هل اصبحت الهجرة فرض واجب على ابناء هذا الإقليم
المهندس محمود "محمد خير” عبيد
القبة نيوز- بدأت الهجرة على هذه الأرض منذ فجر التاريخ حيث رحل البشر عن أوطانهم وأراضيهم لعدّة قرون ولأسباب متعدّدة مختلفة. فتنقّل الإنسان من مكان لآخر بحثًا عن الغذاء و من ثمّ تغيّرت أسباب هجرته، فأصبح يتنقّل بحثًا عن الأراضي الخصبة للزراعة ولبناء حضارات جديدة.
كذلك هاجر الأنبياء بعدما عانوا من الظلم و التعنت و البطش من قومهم. فالهجرة كتبت على الرسل و على البشر عندما تضيق عليهم الحياة اجتماعيا”, اقتصاديا”, فكريا” او سياسيا” و عندما يصبح الأنسان عبدا” لمنظومة ديكتاتورية و يصبح غير قادر على ممارسة حقه بالتعبير عن رأيه او انتقاد السلطة و ممارسات الفساد و الخيانة. فهاجر سيدنا ابراهيم عن ارضه في بابل الى بلاد الشام, كما هاجر سيدنا لوط , و هاجر سيدنا موسى من مصر إلى مدين، و هاجر سيدنا شعيب و قومه المؤمنين عن ارضهم لينجيهم الله من الصيحة التي اتت على القوم الكافرين, و كذلك ترك سيدنا يونس قومه بالعراق و النبي صالح ترك قومه و لا ننسى هجرة آل يعقوب إلى مصر الذين استوطنوها بعد ان مكن الله سيدنا يوسف في ارض مصر كذلك هجرة السيد المسيح في رحلة الهرب من الطغاة الذين حاولوا قتله من فلسطين إلى مصر و هجرة المؤمنين من مكة الى الحبشة في عهد سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم و من ثم هجرته عليه الصلاة و السلام من مكة الى يثرب.
فتاريخ الهجرات بين بقاع الأرض حافل بالأمثلة و الأسباب و المتغيرات فها نحن اليوم نجد ان الهجرة اصبحت حق واجب على كل من يستطيع و يسكن هذه البقعة الملوثة بالقمع و الديكتاتورية و الفساد و الخيانات من العالم و على كل من يسعى للأبحار الى شاطئ الأمان و الاستقرار و الحرية بعيدا” عن وطن ولد فيه و نشأ و ترعرع على ارضه لأسباب سياسية, اقتصادية, اجتماعية او فكرية و نحن من نعيش في هذا الإقليم الملوث بالتفرد في الحكم و الاستعباد للشعوب و نقبع في مستنقع الخيانات المتتالية و الضغوطات الاقتصادية, السياسية, الاجتماعية و تكميم الحريات و اصبحنا نعيش في كيان مستبد يحكم بتسلط الفرد بالقرار و الاستعلاء على الشعوب و الاستيلاء على مقدرات الأرض لصالحه و لصالح عائلته و حاشيته الذين يعيشون من خلال التعدي على حقوق و جهد الأخرين و ذلك بفرض الضرائب و الرسوم و الإتاوات تدفع تحت مسميات وطنية مخادعة كنهضة الوطن و تقديم الخدمات و حماية الوطن من خلال منظومة دفاعية تعمل لبقاء السلاطين على عروشهم و هو ما يتم تجييره لصالح الفئة الحاكمة هذا بالإضافة الى ما يتم استغلاله من مقدرات فوق الأرض و تحت الأرض لصالحهم حيث يقومون باستثمار ما يسلبوه من حقوق الشعوب في ارض اخرى غير الأرض التي يحكموها لأن ليس لديهم ثقة بإدارتهم و ليس لديهم انتماء للوطن الذي يديرونه و للشعوب التي يرعوا مصالحها و هم من أوائل من يطمحون للهجرة الى اماكن اكثر امنا” لما نهبوه من خيرات الأرض التي يديرونها و الشعوب الذين استولوا على تعبهم و رزقهم من البلاد التي يحكموها ليقينهم و ايمانهم المطلق انهم اسوا و افسد من جاء لأداره هذه الأوطان, فها هي الأرض, الشعوب و الأوطان التي يحكموها تعاني من ضنك العيش و هم يعيشون و عائلاتهم و حاشيتهم في القصور و يتمتعون بالخيرات التي نهبت و استولوا عليها و اوطانهم تفتقد لمقومات الأمان السياسي, الاقتصادي و الاجتماعي و ما يهمهم تامين مستقبلهم و مستقبل ابنائهم في دول اسيادهم الذين استخدموهم لنهب خيرات هذه الأرض و تقسيمها شعوبا” و قبائل على حساب بؤس من يعيشون في هذا الإقليم.
إضافة الى ذلك علينا ان لا ننسى ان هذا الإقليم المشتعل بالنزاعات و الاقتتال من اجل شرذمة الأقطار يجعل من الهرب والبحث عن الأمن والأمان دافعا” للهجرة و هو من اهم أسباب الهجرة عبر الزمان. حيث يضطرّ الكثير من الهرب والهجرة إلى الخارج بحثًا عن حياة أكثر أمنًا و هو ما يسعى اليه الكثير من ابناء اقليمنا, اضافة الى الفقر الذي يعتبر أحد الأسباب المهمّة للهجرة. عندما تقدم الدول المتقدمة و التي تحترم الأنسان علما” و فكرا” مميزات وحوافز لجذب الكفاءات الغير مقدرة في اوطانها و التي تعري جهل حكامها لتقدرهم و تجعلهم يبدعوا على ارضها من خلال تقديم كافة التسهيلات التي تضمن لهم اجواء بحثية نموذجية و مقومات حياة كريمة تحترم انسانيتهم في المقام الأول و من ثم تحترم علمهم و فكرهم و تقدم لهم كافة سبل الحياة الأمنة الكريمة, وهناك الكثير يهاجر سعيا” للحصول على مستوى معيشي أفضل ليس ماديا” فقط و لكن الكثير يطمح للحصول على تعليم افضل و امان و خدمات صحية متقدمة و تقدير معنوي, و هنا علينا ان لا نسقط من يهاجر سعيا” للوصول الى بلدان تؤمن بالأنسان لإنسانيته بعيدا” عن عرقه, طائفته, عقيدته و هربا” من الاضطهاد القبلي, الطائفي و العقائدي بحيث يهاجرون الى بلدان أكثر تسامحًا و تقبلا”.
فها نحن نجد اليوم ان من أبرز الأسباب التي تدفع إلى الهجرة في هذه البقعة السوداء من العالم بفساد سلطاتها هو الوضع الاقتصادي والفساد و الخيانات المتعاقبة كمن يقول لهذه الشعوب ها نحن نقوم بالتضييق عليكم من اجل افراغ الأرض من اهلها فهناك دول هجر اهلها من خلال احتلال غاشم و هناك دول هجر اهلها نتيجة حروب اهلية و هناك دول هجر اهلها نتيجة حروب متلاحقة عليها من اجل تسليمها لدول مجاورة لها و هناك من يضغطون اقتصاديا” عليها من اجل دفع شعبها للهجرة من خلال توجيه سلطات فاسدة تقوم بالأستيلاء على مقدرات الدولة و توجيهها الى حسابات خارجية و تدفع أبنائها للهجرة بشكل غير مباشر و تفريغ الأرض من أبنائها الأصليين.
ورغم أنه لا يوجد تعريف متفق عليه قانونًا للهجرة و لكن تعرف الأمم المتحدة المهاجر على أنه "شخص أقام في دولة أجنبية لأكثر من سنة بغض النظر عن الأسباب سواء كانت طوعية أو كرهية، وبغض النظر عن الوسيلة المستخدمة للهجرة سواء كانت نظامية أو غير نظامية”.
ان الله اوجدنا على هذه الأرض من اجل اعمارها و لم يحدد لنا حدودا” جغرافية نعيش عليها, فتقسيم الأرض و ايجاد حدود جاء تلبية لرغبة السياسيين و الطامعين بالسلطة بحيث تم تقسيم الأرض قبائل و اعراق من اجل فرض اطماع بعض القوى على هذه الأرض التي هي ملك لله و التي اورثها لعباده (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) لكل البشر منذ سيدنا ادم لم يخص احد باي جزء منها فالأرض من شمالها لجنوبها و من شرقها لغربها هي ملك للبشر اجمع دون حدود او تقسيمات او قوميات عرقية او دينية او جوازات سفر فلم يختص الله او يفضل احد على احد باي بقعة منها و ما هذه الحدود الا حدود وهمية وضعها السياسيين و اقنعونا بانها تمثل قوميتنا و انتماءاتنا على حساب انسانيتنا من اجل استعباد الناس و استغلالهم فهم اباطرة تجارة الرق الذين يدعون انهم يحاربوه فهل كانت هناك حدود و تقسيمات عندما اوجد الله الأرض و من عليها و اورثها لسيد البشر ادم .
