إعادة الاعتبار للقطاع العام
أ.د أحمد طه العجلوني
القبة نيوز-تبنت الدولة الأردنية التوجه العالمي نحو إتاحة الفرصة للقطاع الخاص للعب دور اقتصادي أكبر، وبدأت بالانسحاب تدريجيا من النشاط الاقتصادي لصالح القطاع الخاص تماشياً مع "الموضة" التي اجتاحت دول العالم وأخذت مداها ابتداءً من تسعينيات القرن الماضي. وساقت لذلك حججاً مثل ترشيق القطاع العام ومحاربة الترهل الإداري والبيروقراطية والفساد، لتحقيق فعالية أكبر في إدارة الموارد الاقتصادية، ولكي تتفرغ الحكومات للقضايا السيادية والأساسية كالأمن والدفاع والقضاء.
لقد أطعمت الحكومات المتعاقبة حصان القطاع الخاص وأتخمته دلالاً على الرغم من التكلفة الاجتماعية لذلك من بطالة وسحق للطبقة المتوسطة، على أمل تحقيق النمو الاقتصادي والرفاه. ولولا الله ثم المخلصين من أبناء البلد لركب التعليم والصحة بالكامل في قطار الخصخصة. وفي ذات الوقت أهملت تلك الحكومات القطاع العام وزرعت فيه حشائش "المؤسسات المستقلة" الضارّة، حتى برزت عظامه ورق جلده. هذا كله –بالإضافة لعوامل أخرى- أدى إلى غياب معالم هوية اقتصادية محددة للحكومات المختلفة وأضاع بوصلتها.
ولمّا حانت غارة الكورونا خذل القطاع الخاص الوطن بشكل واضح وبدا تقصيره، وانحازت المؤسسات الاقتصادية الكبرى بمجملها إلى أنانيتها ودفنت رؤوسها في رمال البخل، وباتت مصطلحات براقة تستخدمها تلك الشركات مثل "المسؤولية الاجتماعية للشركات" مجرد كلام فارغ! كما كشفت الأزمة بأن الحكومة خذلت نفسها مرة أخرى باعتمادها على القطاع العام المثقل بمختلف الأمراض الإدارية من ترهل وفساد وغيرها. وبالتالي فإنها لم تنل بلح القطاع الخاص ولا عنب القطاع العام.
من المؤكد بأني لست ضد دور القطاع الخاص وأهميته لأي اقتصاد، وهناك الكثير من تجارب لدول نجحت في تحقيق التوازن من خلال الاستفادة من رشاقة القطاع الخاص وحرية السوق في نفس الوقت الذي لم تحرق فيه سفنها مع القطاع العام كما تم في الأردن.
على الرغم من قساوة الأزمات والمحن، إلا أنها تجلي الصدأ وتزيل الغبار وتظهر معادن الناس على حقيقتها بدون "مكياج"...... فكما أنها أظهرت (لا بل أزهرت) صوراً رائعة مشرقة للكادحين البسطاء النبلاء من أبناء السلك العسكري والقوى الأمنية والمعلّمين والكوادر الطبية وغيرهم من الأمثلة التي تابعنا تضحياتها الجسام خلال الأيام الماضية، فقد أظهرت أيضاً حقيقة القطط السمان من أصحاب "اللغاليغ" الذين امتصوا دم البلد بما حل وما حرم مما أتاحته لهم مبادرات دعم القطاع الخاص وتدليله على حساب البلد وأهله، لا بل على حساب سيادته أيضاً في بعض الحالات.
إن مقارنة رقمية لا نتجنى فيها على أحد لمساهمة النقابة الفقيرة الفتية نقابة المعلمين مع ما ساهم به أكبر المؤسسات المالية وغيرها دون ذكر أسماء تجلّي الصورة وتبيّن معادن الناس. لا بل إن واحداً من أبرز الرأسماليين كان صريحاً وواضحاُ بأن "الاقتصاد" و "الاستثمار" يتقدمان على الإنسان وحياته!! ضارباً بعرض الحائط أسمى القيم الإنسانية وشعاراً نتشرف به في هذا البلد "الإنسان أغلى ما نملك". إن الابتذال في الاستهانة بحياة البشر واعتبارهم مجرد أرقام مقابل الاستثمار - وهو أمر لا نجد له مثيلاً في العالم في ظل تبرع العديد من رؤوس الأموال في العالم لمؤسسات دولهم- تمثل ترجمة حرفية للرأسمالية المتوحشة التي تحط من قيمة الإنسان لصالح أصحاب المصالح وتضخيم رؤوس أموالهم، وليس لصالح الاقتصاد الذي يهدف إلى تحقيق الرفاه لكل الناس. فضلاً عن أن ما ورد من حجج لا ترقى لمستوى أن تناقش على المستوى العلمي من وجهة نظر اقتصادية أو استثمارية مجردة. وأقتبس هنا ما نقل عن الاقتصادي "الإنسان" بيل غيتس حول الزعم بأن الاقتصاد هو الأهم، حيث يقول:"من الصعب جدًّا أن تقول للناس: مرحبًا بكم في المطاعم، واذهب لشراء منازل جديدة، وتجاهل كومة الجثث على قارعة الطريق، نريدك أن تستمر في الإنفاق لأن هناك بعض السياسيين يعتقدون أن نمو الناتج المحلي الإجمالي هو الأهم"
إن إعادة النظر في دور القطاع العام في الدولة والمجتمع ورد الاعتبار له من إعادة بناء على أسس علمية رصينة على يد أهل المتخصصين المخلصين من أبناء البلد –وهم كثر- سيكون خطوة استراتيجية جريئة أقدّر بأنها قد تصل إلى مرتبة قريبة من تعريب الجيش العربي، حيث أن هذه الخطوة ستعيد التوازن الاقتصادي والاجتماعي للبلد لصالح الطبقات التي ظلمت خلال العقود الثلاث الأخيرة من عمر الدولة، هذه الطبقات التي أثبتت الأزمة الحالية بأنها الأقدر على الصمود والتضحية عندما يجد الجد ويثور غبار الأزمات.
حفظ الله الأردن من كل شر
لقد أطعمت الحكومات المتعاقبة حصان القطاع الخاص وأتخمته دلالاً على الرغم من التكلفة الاجتماعية لذلك من بطالة وسحق للطبقة المتوسطة، على أمل تحقيق النمو الاقتصادي والرفاه. ولولا الله ثم المخلصين من أبناء البلد لركب التعليم والصحة بالكامل في قطار الخصخصة. وفي ذات الوقت أهملت تلك الحكومات القطاع العام وزرعت فيه حشائش "المؤسسات المستقلة" الضارّة، حتى برزت عظامه ورق جلده. هذا كله –بالإضافة لعوامل أخرى- أدى إلى غياب معالم هوية اقتصادية محددة للحكومات المختلفة وأضاع بوصلتها.
ولمّا حانت غارة الكورونا خذل القطاع الخاص الوطن بشكل واضح وبدا تقصيره، وانحازت المؤسسات الاقتصادية الكبرى بمجملها إلى أنانيتها ودفنت رؤوسها في رمال البخل، وباتت مصطلحات براقة تستخدمها تلك الشركات مثل "المسؤولية الاجتماعية للشركات" مجرد كلام فارغ! كما كشفت الأزمة بأن الحكومة خذلت نفسها مرة أخرى باعتمادها على القطاع العام المثقل بمختلف الأمراض الإدارية من ترهل وفساد وغيرها. وبالتالي فإنها لم تنل بلح القطاع الخاص ولا عنب القطاع العام.
من المؤكد بأني لست ضد دور القطاع الخاص وأهميته لأي اقتصاد، وهناك الكثير من تجارب لدول نجحت في تحقيق التوازن من خلال الاستفادة من رشاقة القطاع الخاص وحرية السوق في نفس الوقت الذي لم تحرق فيه سفنها مع القطاع العام كما تم في الأردن.
على الرغم من قساوة الأزمات والمحن، إلا أنها تجلي الصدأ وتزيل الغبار وتظهر معادن الناس على حقيقتها بدون "مكياج"...... فكما أنها أظهرت (لا بل أزهرت) صوراً رائعة مشرقة للكادحين البسطاء النبلاء من أبناء السلك العسكري والقوى الأمنية والمعلّمين والكوادر الطبية وغيرهم من الأمثلة التي تابعنا تضحياتها الجسام خلال الأيام الماضية، فقد أظهرت أيضاً حقيقة القطط السمان من أصحاب "اللغاليغ" الذين امتصوا دم البلد بما حل وما حرم مما أتاحته لهم مبادرات دعم القطاع الخاص وتدليله على حساب البلد وأهله، لا بل على حساب سيادته أيضاً في بعض الحالات.
إن مقارنة رقمية لا نتجنى فيها على أحد لمساهمة النقابة الفقيرة الفتية نقابة المعلمين مع ما ساهم به أكبر المؤسسات المالية وغيرها دون ذكر أسماء تجلّي الصورة وتبيّن معادن الناس. لا بل إن واحداً من أبرز الرأسماليين كان صريحاً وواضحاُ بأن "الاقتصاد" و "الاستثمار" يتقدمان على الإنسان وحياته!! ضارباً بعرض الحائط أسمى القيم الإنسانية وشعاراً نتشرف به في هذا البلد "الإنسان أغلى ما نملك". إن الابتذال في الاستهانة بحياة البشر واعتبارهم مجرد أرقام مقابل الاستثمار - وهو أمر لا نجد له مثيلاً في العالم في ظل تبرع العديد من رؤوس الأموال في العالم لمؤسسات دولهم- تمثل ترجمة حرفية للرأسمالية المتوحشة التي تحط من قيمة الإنسان لصالح أصحاب المصالح وتضخيم رؤوس أموالهم، وليس لصالح الاقتصاد الذي يهدف إلى تحقيق الرفاه لكل الناس. فضلاً عن أن ما ورد من حجج لا ترقى لمستوى أن تناقش على المستوى العلمي من وجهة نظر اقتصادية أو استثمارية مجردة. وأقتبس هنا ما نقل عن الاقتصادي "الإنسان" بيل غيتس حول الزعم بأن الاقتصاد هو الأهم، حيث يقول:"من الصعب جدًّا أن تقول للناس: مرحبًا بكم في المطاعم، واذهب لشراء منازل جديدة، وتجاهل كومة الجثث على قارعة الطريق، نريدك أن تستمر في الإنفاق لأن هناك بعض السياسيين يعتقدون أن نمو الناتج المحلي الإجمالي هو الأهم"
إن إعادة النظر في دور القطاع العام في الدولة والمجتمع ورد الاعتبار له من إعادة بناء على أسس علمية رصينة على يد أهل المتخصصين المخلصين من أبناء البلد –وهم كثر- سيكون خطوة استراتيجية جريئة أقدّر بأنها قد تصل إلى مرتبة قريبة من تعريب الجيش العربي، حيث أن هذه الخطوة ستعيد التوازن الاقتصادي والاجتماعي للبلد لصالح الطبقات التي ظلمت خلال العقود الثلاث الأخيرة من عمر الدولة، هذه الطبقات التي أثبتت الأزمة الحالية بأنها الأقدر على الصمود والتضحية عندما يجد الجد ويثور غبار الأزمات.
حفظ الله الأردن من كل شر