علينا أن لا نختلف
ياسين بني ياسين
القبة نيوز-معروف أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود بين الإخوة قضية. فالاختلاف في الرأي، وفي كل شيء آخر، من طبيعة البشر. ومن المستحيل أن تجد اثنين متطابقين كل التطابق في أسلوب تفكيرهما. لكن أن يؤدي بنا الاختلاف إلى حد الشتيمة والسباب والتجريح، ونحن من نحن، في مجتمعنا الأردني الطيب الأعراق، ثقافة ووعيا ومعرفة وخبرةَ حياةٍ، فهذا أمر مستغرب منا، بل مستهجن أشد الاستهجان. فنحن إخوة في الدين والدم والهدف والمستقبل والمصير، ولا شيء يمكن أن يتقدم على هذه الأُخوَّة.
الأردن أردننا جميعا، ونحن حريصون على الأردن حرصنا على بيوتنا، وعلى أنفسنا، وعلى أبنائنا، وعلى كل ما نملك في هذه الدنيا من مال واعتبار وكرامة. فأمن الأردن واستقراره ومستقبله أمن بيوتنا، وأمن أنفسنا، وأمن أبنائنا، وأمن كل ما نملك. وأجزم أن هذا الكلام لا يختلف عليه اثنان.
وعلينا أن نتذكر أن كل واحد منا له رؤية خاصة به، وتوجه قد يختلف كثيرا أو قليلا عن توجهات الآخرين. فهل يعني هذا أن صاحب وجهة النظر المباينة مارق، وكافر، وخائن، وخارج على الأعراف والتقاليد والقوانين؟
من منا يتأخر أو يتخلف إذا دعا داعي الوطن؟ كلنا، وكل ما نملك من عيال ومال، فداءٌ للوطن. ولن يتخلف عن تلبية النداء إلا من يعتبر الوطن "مكان سكن" فقط. وهؤلاء قلة؛ وكلنا نعرف من هم هؤلاء.
عندما نختلف على أمر يتعلق بالوطن، علينا أن نتذكر مقولة الشافعي المشهورة: "وجهة نظري صحيحة ولكنها تحتمل الخطأ، ووجهة نظرك خطأ ولكنها تحتمل الصواب"، وأن نتذكر معها كل الأقوال التي فيها مثل هذه الحكمة. كما علينا أن نتذكر أن لا أحد منا أكثر حرصا ولا أشد غيرة على مصلحة الوطن من إخوانه الآخرين. وليتنا، عندما نختلف في موضوع، أن نجد إجابة رسمية من ذوي العلاقة، دون أن ندخل أنفسنا في أي مناكفات فيما بيننا تهدم أكثر مما تصلح، وتضر أكثر مما تنفع.
في عام ١٩٨٨ م حرق مواطن أمريكي الأصل والمولد والنشأة العلم الأمريكي على مرأى ومسمع من الناس. وانقسم الرأي العام الأمريكي في ذلك ثلاثة أقسام رئيسة: المعارضون لهذا العمل، والمؤيدون للحرية الشخصية فيه، وغير المهتمين. لكن ما لفت انتباهي أنه لم يكن منهم من اتهم ذلك الشاب بالخيانة، أو بالعمالة، أو بأي صفة مشابهة لهما أو قريبة منهما.
وعند محاكمة الشخص الذي قام بتلك الفعلة - وكان شابا في منتصف العشرينيات من العمر - قررت المحكمة تبرئته بواقع صوتين لصوت واحد. والملايين من الأمريكيين شاهدوا مقابلة تلفزيونية مع رئيس المحكمة التي برأته، قال فيها، من ضمن ما قال: "إن هذا الشاب أمريكي مثلنا، وقد أحرق علم بلده الذي هو بلدنا. ولكن من منا يستطيع أن يدعي أنه أمريكي أكثر من هذا الشاب، أو يثبت أنه أشد حرصا على مصلحة أمريكا منه؟"
وكثيرا ما كان الأمريكيون يحرقون علم بلادهم أثناء حرب فيتنام وبعدها. وأمريكا ما زالت أمريكا، بل ازدادت قوة منذ ذلك الحين، ولم يؤثر فيها حرق علمها (ولا النقد الداخلي الموجه لها) في يوم من الأيام. وفي القوانين المرعية في أمريكا، فإن حرق العلم يعتبر وسيلة من وسائل حرية التعبير الممنوحة للمواطن، دون أن يكون هذا الأمر مِنَّةً من أحد. وزيادة على هذا، فإن من يقوم بذلك، أو بما يشبهه، يكون تحت حماية القانون، لا تحت سيفه.
