لماذا من غير الممكن إلغاء اتفاقية الغاز؟
د. عبدالله صوالحة
القبة نيوز-تتجند المعارضة الاردنية بكافة اطيافها ومعها قطاعات كبيرة من المجتمع الاردني لرفض اتفاقية الغاز الموقعة مع الجانب الإسرائيلي ، تلك الاتفاقية التي لم يطلع عليها او يقرأها كل من عارضها ، ومع ان هذه القضية تعد هامشية إذا ما قيست بالتحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها المملكة إلا أن هناك إصراراً غريبا على إشغال المجتمع وإنهاك الدولة بالنقاشات التي تدور حولها, خاصة وأنها دخلت حيز التنفيذ، اضافة الى غياب حوار عقلاني وموضوعي يستند الى معلومات حقيقية متصلة بالجوانب القانونية والاقتصادية والفنية للاتفاقية .
الحجج التي يسوقها المعارضون لهذه الصفقة تتصاغر أهميتها أمام المخاطر الاستراتيجية التي قد يتعرض لها الأردن في حال اتخاذه قرارا بإلغاء هذه الاتفاقية، حيث على الجانب الآخر من العالم تدور حرب إقليمية وعالمية بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة وبين روسيا والصين من جهة أخرى محورها أمن الطاقة ، ومعادلات جيواستراتيجية آخذة بالتشكل تكتبها أنابيب الغاز ، تسعى الولايات المتحدة من خلالها لمحاصرة إمدادات الغاز الروسي والتركي لاوروبا والهدف هو تحرير أوروبا بأن لا تبقى أسيرة للغاز الروسي. وفي هذا الإطار اتخذت الولايات المتحدة ثلاث خطوات مهمة الاولى: هي فرض عقوبات اقتصادية على الشركات التي تعمل في مشروع نورد ستريم 2 وهو أنبوب لنقل الغاز الطبيعي يمتد من روسيا عبر بحر البلطيق الى ألمانيا وقد توقفت الشركة السويسرية المنفذة للمشروع عن العمل تفاديا للعقوبات الامريكية .كذلك فرض عقوبات على مشروع" ترك ستريم" وهو خط لنقل الغاز من روسيا الى تركيا عبر البحر الأسود ثم الى أوروبا . وقد وصف السناتور الجمهوري تيد كروز قرار العقوبات بأنه انتصاراً لأمريكا وأوروبا ولأمن الطاقة ومن الأفضل لأوروبا الاعتماد على أمريكا في الطاقة بدلا من الاعتماد على روسيا و الخضوع للابتزاز الاقتصادي.
الخطوة الثانية : اقر الكونجرسThe East-Med Act وهو قانون لدعم قبرص في نزاعها الحدودي مع تركيا حول الغاز في شرق المتوسط من خلال رفع مشروط لحظر الأسلحة الأمريكي المفروض عليها منذ 1987 . كما اقر قانون انفاق المساعدات الخارجية الذي يعزز القدرات الأمنية لقبرص بينما يدين تركيا بسبب أنشطتها للتنقيب عن النفط قبالة الساحل القبرصي.
الخطوة الثالثة : قامت الولايات المتحدة بدعم مشروع EastMed pipeline وهو خط لنقل الغاز تم الاتفاق على تأسيسه بين كلا من قبرص واليونان واسرائيل ، كما دعمت تأسيس أنبوب لنقل الغاز بين مصر وقبرص لجعل مصر مركز طاقة إقليمي في تسييل وإعادة تصدير الغاز الى أوروبا.
الأردن بوصفه حليفا وثيقا للولايات المتحدة هو جزء من شبكة إقليمية لإنتاج وتوزيع وتصدير الغاز تمأسست من خلال إطلاق منتدى غاز شرق المتوسط الذي يضم في عضويته اضافة الى الاردن كلا من فلسطين واسرائيل ومصر واليونان وقبرص وإيطاليا يحظى بالدعم الأمريكي والأوروبي كأداة سياسية واقتصادية لصد النفوذ الروسي والتركي في مجال الطاقة.
بالنظر الى هذه الحقائق يقف الأردن أمام استحقاقات سياسية واستراتيجية لا يمكنه التخلي عنها ولا يستطيع تحمل كلفتها خاصة وأن الكونجرس الأمريكي صاحب القرار في إنفاذ المساعدات الخارجية هو حامل لواء حرب الغاز مع الطرفين الروسي والتركي ، فالانسحاب من اتفاقية الغاز مع الجانب الإسرائيلي هو إضعاف لموقف الأردن الاستراتيجي وهي مواجهة مع الحليف الامريكي لا اعتقد ان اردنيا واحداً وطنياً وغيوراً يتمنى ان يراها .
ايضاً ، خروج الأردن من منتدى غاز شرق المتوسط هو طعنة في الظهر الى الشقيقة الكبرى مصر التي تكافح الهيمنة التركية المحتملة في سوق الطاقة في شرق المتوسط حيث تسعى مصر لتكون القوة الإقليمية الكبرى في مجال الطاقة من خلال امتلاكها لمحطات إسالة الغاز الوحيدة في المنطقة ، ومن المهم معرفة ان الاردن يمكنه أن لا يدفع ثمن الغاز المستورد من اسرائيل مباشرة بل من خلال تسييل كميات مقابلة لاسرائيل في مصر من خلال تعاون أردني مصري مشترك .
كذلك، كيف يمكن للاردن ان يطالب بإتمام مشروع قناة البحرين تنفيذا وتمويلا او اي مشروع اقليمي اخر يستدعي تمويلا أوروبياً او أمريكيا في الوقت الذي يتم التلويح فيه بإلغاء مشروع نقل الغاز الى المملكة ، أي ضمانات أو تعهدات سيتم طلبها من الاردن لاحقا وهل لنا القدرة على الوفاء بها .
وفي النهاية إلغاء اتفاقية دولية يعني عدم استقرار تشريعي وتنظيمي يؤدي الى عزوف المستثمرين الأجانب، وارباك في سوق الطاقة كعامل أساسي في كلف الاستثمار وينعكس على مصداقية الدولة ومؤشرات سهولة الاعمال وغيرها من المؤشرات الاقتصادية ، فأي صورة نريد ان نعكسها عن الاردن .
وأخيرا ، المعيار الحقيقي للوطنية الصادقة هو تتبع مصالح البلد العليا واستشعار المخاطر ودرءها والابتعاد عن المغامرة ومطاردة الشعبويات ، إلغاء الاتفاقية هي كارثة وطنية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
الحجج التي يسوقها المعارضون لهذه الصفقة تتصاغر أهميتها أمام المخاطر الاستراتيجية التي قد يتعرض لها الأردن في حال اتخاذه قرارا بإلغاء هذه الاتفاقية، حيث على الجانب الآخر من العالم تدور حرب إقليمية وعالمية بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة وبين روسيا والصين من جهة أخرى محورها أمن الطاقة ، ومعادلات جيواستراتيجية آخذة بالتشكل تكتبها أنابيب الغاز ، تسعى الولايات المتحدة من خلالها لمحاصرة إمدادات الغاز الروسي والتركي لاوروبا والهدف هو تحرير أوروبا بأن لا تبقى أسيرة للغاز الروسي. وفي هذا الإطار اتخذت الولايات المتحدة ثلاث خطوات مهمة الاولى: هي فرض عقوبات اقتصادية على الشركات التي تعمل في مشروع نورد ستريم 2 وهو أنبوب لنقل الغاز الطبيعي يمتد من روسيا عبر بحر البلطيق الى ألمانيا وقد توقفت الشركة السويسرية المنفذة للمشروع عن العمل تفاديا للعقوبات الامريكية .كذلك فرض عقوبات على مشروع" ترك ستريم" وهو خط لنقل الغاز من روسيا الى تركيا عبر البحر الأسود ثم الى أوروبا . وقد وصف السناتور الجمهوري تيد كروز قرار العقوبات بأنه انتصاراً لأمريكا وأوروبا ولأمن الطاقة ومن الأفضل لأوروبا الاعتماد على أمريكا في الطاقة بدلا من الاعتماد على روسيا و الخضوع للابتزاز الاقتصادي.
الخطوة الثانية : اقر الكونجرسThe East-Med Act وهو قانون لدعم قبرص في نزاعها الحدودي مع تركيا حول الغاز في شرق المتوسط من خلال رفع مشروط لحظر الأسلحة الأمريكي المفروض عليها منذ 1987 . كما اقر قانون انفاق المساعدات الخارجية الذي يعزز القدرات الأمنية لقبرص بينما يدين تركيا بسبب أنشطتها للتنقيب عن النفط قبالة الساحل القبرصي.
الخطوة الثالثة : قامت الولايات المتحدة بدعم مشروع EastMed pipeline وهو خط لنقل الغاز تم الاتفاق على تأسيسه بين كلا من قبرص واليونان واسرائيل ، كما دعمت تأسيس أنبوب لنقل الغاز بين مصر وقبرص لجعل مصر مركز طاقة إقليمي في تسييل وإعادة تصدير الغاز الى أوروبا.
الأردن بوصفه حليفا وثيقا للولايات المتحدة هو جزء من شبكة إقليمية لإنتاج وتوزيع وتصدير الغاز تمأسست من خلال إطلاق منتدى غاز شرق المتوسط الذي يضم في عضويته اضافة الى الاردن كلا من فلسطين واسرائيل ومصر واليونان وقبرص وإيطاليا يحظى بالدعم الأمريكي والأوروبي كأداة سياسية واقتصادية لصد النفوذ الروسي والتركي في مجال الطاقة.
بالنظر الى هذه الحقائق يقف الأردن أمام استحقاقات سياسية واستراتيجية لا يمكنه التخلي عنها ولا يستطيع تحمل كلفتها خاصة وأن الكونجرس الأمريكي صاحب القرار في إنفاذ المساعدات الخارجية هو حامل لواء حرب الغاز مع الطرفين الروسي والتركي ، فالانسحاب من اتفاقية الغاز مع الجانب الإسرائيلي هو إضعاف لموقف الأردن الاستراتيجي وهي مواجهة مع الحليف الامريكي لا اعتقد ان اردنيا واحداً وطنياً وغيوراً يتمنى ان يراها .
ايضاً ، خروج الأردن من منتدى غاز شرق المتوسط هو طعنة في الظهر الى الشقيقة الكبرى مصر التي تكافح الهيمنة التركية المحتملة في سوق الطاقة في شرق المتوسط حيث تسعى مصر لتكون القوة الإقليمية الكبرى في مجال الطاقة من خلال امتلاكها لمحطات إسالة الغاز الوحيدة في المنطقة ، ومن المهم معرفة ان الاردن يمكنه أن لا يدفع ثمن الغاز المستورد من اسرائيل مباشرة بل من خلال تسييل كميات مقابلة لاسرائيل في مصر من خلال تعاون أردني مصري مشترك .
كذلك، كيف يمكن للاردن ان يطالب بإتمام مشروع قناة البحرين تنفيذا وتمويلا او اي مشروع اقليمي اخر يستدعي تمويلا أوروبياً او أمريكيا في الوقت الذي يتم التلويح فيه بإلغاء مشروع نقل الغاز الى المملكة ، أي ضمانات أو تعهدات سيتم طلبها من الاردن لاحقا وهل لنا القدرة على الوفاء بها .
وفي النهاية إلغاء اتفاقية دولية يعني عدم استقرار تشريعي وتنظيمي يؤدي الى عزوف المستثمرين الأجانب، وارباك في سوق الطاقة كعامل أساسي في كلف الاستثمار وينعكس على مصداقية الدولة ومؤشرات سهولة الاعمال وغيرها من المؤشرات الاقتصادية ، فأي صورة نريد ان نعكسها عن الاردن .
وأخيرا ، المعيار الحقيقي للوطنية الصادقة هو تتبع مصالح البلد العليا واستشعار المخاطر ودرءها والابتعاد عن المغامرة ومطاردة الشعبويات ، إلغاء الاتفاقية هي كارثة وطنية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.