كيف تحايل صانعو الشوكولاتة على ارتفاع الأسعار؟
القبة نيوز - تعتبر تجارة الشوكولاتة من أكثر الصناعات الغذائية نمواً على مستوى العالم، فهذه الصناعة اللذيذة التي تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات سنوياً، تتمتع بشعبية هائلة بين أوساط المستهلكين، وهو ما حوّل الشوكولاتة إلى سلعة جذابة في عالم الأعمال والتجارة.
ولكن هذه الصناعة النابضة بالحياة، تعاني منذ عام 2023 وحتى يومنا الحالي، من تداعيات ارتفاع أسعار الكاكاو إلى مستوى قياسي غير مسبوق، حيث دمرت الأمطار الغزيرة والأمراض المسببة للعفن، المحاصيل في غرب إفريقيا، وهي المنطقة التي تمثل ثلثي محصول الكاكاو في العالم، مما أثار مخاوف بشأن إمدادات صناعة الشوكولا العالمية.
ارتفاع قياسي لأسعار الكاكاو
وبحسب بيانات شركة InterContinental Exchange لإدارة البورصات المالية، التي نقلتها بلومبرغ، فإن سعر الطن المتري للعقود الآجلة للكاكاو، ارتفع من 2500 دولار في بداية شهر يناير 2023 إلى 6000 دولار في نهاية شهر فبراير 2024، ما يعني أن كلفة حبوب الكاكاو التي تعتبر المادة الخام الأولية، المستخدمة في تصنيع الشوكولاتة، ارتفعت بأكثر من الضعف خلال 13 شهراً.
ويشعر معظم مصنعي الشوكولاتة في العالم، أن الأسوأ لا يزال مقبلاً بالنسبة لهذه الصناعة، فكابوس ارتفاع أسعار حبوب الكاكاو، لن ينتهي في أي وقت قريب، مع استمرار تعثر إنتاج الكاكاو في غرب أفريقيا، بسبب عوامل الطقس، وهذا ما دفع كبار المنتجين، إلى ابتداع حلول، تمكنهم من استيعاب التكاليف المتزايدة للمواد الخام.
التحايل على ارتفاع أسعار الكاكاو
وقد دفعت التكلفة المرتفعة للكاكاو، مصنعي الحلوى إلى الاعتماد على وصفات جديدة، تحتوي على كمية أقل من الشوكولاتة، ما يضمن لهم رفعاً محدوداً للأسعار، ومستوى معين من المبيعات، فهؤلاء يدركون أن لا أحد يحتاج إلى الشوكولاتة ليعيش، وأن كل ارتفاع في الأسعار يهدد المبيعات، ولذلك فإنه من المرجح أن يخفض المستهلكون إنفاقهم على الشوكولاتة، إذا استمر تضخم الأسعار.
وبات التحول واضحاً تماماً في سوق الشوكولاتة، فبدلاً من طرح منتجات كبيرة الحجم وغنية بالشوكولاتة، أصبحت الشركات تعمل على طرح منتجات أصغر حجماً، تحتوي على كمية أقل من الكاكاو، فمثلاً قامت شركة مارس، بتعديل هادئ على لوح شوكولاتة جالاكسي الشهير خلال العام الماضي، حيث خفضت 10 جرامات من وزن المنتج، ومثلها فعلت شركات أخرى.
ولا يقتصر خفض التكاليف على تقليص كمية الشوكولاتة، إذ يواصل المصنعون اللجوء إلى حشو منتجاتهم بالكراميل أو المكسرات أو الفاكهة، حيث قال كبير الاقتصاديين في مجال الأغذية والمشروبات في بنك CoBank، بيلي روبرتس، في حديث لبلومبيرج، إن التسويق الذي يركز على المنتجات المحشوة، أو التي تحتوي على نسبة أقل من الشوكولاتة، بات أمراً مطروحاً بالتأكيد، في حين قال، رئيس قسم الوجبات الخفيفة والتغذية في يورومونيتور إنترناشيونال، كارل كواش، إن أكثر من 40 بالمئة من ألواح الشوكولاتة المقولبة والمقطعة، التي تباع في الولايات المتحدة أصبحت مليئة بشيء آخر، مشيراً إلى أنه مع ارتفاع تكاليف الكاكاو وبحث المستهلكين عن المتعة، سنرى المزيد من هذه الابتكارات تصل إلى السوق.