بالمقابل فإن الأردن القوي، الثابت، الصامد، المستند إلى أركان وطيدة ودعائم راسخة (خالية من الشك والريبة وكل علامات الاستفهام) يجب أن لا يتأثر بالنقد. فالنقد محصلته الإجمالية فيها مصلحة الوطن وصالح المواطن. والنقد إما معقول، ويجب أن نسمعه جميعا، أو غير ذلك، ويجب أن نتناساه جميعا. كما أن النقد قد يكون إما بنَّاءً ولنا منه عبرة وفائدة، أو هداما وعلينا أن نُسكِت صاحبه بما وهبنا الله من عقل وحكمة ورؤية، لا بالاتهام والتهديد والترهيب. وبهذا فإننا نريد للأردن أن يظل دائما: "يا جبل ما يهزك ريح".
لا يظنن أحد أنني أرضى أن يحرق أحد علم بلادي. فعلم بلادي رمز يجب أن يظل محفوظا في القلب، وليس له فداء إلا الروح، إذ هو بخفقانه رمز أردنيتنا ، وببقائه مرفوعا عاليا عنوان وجودنا ودليل حريتنا وعنوان كرامتنا، وبزهو ألوانه امتداد قوي متين لعروبتنا التي نعتز بها، ولا نقبل عنها بديلا. لكنني، في حديثي عن حرق العلم الأمريكي، أردت فقط أن أضرب مثلا واقعيا حيا على كيفية اختلاف الآخرين في الرأي والهوى والتوجه، وكيفية تعاملهم مع مثل هذا الاختلاف. والأمثلة في اختلافهم في الرأي كثيرة يضيق بها الحصر في مثل هذه العجالة من القول. وأنا هنا لا أعني الأمريكان فحسب، بل كل الأمم التي تجد مكانا مناسبا لرأي الآخرين تستفيد منه وتبني عليه.
علينا جميعا أن نظل الإخوة المتحابين، المتكافلين، المتضامين، المتضامنين. وعلينا أن نبذل كل ما نستطيع من جهد وعمل لكي يبقى الأردن صامدا، عزيزا، منيعا، ثابتا في وجه كل العقبات والمصاعب والتحديات، وأن نلفظ من بين صفوفنا كل من يحاول المساس بوجود الأردن، فهو وجودنا جميعا. فأعداؤنا كثر، وأعداء ديننا وعروبتنا أكثر. ونحن كلنا في مركب واحد.
وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابه العزيز: "وَلَا تَنَازعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ".
الأردن أردننا جميعا، ونحن حريصون على الأردن حرصنا على بيوتنا، وعلى أنفسنا، وعلى أبنائنا، وعلى كل ما نملك في هذه الدنيا من مال واعتبار وكرامة. فأمن الأردن واستقراره ومستقبله أمن بيوتنا، وأمن أنفسنا، وأمن أبنائنا، وأمن كل ما نملك. وأجزم أن هذا الكلام لا يختلف عليه اثنان.
وعلينا أن نتذكر أن كل واحد منا له رؤية خاصة به، وتوجه قد يختلف كثيرا أو قليلا عن توجهات الآخرين. فهل يعني هذا أن صاحب وجهة النظر المباينة مارق، وكافر، وخائن، وخارج على الأعراف والتقاليد والقوانين؟
من منا يتأخر أو يتخلف إذا دعا داعي الوطن؟ كلنا، وكل ما نملك من عيال ومال، فداءٌ للوطن. ولن يتخلف عن تلبية النداء إلا من يعتبر الوطن "مكان سكن" فقط. وهؤلاء قلة؛ وكلنا نعرف من هم هؤلاء.
عندما نختلف على أمر يتعلق بالوطن، علينا أن نتذكر مقولة الشافعي المشهورة: "وجهة نظري صحيحة ولكنها تحتمل الخطأ، ووجهة نظرك خطأ ولكنها تحتمل الصواب"، وأن نتذكر معها كل الأقوال التي فيها مثل هذه الحكمة. كما علينا أن نتذكر أن لا أحد منا أكثر حرصا ولا أشد غيرة على مصلحة الوطن من إخوانه الآخرين. وليتنا، عندما نختلف في موضوع، أن نجد إجابة رسمية من ذوي العلاقة، دون أن ندخل أنفسنا في أي مناكفات فيما بيننا تهدم أكثر مما تصلح، وتضر أكثر مما تنفع.
