القيسي يكتب.. عشائر أردنية تُلغي بيوت العزاء وتستقبل المعزين في المقابر: تخفيف أعباء أم تقليد جديد؟
بقلم : حمزة القيسي
رئيس مجلس إدارة مجموعة القبة الإعلامية
تشهد الأردن مؤخراً نقاشاً واسعاً حول مسألة إقامة بيوت العزاء، حيث اختارت بعض العشائر والعائلات إلغاء بيوت العزاء واستقبال المعزين مباشرةً في المقابر. يأتي هذا التوجه كجزء من رؤية ترى أن العزاء في المقبرة يتماشى مع القيم الدينية البسيطة ويساهم في تخفيف الأعباء المالية والاجتماعية على أهل الفقيد.
تتطلب بيوت العزاء التقليدية إعدادات ضيافة كبيرة، تشمل تقديم الطعام والشراب للمعزين على مدى ثلاثة أيام، مما يفرض ضغوطاً مالية كبيرة على عائلة المتوفى، خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع تكاليف المعيشة.
يرى البعض أن إقامة بيوت العزاء لعدة أيام تعد نوعاً من البدع التي تخالف روح الدين البسيطة في تقديم العزاء. ويعتقدون أن اقتصار العزاء على المقبرة يركز على أهمية التعزية الحقيقية دون مظاهر أو تكاليف إضافية.
بعض الأسر ترى أن إقامة بيوت العزاء تفرض عليهم استقبال عدد كبير من المعزين لفترات طويلة، مما يزيد من تعبهم النفسي والجسدي خلال فترة الحزن.
أثارت هذه الخطوة ردود فعل متباينة في المجتمع الأردني. ففي حين أن بعض العائلات والعشائر بدأت بالفعل بتطبيق هذا التوجه وقبوله كجزء من ثقافتها، يعتبر البعض الآخر أن هذا الإجراء يحدّ من التضامن المجتمعي ويقلل من فرصة الأصدقاء والأقارب في تقديم الدعم والتعاطف مع أهل المتوفى بشكل لائق.
مؤيدو هذا التوجه يرون أن العزاء في المقابر يعود بالنفع على العائلات من خلال تقليل الأعباء المادية وتسهيل إجراءات العزاء، مما يسمح لهم بتركيز اهتمامهم على الحداد وتجاوز الأزمة العاطفية بعيداً عن ضغوط الضيافة والتقاليد. ويؤكد البعض أن هذه الخطوة تعيد العزاء إلى أصله كوسيلة لتقديم المواساة الحقيقية، بعيداً عن الطقوس المكلفة.
اخرون يعتقدون أن إلغاء بيوت العزاء يضعف الروابط الاجتماعية، حيث يُعتبر العزاء فرصة للتواصل بين الأقارب والأصدقاء وتجديد العلاقات الاجتماعية. ويرى هؤلاء أن العزاء ليس مجرد طقوس بل هو جزء من الترابط الأسري والدعم المجتمعي لأهل المتوفى.
هل سيتحول إلى توجه عام؟
قد تكون هذه المبادرة بداية لتحول ثقافي جديد في المملكة الاردنية الهاشمية ، حيث تتجه بعض العائلات إلى تبسيط إجراءات العزاء في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية. ورغم التحديات، قد تساهم مثل هذه المبادرات في إعادة صياغة عادات العزاء وفقاً لرؤية عصرية تُلائم احتياجات الأسر، سواءً من الناحية الدينية أو الاقتصادية.
من الواضح أن قرار إلغاء بيوت العزاء يعتمد على رؤية كل عائلة ومدى تقبل المجتمع المحلي لهذه الفكرة، إلا أنه يُثير نقاشاً أوسع حول العادات والتقاليد وإمكانية تطويرها بما يتناسب مع التغيرات الزمنية والظروف الاجتماعية المتجددة.