لذا في ضوء ما تمر به هذه البقعة من الأرض من اخفاقات و مهاترات و تجاوزات لحقوق الأنسان و استعباد مباشر و غير مباشر لصالح رعاة هذه الرقعة من الأرض الذين اوجدهم القدر على هذه البقعة و التي أصبحت بخياناتهم و كفرهم بما امر الله به من اجل إدارة شؤون البشر و التي تطفوا على مستنقع الفساد و الاستعباد للبشر بتحصن السلاطين خلف مسميات مختلفة و حفظا” لحريتنا الإنسانية و ثقافتنا و فكرنا اصبح من الواجب على من يستطيع الهجرة ان يهاجر الى حيث يمكنه ان يعيش انسانيته في المقام الأول و حريته من خلال امان اقتصادي و سياسي و فكري و تعليمي و صحي بعيدا” عن ديكتاتورية السياسيين الذين يعتقدون ان بوجودهم بالسلطة اصبحت الأرض و من عليها مشاع لهم و لسلطانهم الزائل علينا ان نعمل ان نترك لهم الأرض يعيثوا بها فسادا” كما يريدون هم و زبانيتهم و لنرى من سوف يقوم بدفع الضرائب و الرسوم و الأتاوات لهم فنحن من سمحنا لهم استعبادنا و استغلالنا بسكوتنا على حقوقنا الإنسانية.
لقد هاجر العديد من أبناء هذا الأقليم على مدى العقود السبعة الماضية بأعداد كبيرة إلى المنفى السياسي, الأقتصادي, الأجتماعي و الفكري – الطوعي أحياناً، والقسري أحياناً أخرى بسبب الضغوطات السياسية, الأقتصادية, الأجتماعية , الفكرية و الثقافية. وقد وصل الكثير منهم الى بلاد المهجر حاملين معهم آثار الصدمات النفسية التي تعرّضوا في بلدانهم بسبب الإخفاقات الاقتصادية, الفكرية, العلمية او قمع الحريات و عدم القدرة عن التعبير عن ارائهم بحرية، وقد يواجه الكثير ممن هاجروا صعوبات في الحصول على إقامة قانونية او وظيفة ما في بداية الأمر.
كما عانى الكثير منهم من استقطاب أنظمة اوطانهم الاجتماعية والسياسية العميقة في دول المهجر، بحيث لم يتمكنوا في بداية الأمر من منح ثقتهم لأي فئة لأن الخلل النفسي و السياسي و الأجتماعي الذي تأصل في نفوسهم اصبح عائق في البداية للاندماج في المجتمعات الجديدة.
يواجه المهاجرون عادة خيارات مؤلمة بحيث هل سيتخلون عن أحلامهم بالعودة الى حضن اوطانهم و هل سيتمكنون من ان يحصلوا على وطنٍ ينعم أبناؤه بحرية و ديمقراطية حقيقية و حكام مخلصين للأرض و الوطن و الشعب, صادقين غير منافقين و لا يتخفون خلف شعارات كاذبة ام سيعملون على بناء حياتهم و حياة أبنائهم بصورة دائمة في المهجر, هل سيحافظون على التزامهم و انتمائهم لأوطانهم ام سوف تصبح بلاد المهجر هي بوصلتهم. هل سينجحون في تقديم رؤية بديلة لأوطانهم. كل ما هو واضح امامنا اليوم و في ضوء المعطيات السوداوية التي يمر بها هذا الإقليم على مدى مائة عام و منذ ان تولى الحكم صبية الاستعمار الذين قسموا الأوطان و منحوا كل غلام من غلمانهم قطعة من الأرض ليحكموها و يتحكموا بأبنائها و مواردها و يكونوا بمثابة المندوب السامي عن حثالة الاستعماريين. فهل سوف نشهد من جديد ضوء الحرية و الكرامة و الأمان من جديد على هذه البقعة ام هو حلم و سنظل نعيش كابوس الفساد و الخيانة و الاستعباد و العيش في كذبة الخطابات و الشعارات المزورة من اشخاص لا يستطيعون ان يحكموا أبناء بيتهم الا بتوجيهات اسيادهم فلنستيقظ من الكذبة التي نعيشها.