هل تسير أمريكا نحو المجهول؟
داود عمر داود
القبة نيوز- يقول المثل (الحرب أولها كلام)، فها هو الانقسام السياسي الحاد، في الولايات المتحدة الأمريكية، يقود الرئيس الجمهوري دونالد ترامب إلى إطلاق حملة جديدة شعارها (حرروا الولايات الديمقراطية)، وهي عبارة في منتهى الخطورة، ستكون عنوان المرحلة القادمة، ونقطة تحول، في مسيرة النظام السياسي الأمريكي، بل على الأرجح نقطة بداية، لما هو آت، وشرارة تقود البلاد نحو المجهول، خاصة أن مؤيدي ترامب بدأوا بالتظاهر، أمام منازل حكام بعض الولايات، وبعضهم شاهراً سلاحه.
حياة الناس أم الإقتصاد؟
سبق هذا مرحلة الخلافات الشديدة، بين ترامب وحكام الولايات، حول كيفية التصرف حيال تفشي وباء كورونا، فكانت القضية المطروحة: أيهما أفضل إتباع سياسة الحجر المنزلي، لوقف انتشار المرض، والحفاظ على حياة الناس، وتقليل الوفيات، أم تشغيل عجلة الإقتصاد، خدمة لمصالح الشركات الكبرى، مهما كانت نتائج انتشار الفيروس. وقف الرئيس ترامب إلى جانب فكرة إعادة تشغيل الاقتصاد، فيما وقف حكام الولايات إلى جانب فكرة إعطاء الأولوية للحجر الصحي، بغض النظر عن نتائج ذلك على الوضع الإقتصادي.
وصل الحد، خلال الأسابيع الأخيرة، لدرجة التراشق الإعلامي اليومي بين ترامب وتجمع حكام الولايات، يقودهم حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو، الذي يعبر عن رأي نظرائه. واشتد الحوار سخونة، في الأيام الماضية، حين أدلى ترامب بتصريحه الشهير أنه هو (الآمّر الناهي: I call the shot)، وان على الجميع أن ينصاعوا للأوامر. فقام حاكم حاكم نيويورك بتذكير ترامب بأبجديات النظام السياسي الأمريكي، وأن هناك دستوراً وقوانين في البلاد، تقيد صلاحيات الرئيس، من أن يكون حاكماً مطلقاً مستبداً، يأمر فيُطاع.
مظاهرات مسلحة ومخاوف من العنف
وما هي إلا ساعات حتى قام ترامب بتصعيد الموقف، إلى درجة الغليان، عندما طلب من مؤيديه أن يقوموا بـ (تحرير) الولايات التي ينتمي حكامها إلى الحزب الديمقراطي، وغرد قائلاً لمؤيديه، بأحرف كبيرة بارزة: (حرروا مينيسوتا!)، (حرروا ميشيغان)، (حرروا فرجينيا)، وكأن هذه الولايات أراضى أمريكية تحتلها قوى أجنبية!!. وجاء تصريح ترامب متزامناً مع مظاهرات في هذه الولايات، التي طلب حكامها الديمقراطيون من مواطنيهم الالتزام بالحجر الصحي في منازلهم. لكن المتظاهرين خرقوا تعليمات الحجر المنزلي، ونزلوا إلى الشوارع، داعين الحكام إلى فتح الإقتصاد.
ففي ولاية مينيسوتا، احتشد المئات، يوم الجمعة، حاملين شعار (حرروا مينيسوتا)، أمام منزل حاكم الولاية الديمقراطي تيم وولز. وفي ولاية ميتشيغان، تجمع نحو ثلاثة الاف متظاهر، بعضهم كان مسلحا، للتنديد بالحاكمة الديمقراطية غريتشن ويتمان، وحمل بعضهم لافتات مؤيدة لترامب.
الإندفاع نحو إمتلاك السلاح
وعلى الفور عبّر حكام ديمقراطيون عن مخاوفهم من أن تؤدي تصريحات ترامب إلى (أعمال خطرة وغير قانونية). وقال الديمقراطي جاي إنسلي، حاكم ولاية واشنطن، ان دعوة ترامب إلى (تحرير ولايات) قد تؤدي (إلى أعمال عنف). وقد سبق هذه التطورات المتسارعة توجه الناس نحو شراء السلاح، الذي ينتشر عادة بين قطاعات كبيرة من الأمريكيين. وقد لاقت تجارة السلاح، مؤخراً، رواجاً عجيباً، إذ اندفع الناس لإقتناء الأسلحة، بوتيرة عالية، حتى أفرغوا الأرفف أصبحت فارغة، من الأسلحة ومن الذخيرة، وطلب أصحاب المحلات من الزبائن الانتظار عدة أيام حتى يتمكنوا من تلبية طلباتهم.
الحرب الأهلية الأمريكية
الخلافات الحزبية الحادة، مثل خلافات اليوم، وتضارب المصالح الاقتصادية حول تجارة الرق، هي من الأسباب التي أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية، قبل حوالي 160 عاماً، بين الشمال وبين الجنوب، حيث بدأت الحرب، في شهر نيسان ابريل عام 1861، حين أعلنت 11 ولاية جنوبية انفصالها عن الأتحاد. استمرت الحرب 4 سنوات، لغاية 1865، قُتل فيها ثلاثة أرباع المليون جندي، ودُمرت البنى التحتية في ولايات الجنوب. وكانت نتائجها تحرير أربعة ملايين من العبيد، ومنحهم حقوقهم المدنية.
ألأسباب اقتصادية .... مثل اليوم
يرجع إندلاع الحرب الأهلية الأمريكية إلى أسباب اقتصادية، تماما مثل اليوم. ففي عام 1860، عندما قاد المرشح الجمهوري للرئاسة من الشمال، (إبراهام لينكولن)، حملة لإلغاء العبودية، التي كانت أصلاً ممنوعة في ولايات الشمال، فإعتبرت ولايات الجنوب ذلك ضربة كبرى لاقتصادها، الذي يعتمد على زراعة القطن، وعلى العبيد كعمال. واستنكر تجار الرق الجنوبيون استراتيجية لينكولن، وقالوا ان تحرير العبيد سيدمر اقتصادهم، نظراً لضخامة رأس المال المستثمر في تلك التجارة. إضافة إلى سبب ديمغرافي مهم، إذ كانوا يخشون أن يصبح السود هم الأغلبية، في ولايات الجنوب. فأعلنت ولاية الجنوب إنفصالها، حال فوز لينكولن بالرئاسة، ولم تنتظر تنصيبه، وهي التي كان يشكل العبيد نصف سكانها.
الخلاصة:
يتضح أن أسباب الحرب الأهلية الأمريكية، قبل أكثر من قرن ونصف، كانت اقتصادية مادية، مثلما أن الخلافات التي تعصف بالبلاد حالياً هي أسباب اقتصادية مادية. فالرئيس الحالي يريد أن يستعجل إعادة الحياة إلى عجلة الإقتصاد، بأي ثمن، فيما معارضوه من حكام الولايات، يريدون أن ينقذوا حياة من يمكنهم انقاذهم من الوباء، بأي ثمن. وقد وصل الطرفان الان إلى طريق مسدود تماماً، وكأن حملة تكسير العظام قد بدأت، في حملة تظاهرات، أمام منازل حكام الولايات، بعض من شاركوا فيها كانوا مسلحين. فتحولت المسألة إذن إلى صراع إرادات، كل طرف يتشبت بموقفه، ولا يبدو في الأُفق أي أمل في فض هذا النزاع، بطرق سياسية، خاصة في غياب مؤسسة الكونغرس بمجلسيه، التي يبدو أن ترامب قد تجاوزها، وإنطلق نحو تحقيق هدفه، وهو التشبت للأبد بكرسي الرئاسة، وكأنه إمبراطور متوج.
حياة الناس أم الإقتصاد؟
سبق هذا مرحلة الخلافات الشديدة، بين ترامب وحكام الولايات، حول كيفية التصرف حيال تفشي وباء كورونا، فكانت القضية المطروحة: أيهما أفضل إتباع سياسة الحجر المنزلي، لوقف انتشار المرض، والحفاظ على حياة الناس، وتقليل الوفيات، أم تشغيل عجلة الإقتصاد، خدمة لمصالح الشركات الكبرى، مهما كانت نتائج انتشار الفيروس. وقف الرئيس ترامب إلى جانب فكرة إعادة تشغيل الاقتصاد، فيما وقف حكام الولايات إلى جانب فكرة إعطاء الأولوية للحجر الصحي، بغض النظر عن نتائج ذلك على الوضع الإقتصادي.
وصل الحد، خلال الأسابيع الأخيرة، لدرجة التراشق الإعلامي اليومي بين ترامب وتجمع حكام الولايات، يقودهم حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو، الذي يعبر عن رأي نظرائه. واشتد الحوار سخونة، في الأيام الماضية، حين أدلى ترامب بتصريحه الشهير أنه هو (الآمّر الناهي: I call the shot)، وان على الجميع أن ينصاعوا للأوامر. فقام حاكم حاكم نيويورك بتذكير ترامب بأبجديات النظام السياسي الأمريكي، وأن هناك دستوراً وقوانين في البلاد، تقيد صلاحيات الرئيس، من أن يكون حاكماً مطلقاً مستبداً، يأمر فيُطاع.
مظاهرات مسلحة ومخاوف من العنف
وما هي إلا ساعات حتى قام ترامب بتصعيد الموقف، إلى درجة الغليان، عندما طلب من مؤيديه أن يقوموا بـ (تحرير) الولايات التي ينتمي حكامها إلى الحزب الديمقراطي، وغرد قائلاً لمؤيديه، بأحرف كبيرة بارزة: (حرروا مينيسوتا!)، (حرروا ميشيغان)، (حرروا فرجينيا)، وكأن هذه الولايات أراضى أمريكية تحتلها قوى أجنبية!!. وجاء تصريح ترامب متزامناً مع مظاهرات في هذه الولايات، التي طلب حكامها الديمقراطيون من مواطنيهم الالتزام بالحجر الصحي في منازلهم. لكن المتظاهرين خرقوا تعليمات الحجر المنزلي، ونزلوا إلى الشوارع، داعين الحكام إلى فتح الإقتصاد.
ففي ولاية مينيسوتا، احتشد المئات، يوم الجمعة، حاملين شعار (حرروا مينيسوتا)، أمام منزل حاكم الولاية الديمقراطي تيم وولز. وفي ولاية ميتشيغان، تجمع نحو ثلاثة الاف متظاهر، بعضهم كان مسلحا، للتنديد بالحاكمة الديمقراطية غريتشن ويتمان، وحمل بعضهم لافتات مؤيدة لترامب.
الإندفاع نحو إمتلاك السلاح
وعلى الفور عبّر حكام ديمقراطيون عن مخاوفهم من أن تؤدي تصريحات ترامب إلى (أعمال خطرة وغير قانونية). وقال الديمقراطي جاي إنسلي، حاكم ولاية واشنطن، ان دعوة ترامب إلى (تحرير ولايات) قد تؤدي (إلى أعمال عنف). وقد سبق هذه التطورات المتسارعة توجه الناس نحو شراء السلاح، الذي ينتشر عادة بين قطاعات كبيرة من الأمريكيين. وقد لاقت تجارة السلاح، مؤخراً، رواجاً عجيباً، إذ اندفع الناس لإقتناء الأسلحة، بوتيرة عالية، حتى أفرغوا الأرفف أصبحت فارغة، من الأسلحة ومن الذخيرة، وطلب أصحاب المحلات من الزبائن الانتظار عدة أيام حتى يتمكنوا من تلبية طلباتهم.
الحرب الأهلية الأمريكية
الخلافات الحزبية الحادة، مثل خلافات اليوم، وتضارب المصالح الاقتصادية حول تجارة الرق، هي من الأسباب التي أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية، قبل حوالي 160 عاماً، بين الشمال وبين الجنوب، حيث بدأت الحرب، في شهر نيسان ابريل عام 1861، حين أعلنت 11 ولاية جنوبية انفصالها عن الأتحاد. استمرت الحرب 4 سنوات، لغاية 1865، قُتل فيها ثلاثة أرباع المليون جندي، ودُمرت البنى التحتية في ولايات الجنوب. وكانت نتائجها تحرير أربعة ملايين من العبيد، ومنحهم حقوقهم المدنية.
ألأسباب اقتصادية .... مثل اليوم
يرجع إندلاع الحرب الأهلية الأمريكية إلى أسباب اقتصادية، تماما مثل اليوم. ففي عام 1860، عندما قاد المرشح الجمهوري للرئاسة من الشمال، (إبراهام لينكولن)، حملة لإلغاء العبودية، التي كانت أصلاً ممنوعة في ولايات الشمال، فإعتبرت ولايات الجنوب ذلك ضربة كبرى لاقتصادها، الذي يعتمد على زراعة القطن، وعلى العبيد كعمال. واستنكر تجار الرق الجنوبيون استراتيجية لينكولن، وقالوا ان تحرير العبيد سيدمر اقتصادهم، نظراً لضخامة رأس المال المستثمر في تلك التجارة. إضافة إلى سبب ديمغرافي مهم، إذ كانوا يخشون أن يصبح السود هم الأغلبية، في ولايات الجنوب. فأعلنت ولاية الجنوب إنفصالها، حال فوز لينكولن بالرئاسة، ولم تنتظر تنصيبه، وهي التي كان يشكل العبيد نصف سكانها.
الخلاصة:
يتضح أن أسباب الحرب الأهلية الأمريكية، قبل أكثر من قرن ونصف، كانت اقتصادية مادية، مثلما أن الخلافات التي تعصف بالبلاد حالياً هي أسباب اقتصادية مادية. فالرئيس الحالي يريد أن يستعجل إعادة الحياة إلى عجلة الإقتصاد، بأي ثمن، فيما معارضوه من حكام الولايات، يريدون أن ينقذوا حياة من يمكنهم انقاذهم من الوباء، بأي ثمن. وقد وصل الطرفان الان إلى طريق مسدود تماماً، وكأن حملة تكسير العظام قد بدأت، في حملة تظاهرات، أمام منازل حكام الولايات، بعض من شاركوا فيها كانوا مسلحين. فتحولت المسألة إذن إلى صراع إرادات، كل طرف يتشبت بموقفه، ولا يبدو في الأُفق أي أمل في فض هذا النزاع، بطرق سياسية، خاصة في غياب مؤسسة الكونغرس بمجلسيه، التي يبدو أن ترامب قد تجاوزها، وإنطلق نحو تحقيق هدفه، وهو التشبت للأبد بكرسي الرئاسة، وكأنه إمبراطور متوج.