العموش يكتب: انحسار الشركات المساهمة العامة وانكفاء السوق المالي
د. ابراهيم العموش
في المعلومات الموثقة، أنه منذ عام 2010 وحتى يومنا هذا لم يتم تسجيل ولو شركة مساهمة عامة واحدة. بمعنى أن السوق الاردني لم يشهد طرحاً عاماً أولياً للأسهم منذ أكثر من تسع سنوات. وفي المعلومات الأكيدة أيضاً، أن العديد من الشركات المساهمة العامة تم تحويلها من صفتها هذه الى شكل شركات ذات مسؤولية محدودة أو شركات مساهمة خاصة وخرجت من السوق المالي ولم تعد اسهمها مطرحة للتداول اليومي.
وانعكست هذه الحالة من الانحسار على السوق المالي. فالمعلومات الموثقة تظهر أن حجم التداول اليومي للأسهم في السوق المالي كان قد تجاوز 250 مليون دينار يومياً في العام 2010 وبدأ بالتراجع بعد ذلك سنة تلو أخرى الى أن انخفض الى حوالي 3-4 مليون دينار يوميا في وقتنا الحالي!!!. أيضاً تراجعت القيمة السوقية لحجم التداول السنوي من 6.689 مليار دينار في نهاية عام 2010 الى 1.629 مليار في نهاية عام 2019. وانخفض اجمالي القيمة السوقية للأوراق المالية من 22.126 مليار عام 2010 الى 15.639 مليار في عام 2019.
والآن، كم من عشرات الملايين من الدنانير ان لم يكن المئات ضاعت على الخزينة (في صورة رسوم وعمولات وضرائب) منذ عام 2010 حتى الآن؟ وكم من فرص العمل المحققة فقدت وكم من فرص العمل ضاعت منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا؟ ومع ذلك ما زلنا نمعن في التخريب والتدمير (والتطفيش) والجباية دون أدنى حد من المسؤولية والوعي.
صحيح أن الازمة المالية العالمية التي عصفت بالاسواق المالية في نهاية العام 2008 قد أثرت بشكل كبير على الاسواق المالية ومنها السوق المالي الاردني، ولكن هناك عوامل أخرى انهكت الاقتصاد الاردني بشكل عام وأدت للعزوف عن تسجيل الشركات المساهمة العامة وانكفاء السوق المالي خلال السنوات التسع الماضية.
فأولاً، حكومات متعاقبة استمرأت نهج الجباية، بإعتباره اقصر الطرق واسرعها للحصول على المال. فتفننت في فرض الضرائب والرسوم سواء عن طريق رفع الشرائح الضريبية أو عن طريق توسيع سلة السلع والخدمات الخاضعة للضريبة. فمثلاً، بالاضافة الى ضريبة الدخل، ما الجدوى من فرض ضريبة على عمولات التداول بعد أن فشلت الحكومة في تطبيق ضريبة المتاجرة بالأسهم؟ في المعلومات، أن مجموع ما تمت جبايته خلال العام 2019 من الضريبة المفروضة على عمولات التداول لم يتجاوز 1.5 مليون دينار !!! بمعنى لا يتجاو ثمن (دونم) أرض في بعض مناطق عمان. فهل يستحق هذا المبلغ التضحية (بجزء من أداء) السوق المالي؟
وثانياً: ألقت (تداعيات) ما يسمى بالربيع العربي في العام 2011 والعام 2012، بآثارها على الاقتصاد الاردني. ولكن لم يكن للربيع العربي (في الاردن) أثراً مباشراً على أداء السوق المالي، وإنما كان الأثر غير مباشر وثمثل في أمرين خطيرين: الاول: جرعة قاتلة مما يسمى بجهود مكافحة الفساد سواء تلك التي تبذلها بعض الجهات الرقابية أو (الصراخ والصياح) من على منصات مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الاخبارية. صحيح أن بيئة الاعمال النظيفة تتطلب الشفافية والنزاهة، وصحيح أن الجهات الرقابية تقوم بدورها، ولكن (الارهاب) الذي مورس بحق الشركات المساهمة العامة واداراتها، وبحيث أصبحت هذه الشركات محلاً لتهم الفساد (بحق وبغير حق، وسواء من بعض الجهات الرقابية أو هواة الاتهام على منصات التواصل الاجتماعي) أدى الى انحسارها منذ العام 2010 وحتى يومنا هذا. والسؤال هنا، هل حقاً نحن في بلد فسد فيه كل شي؟ الجواب بالقطع لا. وبالمقابل، عدد كبير من الدول لديها جهات رقابية للنزاهة، ولكن لم يتم حقن اسواقها وشركاتها بجرعة زائدة من (مضادات الفساد) فبقيت اسواقها عامرة وبقيت شركاتها المساهمة العامة تعمل وتنتج وتساهم في دعم الاقتصاد الوطني. أما الأثر الثاني غير المباشر للربيع الاردني، فهو (الجبن والرعب) الذي أصاب موظفي الدولة بكافة مستوياتها الوظيفية، من أدنى السلم الوظفي حتى رئيس الوزراء. لم يعد الموظف العام راغباً بتنفيذ حكم القانون خوفاً من أن يتهم بالفساد. فجنح الى تأخير المعاملات دون وجه حق واستهوى التردد في منح الموافقات والتراخيص والأذونات خلافاً للقانون. حتى بلغ بنا الجبن وبلغ بنا الأمر الى درجة من سوء الادارة أن المعاملة أو الطلب الذي يؤشر عليه أصغر موظف في الوزارة (بعدم الموافقة) (ودون وجه حق) يعجز الوزير أو حتى رئيس الوزراء عن مخالفته. أليس هذا هو الفساد الاداري الذي يتوجب على الجهات الرقابية ملاحقته؟ أليس في هذا إمعان بتدمير الذات؟
نعم، نجحنا في تدمير السوق المالي، ونحجنا في (تطفيش) الاستثمار والمستثمرين، ونجحنا في انهاك القطاع الخاص بالضرائب، ونجحنا في رفع نسب البطالة وتوسيع جيوب الفقر. لماذا؟ لأننا نريد بقرة نأكل لحمها ونشرب لبنها في آن معاَ. وبذات الوقت نتشدق بلزوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص لخلق فرص عمل جديدة ورفد الخزينة بالضرائب والرسوم. يقال أن الودائع في البنوك ناهزت أو تجاوزت 40 مليار دينار!! فمن هو الجاهل الذي يقول أن هذا مؤشر صحي؟ لو كانت بيئة الاعمال مناسبة للاستثمار لتم ضخ جزء من هذه الودائع في السوق لاستغلال الفرص الاستثمارية التي تعلن عنها الحكومة الحالية.
قطعاً، الفرص موجودة ولكن البيئة غير صالحة لاستغلالها واستثمارها.
وانعكست هذه الحالة من الانحسار على السوق المالي. فالمعلومات الموثقة تظهر أن حجم التداول اليومي للأسهم في السوق المالي كان قد تجاوز 250 مليون دينار يومياً في العام 2010 وبدأ بالتراجع بعد ذلك سنة تلو أخرى الى أن انخفض الى حوالي 3-4 مليون دينار يوميا في وقتنا الحالي!!!. أيضاً تراجعت القيمة السوقية لحجم التداول السنوي من 6.689 مليار دينار في نهاية عام 2010 الى 1.629 مليار في نهاية عام 2019. وانخفض اجمالي القيمة السوقية للأوراق المالية من 22.126 مليار عام 2010 الى 15.639 مليار في عام 2019.
والآن، كم من عشرات الملايين من الدنانير ان لم يكن المئات ضاعت على الخزينة (في صورة رسوم وعمولات وضرائب) منذ عام 2010 حتى الآن؟ وكم من فرص العمل المحققة فقدت وكم من فرص العمل ضاعت منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا؟ ومع ذلك ما زلنا نمعن في التخريب والتدمير (والتطفيش) والجباية دون أدنى حد من المسؤولية والوعي.
صحيح أن الازمة المالية العالمية التي عصفت بالاسواق المالية في نهاية العام 2008 قد أثرت بشكل كبير على الاسواق المالية ومنها السوق المالي الاردني، ولكن هناك عوامل أخرى انهكت الاقتصاد الاردني بشكل عام وأدت للعزوف عن تسجيل الشركات المساهمة العامة وانكفاء السوق المالي خلال السنوات التسع الماضية.
فأولاً، حكومات متعاقبة استمرأت نهج الجباية، بإعتباره اقصر الطرق واسرعها للحصول على المال. فتفننت في فرض الضرائب والرسوم سواء عن طريق رفع الشرائح الضريبية أو عن طريق توسيع سلة السلع والخدمات الخاضعة للضريبة. فمثلاً، بالاضافة الى ضريبة الدخل، ما الجدوى من فرض ضريبة على عمولات التداول بعد أن فشلت الحكومة في تطبيق ضريبة المتاجرة بالأسهم؟ في المعلومات، أن مجموع ما تمت جبايته خلال العام 2019 من الضريبة المفروضة على عمولات التداول لم يتجاوز 1.5 مليون دينار !!! بمعنى لا يتجاو ثمن (دونم) أرض في بعض مناطق عمان. فهل يستحق هذا المبلغ التضحية (بجزء من أداء) السوق المالي؟
وثانياً: ألقت (تداعيات) ما يسمى بالربيع العربي في العام 2011 والعام 2012، بآثارها على الاقتصاد الاردني. ولكن لم يكن للربيع العربي (في الاردن) أثراً مباشراً على أداء السوق المالي، وإنما كان الأثر غير مباشر وثمثل في أمرين خطيرين: الاول: جرعة قاتلة مما يسمى بجهود مكافحة الفساد سواء تلك التي تبذلها بعض الجهات الرقابية أو (الصراخ والصياح) من على منصات مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الاخبارية. صحيح أن بيئة الاعمال النظيفة تتطلب الشفافية والنزاهة، وصحيح أن الجهات الرقابية تقوم بدورها، ولكن (الارهاب) الذي مورس بحق الشركات المساهمة العامة واداراتها، وبحيث أصبحت هذه الشركات محلاً لتهم الفساد (بحق وبغير حق، وسواء من بعض الجهات الرقابية أو هواة الاتهام على منصات التواصل الاجتماعي) أدى الى انحسارها منذ العام 2010 وحتى يومنا هذا. والسؤال هنا، هل حقاً نحن في بلد فسد فيه كل شي؟ الجواب بالقطع لا. وبالمقابل، عدد كبير من الدول لديها جهات رقابية للنزاهة، ولكن لم يتم حقن اسواقها وشركاتها بجرعة زائدة من (مضادات الفساد) فبقيت اسواقها عامرة وبقيت شركاتها المساهمة العامة تعمل وتنتج وتساهم في دعم الاقتصاد الوطني. أما الأثر الثاني غير المباشر للربيع الاردني، فهو (الجبن والرعب) الذي أصاب موظفي الدولة بكافة مستوياتها الوظيفية، من أدنى السلم الوظفي حتى رئيس الوزراء. لم يعد الموظف العام راغباً بتنفيذ حكم القانون خوفاً من أن يتهم بالفساد. فجنح الى تأخير المعاملات دون وجه حق واستهوى التردد في منح الموافقات والتراخيص والأذونات خلافاً للقانون. حتى بلغ بنا الجبن وبلغ بنا الأمر الى درجة من سوء الادارة أن المعاملة أو الطلب الذي يؤشر عليه أصغر موظف في الوزارة (بعدم الموافقة) (ودون وجه حق) يعجز الوزير أو حتى رئيس الوزراء عن مخالفته. أليس هذا هو الفساد الاداري الذي يتوجب على الجهات الرقابية ملاحقته؟ أليس في هذا إمعان بتدمير الذات؟
نعم، نجحنا في تدمير السوق المالي، ونحجنا في (تطفيش) الاستثمار والمستثمرين، ونجحنا في انهاك القطاع الخاص بالضرائب، ونجحنا في رفع نسب البطالة وتوسيع جيوب الفقر. لماذا؟ لأننا نريد بقرة نأكل لحمها ونشرب لبنها في آن معاَ. وبذات الوقت نتشدق بلزوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص لخلق فرص عمل جديدة ورفد الخزينة بالضرائب والرسوم. يقال أن الودائع في البنوك ناهزت أو تجاوزت 40 مليار دينار!! فمن هو الجاهل الذي يقول أن هذا مؤشر صحي؟ لو كانت بيئة الاعمال مناسبة للاستثمار لتم ضخ جزء من هذه الودائع في السوق لاستغلال الفرص الاستثمارية التي تعلن عنها الحكومة الحالية.
قطعاً، الفرص موجودة ولكن البيئة غير صالحة لاستغلالها واستثمارها.