطالة! الشباب الخمسة "الانتحاريون" بدافع البطالة، وإدانة محاولتهم، كان المدخل الأمثل لهذه الأصوات، والتي تُغفل ظواهر كثيرة باتت تؤكد حجم الشعور بعدم الرضا؛ فشباب ذيبان، على سبيل المثال فحسب، يعتصمون منذ 20 يوما مطالبين بفرص عمل، وقبلهم شباب معان. يمكن لنا أن نعيش حالة إنكار، وهو الخيار الأسهل. ولنا أن ننضم لجوقة إدانة المجتمع وثقافة العيب، فنريح أنفسنا من وجع الضمير، ومن عناء البحث عن حلول حقيقية للمشكلات القائمة فعلاً، وندّعي تالياً أننا قلنا ما يمليه علينا "ضميرنا" بحق الوطن والمواطن. لكن السؤال المهم هو: هل نخدم الأردن فعلاً ونحميه، بغض الطرف عن استياء شعبي بدأ يتفشى أكثر، وتظهر انعكاساته بصور خطيرة باتجاهات متعددة؛ تبدأ بعنف اجتماعي غير مسبوق، كما انجذاب إلى الفكر المتطرف، ولا تنتهي بمحاولات الانتحار والوقفات الاحتجاجية لشباب ملّ الوعود التي لم تتحقق؟! الضمير والوطنية الحقيقية يوجبان دقّ ناقوس الخطر بشأن ما بلغه المجتمع عموماً من يأس وقنوط، جراء فشل السياسات الرسمية، وأنانية الحكومات التي تفكر فقط بلغة الأرقام والنسب، من دون أن تلتفت إلى قسوة "إنجاز" ذلك على المجتمع. ثمة من يسعى إلى تشبيه أحوال اليوم اقتصادياً بما حدث في العام 1989، وذلك ليس دقيقا. فالأرقام، على سوئها وشدة تعقيدها، تقول إن بالإمكان تجاوز "سيناريو 89" القاتم. لكن، في الوقت نفسه، يمكن القول إن المعطيات القائمة حالياً تبدو أكثر خطورة من نواحٍ أخرى، ربما لأن المعادلة مختلفة بشكل كبير. ففي نهاية الثمانينيات، تفجّر غضب الناس من تبعات الأزمة الاقتصادية، بعد تبني الأردن وصفة صندوق النقد الدولي لعلاج جراحه، والشروع في اتخاذ قرارات صعبة غير مسبوقة. أما اليوم، فيبدو المواطنون غاضبين لأسباب مختلفة. على الجانب الاقتصادي، يعتبر الاحتياطي الأجنبي حالياً في أحسن أحواله. كذلك، فإنه رغم ارتفاع كل من العجز والدين العام، إلا أن التدفقات المالية لا تعني أن الحكومة ستكون عاجزة عن دفع الرواتب، بخلاف ما يزعم البعض. كما أن مثل هذه الظروف وهذه الأزمة المالية ليست جديدة على الأردن، ولطالما نجح في التعامل معها. وهنا يظل صحيحاً تماماً أيضاً أن مراجعة حقيقية لأرقام الموازنة العامة، مع العمل على ظهور أثر القرارات الصعبة بشكل حقيقي (مثل إلغاء الدعم عن المحروقات والكهرباء)، وتوجيه النفقات بشكل حصيف... كل ذلك سيساهم حقا في تحسين المؤشرات المالية، إن توفرت النوايا لإصلاح مالي حقيقي. هكذا يكون أخطر ما يجري اليوم متمثلا في أن المجتمع الذي أعطى الفرصة للحكومة على مدى السنوات الأربع الماضية، لم يلمس نتائج عملها؛ إن على صعيد الأرقام المتعلقة بالدين والعجز وسواهما، أو من خلال معالجة مشكلة البطالة خصوصاً، عبر معالجة تشوهات سوق العمل، وتطبيق سياسة إحلال الأردنيين، بل صرنا نشهد إحلالا للسوريين بدلا من الأردنيين في بعض القطاعات، مثل التجارة. أزمة اليوم لا تشبه ما وقع في العام 1989 أبدا. لكن ذلك لا يقلل من خطورتها، لاسيما المتأتية من الفقر والبطالة، في وقت يقترب فيه النمو الاقتصادي من نسبة 3 %، لا تكفل التخفيف من حدة هاتين المشكلتين. كما أن معدلات النمو السكاني تفوق كثيرا معدلات النمو الاقتصادي، بما يجعل سبل الحل صعبة. وهنا لا بد من العودة إلى تأكيد أن التصدي للبطالة لا يكون بالتوظيف في القطاع العام، بل بتوسيع قاعدة الاقتصاد من خلال القطاع الخاص؛ خصوصاً مع انتهاء المنحة الخليجية، ومحدودية فرص تجديدها، بما يعني أيضا أن الاعتماد على الحلول المحلية سيكون هو الأساس. ما من شك أن البطالة مشكلة قديمة عميقة ومعقدة؛ بحيث تحتاج مواجهتها سنوات طويلة، يتم خلالها تغيير قيم الأردني وثقافته تجاه العمل. لكن الحرص يوجب دراسة تبعات الأزمة التي بدأت تتجلى أكثر.
تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير