د.عامر الصمادي يكتب: دور التلفزيون الأردني في الحالة الثقافية الأردنية

القبة نيوز- يُعد التلفزيون أحد أهم الوسائل الإعلامية المؤثرة في تشكيل الوعي الثقافي والاجتماعي عن الشعوب والمجتمعات المحلية حيث يلعب دورًا محوريًا في نشر القيم و تعزيز الهوية و وتقديم المحتوى الإبداعي. وفي الأردن، مثَّل التلفزيون الأردني منذ تأسيسه عام 1968 مرآةً للثقافة الوطنية، لكنه شهد تحولات كبيرة خلال العقود الثلاثة الماضية بسبب التطور التكنولوجي وتغير أنماط المشاهدة. فكيف أثَّر التلفزيون الأردني على الثقافة المحلية؟ وما هي سُبل تطويره لمواكبة العصر؟
أولًا: التلفزيون الأردني والثقافة (2000-1990)
في تسعينيات القرن الماضي، كان التلفزيون الأردني المصدر الرئيسي للمعلومات والترفيه، حيث قدَّم برامج تُعنى بالثقافة الأردنية والعربية، مثل:
- **البرامج التاريخية والوثائقية التي سلطت الضوء على التراث الأردني.
- **المسلسلات الدرامية التي صورت الحياة الاجتماعية الأردنية.
- **البرامج الثقافية و الأدبية التي استضافت شعراء وكتابًا أردنيين وعربًا بعضهم كان من الصعب جدا الوصول اليه لاعتبارات جغرافية او سياسية لكن التلفزيون كان افضل وسيلة للوصول اليهم وتقريبهم للمشاهد،واذكر هنا انني بدأت العمل التلفزيوني بتقديم برنامج المجلة الثقافية وهو اهم برنامج ثقافي بالتلفزيون يومها ، فكان له صدى كبير وتأثير واضح على الحياة الثقافية الاردنية، و كنت اغطي كل الانشطة الثقافية في عمان واحيانا في المحافظات،وكانت هذه الانشطة تتضاعف عشرات المرات في فترة انعقاد مهرجان جرش ،الذي كان يستقطب كبار الشعراء والمثقفين العرب،حتى انني ابتدعت طريقة جديدة للتعامل مع هذا الزخم فكنت اسجل عشرات اللقاءات و القصائد الشعرية للمثقفين العرب وابثها طوال العام مما كان يغني برنامجي الثقافي، وبعد الحرب الاولى على العراق عام 1990 نزح الى الاردن عدد كبير جدا من المثقفين والفنانين العراقيين الذين اثروا المشهد الثقافي والفني الاردني بمختلف اشكاله،فكنت تجد عشرات الانشطة المتنوعة يوميا حتى اننا لم نكن قادرين على تغطيتها كلها،بل ان مقاهي وملتقيات ثقافية اقيمت لهم تحديدا فكنت تجد مثلا مقهى الفينيق بشارع وصفي التل يعج يوميا بعشرات المثقفين الاردنيين والعراقيين امثال عبدالوهاب البياتي وبلند الحيدري وحميد سعيد وعلي جعفر العلاق وغيرهم فكان ملتقى دائم تستطيع ان تعثر فيه على من تشاء منهم بشكل دائم .كما كانت البرامج الثقافية وسيلة سياسية للتقريب بين الدول والحكومات من خلال استضافة الكتاب والشعراء والمثقفين ،لكن ابرز مثال على هذه الحالة كان عام 1992 عندما حوصر الاردن وتمت مقاطعته من قبل دول الخليج وتردت الاحوال الاقتصادية والمعيشية وتوقف الانتاج الفني الاردني الذي كان يعتمد بشكل اساسي على سوق الخليج العربي،فكان لابد من التحرك لكسر هذا الحاجز واعادة الامور الى سابق عهدها، واذكر هنا انني اقترحت على ادارة التلفزيون ان اقوم بعمل مقابلات ثقافية مع بعض الشعراء والمثقفين العرب من سلطنة عمان نظرا لعلاقتي السابقة معهم امثال الشاعر سيف الرحبي والصحفية عزيزة الحبسي وغيرهم، ولان عُمان كانت اقل دول الخليج توترا تجاه الاردن وبها ما يزيد على خمسة الاف معلم اردني وقتها ،وقد نقلت ادارة التلفزيون طلبي هذا الى وزارة الاعلام ويبدو ان الفكرة وجدت استحسانا لدى الوزير الذي طرحها على مجلس الوزراء فجاءت الموافقة بافضل مما توقعت فقد تقرر ان يشكل وفد اردني كبيربما يزيد على ستين شخصا يومها لاحياء الايام الثقافية الاردنية في سلطنة عمان وطلب مني ان ارافق الوفد واسجل ما اريد من مقابلات وارسال تقارير اخبارية يومية عن تلك الانشطة الثقافية التي يقيمها الوفد الذي ترأسه يومها معالي المرحوم الدكتور محمود السمره رحمه الله ، وهكذا كان .
وعودة الى التلفزيون الاردني نجد انه واجه بعد ذلك تحديات كبيرة بسبب محدودية الإنتاج وقلة الموارد مقارنة بالقنوات الفضائية الناشئة.
ثانيًا: العقد الأول من الألفية (2000-2010).. بين التراجع والمحاولات التجديدية
مع انتشار القنوات الفضائية (كالجزيرة والام بي سي وراديو وتلفزيون العرب ART )، تراجع تأثير التلفزيون الأردني، لكنه حاول مواكبة التغيير عبر:
- إنتاج مسلسلات درامية تعالج قضايا اجتماعية.
- برامج المنوعات والمسابقات التي جذبت الشباب.
- زيادة الاهتمام بالمحتوى الديني والتربوي.
ومع ذلك، ظلَّ تأثيره الثقافي محدودًا بسبب ضعف التمويل وقلة الابتكار.
ثالثًا: العقد الثاني حتى اليوم (2010-2025).. التحديات الرقمية والبحث عن الهوية
في ظل انتشار الإنترنت ومواقع التواصل، أصبح التلفزيون التقليدي في منافسة شرسة، فهذه الوسائل تتيح لأي شخص ان يبث ما يشاء بشكل مباشر ودون معدات باستثناء الهاتف ،ومع ذلك ما زالت بعض البرامج الثقافية تُبث في محاولة للبقاء على قيد الحياة وتحدي الواقع المؤلم، لكن التحدي الأكبر يكمن في عدم مواكبة المحتوى لاهتمامات الشباب، وغياب الاستراتيجية الرقمية الفعالة.
فكيف يمكن تطوير التلفزيون الأردني ثقافيًا؟
اعتقد انه يمكن ذلك من خلال
1. إنتاج محتوى ثقافي مميز يركز على لغة العصر واستخدام التكنولوجيا الحديثة واثراء المشهد الثقافي العربي من خلال متابعة كل الاحداث الثقافية العربية ،واجراء مقابلات عن بعد بالوسائل الحديثة للتواصل لانها غير مكلفة ويمكن التنقل في كل حلقة بين عدة دول .وقد سبق واستخدمت هذا الاسلوب في برنامجي للمغترين (برنامج يا طير )وكان ناجحا وغير مكلف للتلفزيون .
-انتاج مسلسلات وثائقية عن التراث الأردني.
- برامج حوارية مع مثقفين وشباب مبدعين من الجيل الجديد او جيل الديجتال وطرح مواضيه تهمهم ويمكنهم التفاعل معها وعدم التركيز على المواضيع التقليدية والاشخاص التقليديين
2. التحول الرقمي الواضح ويمكن ذلك من خلال:
- بث البرامج عبر المنصات الالكترونية مثل YouTube لتوسيع الانتشار.
- إنشاء مكتبة رقمية للأرشيف الثقافي الأردني،وهذه قضية شائكة يمكن افراد مقالة خاصة عنها لانها من القضايا الهامة وتعثرت عدة مرات وتم ايقافها لاهداف شخصية عند البعض بما يرتقي -لقضية فساد- يجب محاسبة رموزها.
3.الشراكات مع المؤسسات الثقافية:
- التعاون مع وزارة الثقافة والجامعات لإنتاج محتوى نوعي.
4. تشجيع الإبداع المحلي:
- دعم صناع الأفلام والكتاب الأردنيين عبر برامج مخصصة.
رغم التحديات، يظل التلفزيون الأردني قادرًا على لعب دور ثقافي ريادي إذا تم تحديثه بخطة استراتيجية تعتمد على الجودة والتفاعل مع الجمهور وتغيير الادارات التقليدية التي تتحدث لغة العصر، و بعد ان كان في الماضي ركيزة ثقافية، فإن مستقبله يعتمد على مواكبة العصر الرقمي مع الحفاظ على الهوية الوطنية، فما يقدمه عن الشأن المحلي لن تجده باي محطة أخرى.
الاعلامي د.عامر الصمادي
باحث متخصص بالتلفزيون والاعلام الرقمي