خطط البحث العلمي في الكليات: الضرورات والإجراءات
الدكتور عدنان الجادري
القبة نيوز-يمثلُّ البحث العلمي ركناً أساسياً من أركان النَّهضة التَّنمويَّة التي تتطلعُ إليه الدُّول بغض النَّظرِ عن مستوى تقدُّمها سواء أكانت ناميةً أم متقدمةً، وذلك إيماناً من ذوي الخبرة والسياسة والعلم ألاَّ سبيلَ لتحقيق التَّنمية الشَّاملة التي يُراد تحقيقها إلا من خلالِ الاهتمامِ بالبحثِ العلمي الموجه والهادف الذي يخدمُ قضايا الأمة والذي يبدأ بشكلٍ أساسي من الجامعة؛ لأنَّها تمتلكُ مقوماتِ النَّهضةِ أكثر بكثير ممَّا تملكه أي مؤسسة من مؤسسات المجتمع، حيثُ تتركَّزُ فيها صفوة العقول والكفاءَات، وتتوفر فيها الخبرة والقدرة على الإبداع. وإيماناً بهذه الحقيقة فإنَّ الارتقاء بالبحث العلمي ووضعه وفقَ أُسسٍ علميَّةٍ رصينةٍ يتطلبُ إرساء خطَّة واضحة وواقعيَّة له لتحقيق رؤى ورسالة الكليات والجامعات. ويكون الهدف الرَّئيسي من الخطة تدعيم البحث العلمي، ونقل الخبرات البحثيَّة المتميزة لأعضاء هيئة التَّدريس، ومناقشة القضايا البحثيَّة المهمة.
والمقصود بالخطة البحثيَّة بأنها الإطار المُنظّم لأنشطةِ البحث العلمي، والتي تتضمن: النقاط البحثيَّة، والنَّشاطات المختلفة المتصلة بها، وزمن التنفيذ، ومدَّته والمخرجات ومؤشرات النَّجاح وتكاليف التَّنفيذ. ويشمل هذا الإطار أيضاً الأهداف المطلوب تحقيقها خلال فترةٍ زمنيَّةٍ معيَّنَةٍ وسياسة الكلية؛ لتحقيق تلك الأهداف من خلال تحديد الموضوعات المطلوب تغطيتها، وتحديد الجهات التي يُمكن التَّعاون معها، بالإضافة إلى مصادر التَّمويل اللَّازمة لإجراء تلك البحوث.
ومن الضَّروري أن تُراعي الخطة البحثيَّة الهَادفة- للقسم والكلية والجامعة- الاعتبارات الآتية:
- أن تسترشدَ بخطط وتوجهات واحتياجات الدَّولة التَّنمويَّة ببعديها الاقتصادي والاجتماعي.
-أن تؤسس صيغاً من التعاون والتنسيق والعمل مع المؤسسات الرَّسميَّة وغير الرسمية المعنية بالتَّنمية.
- أن تُمثل منهجاً إجرائياً وتنظيمياً للنشاطات والفعاليات البحثية للأقسام والكليات بشكل مدروس ومخطط له.
-أن تؤسسَ لعلاقة متفاعلة ومتبادلة بين تخصصات وأقسام الجامعة، وتُنمي ثقافةَ العمل في إطار الفرق البحثيَّة.
-أن تُساعدَ في صياغة أُطر عامة وتفصيليَّة لأولويات البحث العلمي في القسم والكلية؛ لتجسيد دور الجامعة في معالجة مشكلات مؤسسات الدَّولة والمجتمع.
-أن توظيف البحث العلمي لتلبيةِ متطلباتِ واحتياجاتِ سوق العمل من معارف وخبرات ذات صلة بنشاطاته المُختلفة.
- ضرورة تضمين الخطط البحثية آليات التطبيق والإجراءات المطلوبة؛ لمتابعة تنفيذها مع توفير المرونة الكافية لاقتراح التعديلات اللازمة وفقاً لما تقتضيه الحاجة.
- أن تتضمن الخطط البحثية خططاً إجرائيَّة تتناول تفاصيل التنفيذ من مستلزمات مالية وإدارية وفنية، والاحتياجات للتمويل داخلياً ومن مصادر خارجية.