في عام ١٩٨٨ م حرق مواطن أمريكي الأصل والمولد والنشأة العلم الأمريكي على مرأى ومسمع من الناس. وانقسم الرأي العام الأمريكي في ذلك ثلاثة أقسام رئيسة: المعارضون لهذا العمل، والمؤيدون للحرية الشخصية فيه، وغير المهتمين. لكن ما لفت انتباهي أنه لم يكن منهم من اتهم ذلك الشاب بالخيانة، أو بالعمالة، أو بأي صفة مشابهة لهما أو قريبة منهما.
وعند محاكمة الشخص الذي قام بتلك الفعلة - وكان شابا في منتصف العشرينيات من العمر - قررت المحكمة تبرئته بواقع صوتين لصوت واحد. والملايين من الأمريكيين شاهدوا مقابلة تلفزيونية مع رئيس المحكمة التي برأته، قال فيها، من ضمن ما قال: "إن هذا الشاب أمريكي مثلنا، وقد أحرق علم بلده الذي هو بلدنا. ولكن من منا يستطيع أن يدعي أنه أمريكي أكثر من هذا الشاب، أو يثبت أنه أشد حرصا على مصلحة أمريكا منه؟"
وكثيرا ما كان الأمريكيون يحرقون علم بلادهم أثناء حرب فيتنام وبعدها. وأمريكا ما زالت أمريكا، بل ازدادت قوة منذ ذلك الحين، ولم يؤثر فيها حرق علمها (ولا النقد الداخلي الموجه لها) في يوم من الأيام. وفي القوانين المرعية في أمريكا، فإن حرق العلم يعتبر وسيلة من وسائل حرية التعبير الممنوحة للمواطن، دون أن يكون هذا الأمر مِنَّةً من أحد. وزيادة على هذا، فإن من يقوم بذلك، أو بما يشبهه، يكون تحت حماية القانون، لا تحت سيفه.
بالمقابل فإن الأردن القوي، الثابت، الصامد، المستند إلى أركان وطيدة ودعائم راسخة (خالية من الشك والريبة وكل علامات الاستفهام) يجب أن لا يتأثر بالنقد. فالنقد محصلته الإجمالية فيها مصلحة الوطن وصالح المواطن. والنقد إما معقول، ويجب أن نسمعه جميعا، أو غير ذلك، ويجب أن نتناساه جميعا. كما أن النقد قد يكون إما بنَّاءً ولنا منه عبرة وفائدة، أو هداما وعلينا أن نُسكِت صاحبه بما وهبنا الله من عقل وحكمة ورؤية، لا بالاتهام والتهديد والترهيب. وبهذا فإننا نريد للأردن أن يظل دائما: "يا جبل ما يهزك ريح".
لا يظنن أحد أنني أرضى أن يحرق أحد علم بلادي. فعلم بلادي رمز يجب أن يظل محفوظا في القلب، وليس له فداء إلا الروح، إذ هو بخفقانه رمز أردنيتنا ، وببقائه مرفوعا عاليا عنوان وجودنا ودليل حريتنا وعنوان كرامتنا، وبزهو ألوانه امتداد قوي متين لعروبتنا التي نعتز بها، ولا نقبل عنها بديلا. لكنني، في حديثي عن حرق العلم الأمريكي، أردت فقط أن أضرب مثلا واقعيا حيا على كيفية اختلاف الآخرين في الرأي والهوى والتوجه، وكيفية تعاملهم مع مثل هذا الاختلاف. والأمثلة في اختلافهم في الرأي كثيرة يضيق بها الحصر في مثل هذه العجالة من القول. وأنا هنا لا أعني الأمريكان فحسب، بل كل الأمم التي تجد مكانا مناسبا لرأي الآخرين تستفيد منه وتبني عليه.
علينا جميعا أن نظل الإخوة المتحابين، المتكافلين، المتضامين، المتضامنين. وعلينا أن نبذل كل ما نستطيع من جهد وعمل لكي يبقى الأردن صامدا، عزيزا، منيعا، ثابتا في وجه كل العقبات والمصاعب والتحديات، وأن نلفظ من بين صفوفنا كل من يحاول المساس بوجود الأردن، فهو وجودنا جميعا. فأعداؤنا كثر، وأعداء ديننا وعروبتنا أكثر. ونحن كلنا في مركب واحد.
وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابه العزيز: "وَلَا تَنَازعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ".