كان ينوي تفجير مسجدٍ، فانتهى به المطاف مُسلماً.. قصة ريتشارد ماكيني
القبة نيوز _ في يوم جمعة داخل مركز "مونسي" الإسلامي بولاية إنديانا الأمريكية، توجَّه رجلٌ ضخم ذو أكتافٍ عريضة -يُدعى ريتشارد ماكيني- نحو المسجد، خافضاً رأسه ووجهه، تغمره الحمرة من شدّة الغضب.
كان المسجد في ذلك الوقت يعجّ بالناس في انتظار بدء الصلاة، لكن الرجل لم تكن نيته في ذلك الوقت الصلاة. كان ينوي زرع قنبلةٍ لقتل المسلمين، من دون أن يدري أن هذه الخطوة ستغيّر حياته إلى الأبد.
جندي البحرية الأمريكية والمهمة الأخيرة
نشأ ريتشارد ماكيني، الذي كان جندياً سابقاً في مشاة البحرية الأمريكية، على الكراهية تجاه الإسلام أثناء القتال في العراق وأفغانستان. تعمّق غضبه ذاك عندما عاد إلى منزله في مدينة مونسي الأمريكية، ليرى كيف استقرّ المسلمون فيها، حتى أنهم أرسلوا أطفالهم للجلوس بجانب ابنته في مدرستها الابتدائية.
لم يستطع ماكيني احتواء غضبه تجاه المسلمين؛ فاتجه إلى مركز مونسي الإسلامي سنة 2009 لزرع قنبلة في المسجد، على أمل قتل أو إصابة مئات المسلمين، معتبرها مهمته الأخيرة. لكنه أجرى زيارةً استكشافية قبل ذلك، لاختيار موقعٍ مناسب يخفي قنبلته فيه، ولجمع معلوماتٍ استخبارية، من شأنها أن تثبت صحّة افتراضه بأن الإسلام كان "أيديولوجية قاتلة".
في حوارٍ مع موقع CNN، يقول ماكيني: "أخبرتُ الناس أن الإسلام كان سرطاناً، وأنني كنت الجرّاح الذي يعالجه". لكنه حينما دخل المسجد، وجد شكلاً من المقاومة لم يخطط له، حدث شيء ما في ذلك اليوم غيّره بطريقةٍ لم يكن يتوقعها إطلاقاً.
كان ما حدث في المسجد دراماتيكياً للغاية، لدرجة أنه كان يبدو كما لو أنه مشهدٌ من أحد الأفلام، إذ إن التحول الذي طرأ على ماكيني هو موضوع فيلم وثائقي مشوق قصير بعنوان "غريب عند البوابة" (Stranger at the Gate).
عندما دخل ريتشارد ماكيني المسجد، حدث شيء في ذلك اليوم لم يكن يتوقعه أبداً، وكان كفيلاً بأن يغيّر طريقه. كان يريد قتلهم، فأنقذوا حياته.
تحدث ماكيني مؤخراً إلى CNN عن تحوّله غير المتوقع ذاك، بعدما خرج من بيته قاصداً المسجد، الذي اعتبر أن دخوله إليه سينتهي بقتله.
دخل المسجد مسلّحاً، لكنه -وبدلاً من سيناريو قتله، الذي رسمه في مخيلته- تقدّم عددٌ من المصلّين نحوه، ونزعوا سلاحه الذي أراد قتلهم به. ثمّ تقدّم مواطن أفغاني يُدعى محمد بهرامي، وهو أحد مؤسّسي المركز الإسلامي، فعانقه وانفجر بالبكاء.
يقول ماكيني عن تلك اللحظة: "حتى يومنا هذا، لا يزال الأمر غير منطقي بالنسبة لي".
من محاولة لقتل المسلمين إلى مُسلم
ساعد العديد من الأشخاص ماكيني في نزع الغضب والذنب المعلقين فوق كاهله، من بين هؤلاء الأشخاص "جومو ويليامز"، وهو أحد أعضاء المركز الإسلامي ذو أصول إفريقية، كان ويليام يحمل عداوة تجاه بيض البشرة، بسبب إعدامهم جدّه دون محاكمة؛ ما جعله يحمل عداوة تجاههم، إلى أن اعتنق الإسلام الذي ساعده في تغيير رأيه.
كان ويليامز واحداً من أوائل المصلين الذين لاحظوا ماكيني عندما كان يتقدم نحو المسجد ويبدو غاضباً ومضطرباً.
وحسب "تي آر تي عربي"، التقى ماكيني امرأة أطلق عليها اسم "الأم تيريزا"، من الجالية المسلمة في مونسي، وهي زوجة الأفغاني محمد بهرامي، الذي استقبل ماكيني بالعناق أول مرة.
كانت "الأم تيريزا" تعرف أيضاً الضرر الذي تُسببه الحرب، إذ نزحت عائلتها في أفغانستان عندما غزاها الاتحاد السوفييتي عام 1979، وفرّت من بلدها وعاشت ست سنوات في مخيم للاجئين في باكستان، قبل أن تتزوج وتشقّ طريقها إلى الولايات المتحدة.
استمر ماكيني في زيارة بهرامي وآخرين في المركز الإسلامي، وقرأ القرآن الكريم، وشكّل صداقات من المسلمين، تعرّف من خلالهم على الإسلام وتعاليمه.
بعد ثمانية أشهر من زيارة ماكيني الأولى للمسجد اعتنق الإسلام، في احتفال بالمركز الإسلامي، وترحيب سمّاه "حفرة كبيرة من العناق" من الأشخاص الذين كان ينوي إيذاءهم ذات مرة.
في نهاية المطاف شغل ماكيني منصب رئيس المركز الإسلامي في مونسي لمدة عامين، وأصبح داعية إلى الإسلام.
ريتشارد ماكيني ومهمته الجديدة
يقول ماكيني عن الإسلام إنه عند زيارة المسجد اكتشف أن هناك أشياء مشتركة بينهما، إذ كان يفكر أن يصبح مبشراً خلال طفولته، ويضيف أن هناك بعض القواسم المشتركة ما بين الإسلام والمسيحية.
وحسب "CNN" يقول ماكيني إن الديانات الثلاث تشترك في التوحيد، كما أن المسلمين يؤمنون بأن المسيح عيسى ابن مريم رسول من عند الله، لكنه يقول إن تسامح الأشخاص في المسجد، والمجتمع الذي يتشاركونه معه، هو ما جسّد عامل الحسم في تحوله
يوضح ماكيني: "إنهم سعداء فحسب، لقد كانوا لطفاء وحسب، وكنت في حاجة حقيقية إلى هذا في حياتي"، ويضيف أن الناس في المركز الإسلامي لو ردّوا عليه بعدوانية في أول يوم لربما كانت النتيجة وقوع مجزرة.
حالياً يحاول ماكيني أن يردّ جميل التسامح الذي مُدّ إليه، فحصل على درجة جامعية في الخدمة الاجتماعية في قسم السلام وحل النزاعات، ويجوب البلاد الآن ليتحدث عن تجاربه.