3 أسباب لارتفاع أسعار منتجات الشوكولاتة
ويقول أخصائي صناعة وتسويق المواد الغذائية وليد جبارة، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الذي يحدث حالياً في سوق الشوكولاتة لم يشهده العالم من قبل، فالارتفاع الحالي في الأسعار، مرده إلى تجمّع عدة عناصر، أولها تراجع المحاصيل في البلدين المسؤولين عن إنتاج نحو 50 بالمئة من الكاكاو في العالم أي ساحل العاج وغانا، بسبب الطقس الماطر بغزارة وهو نمط طقس يلحق أضراراً بإنتاج الكاكاو، إضافة إلى ظهور مرض القرون السوداء، الذي يتسبب في تعفن حبوب الكاكاو، كاشفاً أن السبب الثاني لارتفاع أسعار الشوكولاتة في السوق، يعود إلى ارتفاع أسعار السكر، أما السبب الثالث فيعود إلى الشروط التي سيطبقها الاتحاد الأوروبي اعتباراً من نهاية هذا العام، حيث سيطلب من الشركات إثبات أن جميع أنواع الكاكاو، التي تستوردها إلى القارة العجوز لم تسهم في إزالة الغابات، فمن المعروف أن عدداً كبيراً من المزارعين في غرب أفريقيا، يقومون بإزالة الغابات لزرع أشجار الكاكاو.
حجم الاستهلاك الفردي للشوكولاتة
ويكشف جبارة أنه وفقاً لتقديرات الاتحاد الأوروبي، يصل متوسط استهلاك الشوكولاتة في العالم، إلى ما يقدر بنحو 0.9 كجم للفرد سنوياً، ولكن في حال استمرت الأسعار في الارتفاع، فالمستهلكون لن يكونوا قادرين على تحمّل التكاليف الجديدة، وهو ما سينعكس تراجعاً في حجم الاستهلاك، مع إحجامهم عن شراء الشوكولا كالسابق، لافتاً إلى أن هذا الارتفاع في الأسعار وفي حال حصل، فإنه سيؤثر سلباً على نسبة نمو حجم سوق التجزئة العالمي للشوكولاتة، الذي ارتفع من 111.23 مليار دولار في عام 2021، إلى 132.55 مليار دولار في عام 2023، بحسب بيانات شركة researchandmarkets للأبحاث.
التلاعب بالوصفات
وبحسب جبارة فإن الأسعار المرتفعة لحبوب الكاكاو، تشجع الشركات على مواصلة التلاعب بالوصفات، والتنويع خارج نطاق الشوكولاتة، وذلك أولاً من خلال تقليل حجم المنتجات، وثانياً حشوها بالبندق أو المكسرات أو الكاراميل، أو الفواكه المجففة ومن ثم غمسها جزئياً في الشوكولاتة، وثالثاً من خلال استبدال "زبدة الكاكاو"، ببدائل أرخص مثل زيت النخيل، كاشفاً أن قطعة شوكولاتة الحليب تحتوي في المتوسطة على حوالي 20 بالمئة من زبدة الكاكاو، وهذه الزبدة يتم إنتاجها من خلال طحن الحبوب الكاكاو، وبالتالي فإن استبدال "زبدة الكاكاو" يساعد المنتجين على تقديم شوكولاتة أرخص.
خيارات محدودة أمام المستهلكين
من جهتها تقول لارا شهاب، وهي مديرة متجر وخبيرة شوكولاته، إن صناعة الشوكولاتة تتعرض لضغوطات في الوقت الحالي، ورغم جميع الإجراءات التي يتخذها المنتجون، فإن المستهلكين سيكونوا أمام خيارات محدودة، هي إما دفع المزيد مقابل الشوكولاتة، أو البحث عن ألواح أصغر على أرفف المتاجر، أو شراء ألواح تحتوي على كمية أقل من الشوكولاتة، مؤكدة أن قرار تقليل حجم المنتجات، ليس قراراً سهلاً بل هو أسلوب تكتيكي لاستيعاب التكاليف المرتفعة للمواد الخام.
اتجاه أسعار الشوكولاتة في 2024
وترى شهاب أن المخاوف المحيطة بمحاصيل الكاكاو، تتفاقم مدفوعة بقلق من سوء الأحوال الجوية، في مناطق حزام الكاكاو في غرب أفريقيا، وهو ما يؤكد أن مسار أسعار الشوكولاتة في العام الحالي 2024، سيكون مساراً صعودياً، حيث يشعر المنتجون أن هذا الكابوس، لن ينتهي في أي وقت قريب، ولذلك فإنه يتعيّن على هؤلاء البحث عن مزيد من الخطوات، التي تساعدهم في عدم رفع الأسعار بشكل كبير، مشيرة إلى أن المصنعين، قد يحتاجون إلى تعديل وخفض حجم الإنفاق على التسويق، ودعم العلامة التجارية، وليس الاكتفاء فقط بتعديل الوصفات، حيث تبقى الآمال معلّقة على أن يكون الموسم المقبل للكاكاو، أفضل وهو ما ستظهر نتائجه في عام 2025.