ولكن، بالرغم من مرور سنوات طويلة على تأسيس جامعاتنا العربية التي يُشكل فيها البحث العلمي لأعضاء هيئة التَّدريس وطلبة الدراسات العليا مرتكزاً أساسياً لتحقيق الهدف الثاني من أهداف الجامعة، بعد تزويد المعرفة والتعليم، وأنَّه الأداة الرَّئيسة لإنتاج وتطوير المعرفة، إلا أنَّ البحث العلمي وممارساته لا زال يفتقرُ إلى وضوح الاستراتيجيات والخطط العلمية الهادفة والواضحة والقابلة للتَّنفيذ على مستوى كليات الجامعة، ومن ثم ضعف العلاقة بين ما تريده الدولة أو تنهض به مؤسساتها العاملة وبين ما تقوم به الجامعة من بحوث لها أغراضها الخاصة بها التي لا تلتقي بالضَّرورة مع أهداف التَّنمية وحاجات المجتمع. وبات يمثل البحث العلمي في كثير من مجالاته، وللأسف الشديد، نشاطاً ليس له أبعادٌ وآثارٌ اقتصاديَّة واجتماعيَّة على المجتمع، وذلك لأنَّ معظم البحوث التي ينتجها أعضاء هيئات التدريس هي بحوث تلبي أغراضهم الشخصية للحصول على الترقيات العلميَّة ولأغراض أخرى.
وعليه انطلاقاً من الأهمية التي توليها جامعاتنا للبحث العلمي وما تقدمه من دعم مادي ومعنوي للمشروعات البحثية التي يقدمها أعضاء هيئة التدريس واسترشاداً برؤيتها ورسالتها وأهدافها ولغرض إرساء معالم نهضتها ومستقبلها الأكاديمي وتحديد موقعها على خارطة الجامعات العالمية، أرتئي، كوني متخصصاً، إعادة تنظيم وتخطيط البحث العلمي في كليات الجامعات وفقَ أسسٍ وتعليمات ناظمة، وعدم ترك عملية إجراء البحوث انطلاقاً من رغبات شخصيَّة بشكل مطلق، وبعيداً عن رؤية وأهداف الجامعة ومتطلبات المجتمع. وعليه ينبغي أن تكون هناك خطةٌ سنويَّةٌ للبحث العلمي في كل قسم علمي ولكل كليَّة من كليات الجامعة، وهذه الخطة يتم إعدادها في بداية العام الدراسي وفقً آليةٍ محددةٍ على النحو الآتي:
يقدم كل عضو هيئة تدريس مخططات مشاريع البحوث التي يرغب بتنفيذها إلى القسم العلمي لمناقشها من خلال عقدِ حلقاتٍ دراسيَّةٍ؛ لغرض اتخاذ القرارات بصددها، من حيث القبول أو الرفض، وفق معايير محددة تضعها الكلية بالتعاون مع عمادات البحث العلمي، وفي حالة قبول القسم العلمي لموضوع مشروع البحث حينئذِ يصبح مؤهلاً لاعتماده في خطة القسم البحثية، ويحدد له مقدار الدعم المادي الذي يمكن أنْ يُقدَّم له من خلال ميزانيَّة البحث العلمي في الجامعة، ومن ثم يُطلب من عضو هيئة التَّدريس للسير بإجراءات التَّنفيذ وكل ما يتطلبه من دعم وتسهيلات إداريَّة وماليَّة وفنية من قبل القسم العلمي والكلية، وتحفظ هذه الخطط للمشاريع البحثية المعتمدة لأعضاء هيئة التدريس في الأقسام العلمية والكلية. وعندما يقدم عضو هيئة التدريس للترقية العلمية يجب أن تكون بحوثة مدونة ضمن الخطط البحثية السنوية للأقسام العلمية وعدم قبول أي بحث علمي لغرض الترقية غير مضمن في هذه الخطط البحثية.
إنَّ هذا الإجراء سيجعل من التَّرقيات العلميَّة أكثر رصانة وبعيدة عن السلوكيات غير الأكاديميَّة لبعض الباحثين، وما تجرى من اتفاقات جانبية غير سليمة بين أعضاء هيئة التدريس في تبادل وضع الأسماء على البحوث التي يجرونها من دون مشاركة فعلية في إعدادها وتنفيذها. إضافة إلى إمكانية الاستفادة من الميزانيَّة السَّنويَّة المخصصة للبحث العلمي بشكلٍ كامل، لأغراض إنجاز البحوث العلمية وحضور المؤتمرات العلميَّة والنشر العلمي. ويجدر الإشارة إلى أن هذا المقترح لا يقيد عضو هيئة التدريس من القيام بأية نشاطات بحثية خارج إطار خطة البحث العلمي المقرة في الكلية.
وأخيراً أتمنى أن يحظى مقترحي هذا قبولاً من الجامعات لتجسيد دورها في خدمة المجتمع والصالح العام.
والله من وراء القصد،
خبرني