facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

المجالي يكتب : ​ "حرب الكسر الأخير": كيف تحوّل موظف شباك الدفع إلى مُتسوّل فراطة؟

المجالي يكتب : ​ حرب الكسر الأخير: كيف تحوّل موظف شباك الدفع إلى مُتسوّل فراطة؟
بقلم - نضال المجالي 
مشكلة "الفراطة" (الباقي) ليست مجرد نكتة تُتداول على مواقع التواصل، بل هي "أزمة كرامة" يومية تتجسد بأبشع صورها عند شباك الدفع أو صندوق المحاسبة. هناك، حيث يقف المواطن ليدفع ثمن خدمة أو فاتورة أتته بقيمة تحتوي على كسور نقدية سخيفة (كأن يدفع 10.75 دنانير)، يتحول الموظف، بكل أسف، من ممثل للجهة التي يعمل بها إلى "مُتسوّل فراطة" في مشهد لا يليق به ولا بالجمهور.

​تبدأ المأساة عندما تدفع له ورقة نقدية كبيرة، وكأنك بهذا الفعل قد أعلنت حالة الطوارئ المالية في الغرفة. عندها يُشرق عليك وجه الموظف، المسكين، بابتسامة صفراء متهالكة يعتذر بها سلفاً: "والله ما معي فراطة يا أستاذ...".
​غرفة عمليات "الحياء المُكره"
ماذا يفعل المواطن؟ يصبح مطالباً بالنزول من "الطابق الثالث من شباك الصندوق" — مجازاً — للبحث عن كسور العملة. يخوض مفاوضات مضنية على قيمة الـ (25 قرشاً) الناقصة وكأنها مبلغ يدفع عنه مستقبله كله. خلفك، يقف طابور من المراجعين، يتنحنحون، وتتحول لحظة تحصيل الأموال إلى اختبار للصبر والأخلاق.
هنا يقع موظف شباك الدفع فواتير بين المطرقة والسندان. فبدلاً من أن يكون عمله إدارياً، يصبح عبئاً اجتماعياً ونفسياً:
​السندان الأول: حياء الإكراه! الموظف لا يجرؤ على أن يقول لك: "أنا أريد هذه القروش المتبقية لي شخصياً"، بل يضعك تحت ضغط الوقت والطابور. يمارس عليك "حياء الإكراه" لتتنازل عن حقك. وعندها، يتذكر المواطن الساخر بحديث ، أو بالأحرى،قد يقال ما أُخذ في الحياء فهو حرام! لكننا مضطرون لهذا الحرام اليومي!
المطرقة الثانية: التناقض الطبقي! المشكلة تتعمق بوجود نوعين من المراجعين:
المترف: هو الذي يقول بسخاء مزيّف: "خلص، ما بدي الباقي، مشيني!" ليُلقي بـ (40 قرشاً) في صندوق الموظف وكأنها صدقة، بينما هي حق للمواطن، ويحوّل هذه القروش إلى "أرباح موازية" للجهة المعنية.
المُحتاج: هو المواطن الذي يدقق في كل فلس. هذا الباقي، الـ (20 قرشاً) أو (50 قرشاً)، قد يكون الفرق بين شراء رغيف خبز 
إضافي أو لا. هو يصرّ على كامل حقه، لأنه يعلم أن قيمة عملته، مهما صغرت، يجب أن تُحترم.
​وهكذا، تتحول الفراطة إلى عملة طبقية: ما هو "باقي تافه" للبعض، هو "باقي مُلحّ وضروري" للبعض الآخر، وعبء يومي لا يطاق على الموظف المسكين.
عتاب للحكومة: هل فشلتم في طباعة القروش؟
يا سادة يا كرام في مراكز صناعة القرار! كيف تتحدثون عن "الرؤية المستقبلية" و "التحول الرقمي 2030"، بينما مشكلة "فراطة" عمرها عقود ما زالت تُهين موظفيكم وتؤخر مراجعيكم؟
هل فشلتم في إدارة عملية طباعة وتوزيع العملات المعدنية؟ هل يعقل أن يكون موظف شباك الدفع، الذي يمثل الواجهة المالية في المعاملات، هو ضحية نقص القروش؟
نحن لا نطلب منكم خطة إنقاذ عالمية، بل نطلب حل مشكلة بسيطة جداً: إما توفير هذه القروش بكثرة في السوق لكي لا يتحول المواطن إلى "بائع جُملة" للعملات المعدنية، أو تسعير الخدمات بشكل صحيح (بدون كسور) ينهي هذه المأساة. فمن غير المعقول أن تكون جهودكم في التنمية كلها مرهونة بـ ربع دينار ضائع في درج موظف شباك الدفع!
يا فراطة، كم أذللتِ من مراجع ومن موظف!


​حفظ الله الاردن والهاشمين
تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير