رجال "ليسوا" حول الملك!
بهاء الدين صوالحة
• من كتاب يوميات عدنان أبو عودة
لن يستنزف المتابع لأحاديث الملك وجولاته خلال الأيام والأسابيع الماضية التي أعقبت "وعد ترامب" الأخير المتعلق بمنح السيادة الإسرائيلية على الجولان العربي السوري ومن قبله وعده المماثل بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية للكيان الصهيوني، الكثير من الجهد والوقت ليعرف كيف يبدو المشهد في أروقة الحكم الأردني، وأي حال من "اليُتم" السياسي يعيشه الملك وهو يتعكّز على ساقيه في مواجهة ما يهدد مستقبل وكيان مملكته ويمسّ ثوابتها ومبادئها، فيما تسرّب الآخرون من حوله فيما بدا وكأن لكل امرئ منهم شأن يغنيه.
فعلى الرغم من حالة "الانتشاء" الوطني الشعبي التي أحاطت بالانتفاضة السياسية الملكية تجاه إرهاصات "الوعود الترامبية" وصفقة القرن الموعودة وزادت من لوعتها خيبة الأمل التي فرّت عنوة من بين أضلع الملك تجاه موقف "الأشقاء" من اللاعبين في الخفاء، إلا أن أسوأ ما كشفته تلك الأزمة الخواء الذي دبّ في مطبخ الدولة وغياب المشروع السياسي الذي يشي بالوعي الكلي الناضج والمتأهب ذهنياً واستراتيجياً تجاه ما هو آت، ولتبدو صورة الدولة على أنها رأس حي لجسد مشلول تصلّبت شرايينه وأصاب أطرافه الجمود. فالملك وحده من يعمل، وحده من يتحدث، وحده من يتحرّك، في حين يتوزع البقية على الهوامش مكتفين بترديد عبارات الملك والتصفيق!
صحيح أن القصر هو من يمسك بالملف الخارجي، لكن الملك دستورياً يحكم من خلال وزرائه، بيد أن تلك القاعدة أخذت تفقد رونقها وواقعيتها منذ سنوات، ولم يكن وقع الأحداث المتتالية وما يستدعيه الخطب من أهمية صياغة جهد وطني جمعي كفيل باستنفارها من جديد، وليس أدل على ذلك من اختيار الملك لمنصة الأجهزة الأمنية والعسكرية لإعادة التعبير عن موقفه تجاه التساؤلات المصيرية التي تفرضها التطورات الأخيرة ويغلّظ من خلالها خطوطه الحمر المتعلقة بالقدس والتوطين والوطن البديل. في الوقت الذي يبدو معه أن "هجر" الملك للفريق الحكومي بات في حكم البينونة الكبرى إذ لم يجتمع إلى أركانه طيلة تلك المدة، بل ولم يطلعهم – وكما جرت العادة – على نتائج زيارته الأخيرة والاستثنائية في توقيتها وظروفها الموضوعية إلى واشنطن والتي سبقت إعلان "ترامب" الأخير بأيام معدودة، لتتأكد بذلك نظرية أن حضور الحكومة في دائرة صنع القرار السياسي أو حتى التأثير فيه بات في حكم الماضي، بعد أن تحوّل أعضاؤها منذ أمد من رجالات دولة إلى موظفين درجات عليا غير معنيين سوى بإدارة الشؤون اليومية للمواطنين! ليبدو "المطبخ" خاوياً من أصحاب الذهنية الاستراتيجية لصالح محترفي "الصادر والوارد"!
أما الموقف الآخر، فتجلّى بوضوح من خلال الوفد المصاحب للملك إلى مؤتمر القمة العربية في تونس، والذي خلا من الأسماء السياسية الوازنة بما تتطلبه طبيعة المرحلة، وتزامن المؤتمر مع ما تمر به المنطقة، حيث اقتصر على بعضٍ من أعضاء فريقه الضيق من كبار موظفي الديوان ممثلاً بمدير مكتبه ومستشاره الخاص إلى جانب وزير الخارجية الذي كان بطبيعة الحال مشاركاً بحكم منصبه في الاجتماع التحضيري للقمة، والذي ما زال يتمسك بأداء دبلوماسي باهت يعجز عن معالجة أي من الملفات العالقة أو تقديم تفسير مقنع لحالها.
لا نعرف إن كانت اللامبالاة الحكومية تُفسّر من باب "التغيّب الإرادي" أم "التغييب القسري"، لكن ما هو مؤكد ولا لُبس فيه أن الملك يُعد خارطة طريقه ويحضّر أدواته لخوض المعركة بمعزل عن الآخرين وضمن "خلوة ذاتية" لا تتسع لآخر. وباستثناء الغضبة الشعبية التي انحازت إلى الملك وأبْدت التفافاً حوله، إلا أن صوت الأطراف الحكومية وما تبقى من رجالات الدولة بقي خافتاً وكأن لسان حالهم يقول: إذهب أنت وربك فقاتلا! وبما يوحي وأن المسألة تخضع لاعتبارات شخصية بحتة، غير آبهين بالأخطار المحدقة والتي تتجاوز في أبعادها إرثاً عائلياً مهدداً بالقرصنة. وإذا كان الملك هو من يقود المعركة بنفسه فإن ذلك لا يعني أنها معركته فحسب، بل معركة وطن بأكمله تقتضي ألا يبقى الملك وحيداً ... ما يستدعي أن تكون الأولى الخطوات إعادة هيكلة الفريق ليكون دعامة إسناد للملك لا عليه!
bahasawalha@gmail.com
• من كتاب يوميات عدنان أبو عودة
لن يستنزف المتابع لأحاديث الملك وجولاته خلال الأيام والأسابيع الماضية التي أعقبت "وعد ترامب" الأخير المتعلق بمنح السيادة الإسرائيلية على الجولان العربي السوري ومن قبله وعده المماثل بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية للكيان الصهيوني، الكثير من الجهد والوقت ليعرف كيف يبدو المشهد في أروقة الحكم الأردني، وأي حال من "اليُتم" السياسي يعيشه الملك وهو يتعكّز على ساقيه في مواجهة ما يهدد مستقبل وكيان مملكته ويمسّ ثوابتها ومبادئها، فيما تسرّب الآخرون من حوله فيما بدا وكأن لكل امرئ منهم شأن يغنيه.
فعلى الرغم من حالة "الانتشاء" الوطني الشعبي التي أحاطت بالانتفاضة السياسية الملكية تجاه إرهاصات "الوعود الترامبية" وصفقة القرن الموعودة وزادت من لوعتها خيبة الأمل التي فرّت عنوة من بين أضلع الملك تجاه موقف "الأشقاء" من اللاعبين في الخفاء، إلا أن أسوأ ما كشفته تلك الأزمة الخواء الذي دبّ في مطبخ الدولة وغياب المشروع السياسي الذي يشي بالوعي الكلي الناضج والمتأهب ذهنياً واستراتيجياً تجاه ما هو آت، ولتبدو صورة الدولة على أنها رأس حي لجسد مشلول تصلّبت شرايينه وأصاب أطرافه الجمود. فالملك وحده من يعمل، وحده من يتحدث، وحده من يتحرّك، في حين يتوزع البقية على الهوامش مكتفين بترديد عبارات الملك والتصفيق!
صحيح أن القصر هو من يمسك بالملف الخارجي، لكن الملك دستورياً يحكم من خلال وزرائه، بيد أن تلك القاعدة أخذت تفقد رونقها وواقعيتها منذ سنوات، ولم يكن وقع الأحداث المتتالية وما يستدعيه الخطب من أهمية صياغة جهد وطني جمعي كفيل باستنفارها من جديد، وليس أدل على ذلك من اختيار الملك لمنصة الأجهزة الأمنية والعسكرية لإعادة التعبير عن موقفه تجاه التساؤلات المصيرية التي تفرضها التطورات الأخيرة ويغلّظ من خلالها خطوطه الحمر المتعلقة بالقدس والتوطين والوطن البديل. في الوقت الذي يبدو معه أن "هجر" الملك للفريق الحكومي بات في حكم البينونة الكبرى إذ لم يجتمع إلى أركانه طيلة تلك المدة، بل ولم يطلعهم – وكما جرت العادة – على نتائج زيارته الأخيرة والاستثنائية في توقيتها وظروفها الموضوعية إلى واشنطن والتي سبقت إعلان "ترامب" الأخير بأيام معدودة، لتتأكد بذلك نظرية أن حضور الحكومة في دائرة صنع القرار السياسي أو حتى التأثير فيه بات في حكم الماضي، بعد أن تحوّل أعضاؤها منذ أمد من رجالات دولة إلى موظفين درجات عليا غير معنيين سوى بإدارة الشؤون اليومية للمواطنين! ليبدو "المطبخ" خاوياً من أصحاب الذهنية الاستراتيجية لصالح محترفي "الصادر والوارد"!
أما الموقف الآخر، فتجلّى بوضوح من خلال الوفد المصاحب للملك إلى مؤتمر القمة العربية في تونس، والذي خلا من الأسماء السياسية الوازنة بما تتطلبه طبيعة المرحلة، وتزامن المؤتمر مع ما تمر به المنطقة، حيث اقتصر على بعضٍ من أعضاء فريقه الضيق من كبار موظفي الديوان ممثلاً بمدير مكتبه ومستشاره الخاص إلى جانب وزير الخارجية الذي كان بطبيعة الحال مشاركاً بحكم منصبه في الاجتماع التحضيري للقمة، والذي ما زال يتمسك بأداء دبلوماسي باهت يعجز عن معالجة أي من الملفات العالقة أو تقديم تفسير مقنع لحالها.
لا نعرف إن كانت اللامبالاة الحكومية تُفسّر من باب "التغيّب الإرادي" أم "التغييب القسري"، لكن ما هو مؤكد ولا لُبس فيه أن الملك يُعد خارطة طريقه ويحضّر أدواته لخوض المعركة بمعزل عن الآخرين وضمن "خلوة ذاتية" لا تتسع لآخر. وباستثناء الغضبة الشعبية التي انحازت إلى الملك وأبْدت التفافاً حوله، إلا أن صوت الأطراف الحكومية وما تبقى من رجالات الدولة بقي خافتاً وكأن لسان حالهم يقول: إذهب أنت وربك فقاتلا! وبما يوحي وأن المسألة تخضع لاعتبارات شخصية بحتة، غير آبهين بالأخطار المحدقة والتي تتجاوز في أبعادها إرثاً عائلياً مهدداً بالقرصنة. وإذا كان الملك هو من يقود المعركة بنفسه فإن ذلك لا يعني أنها معركته فحسب، بل معركة وطن بأكمله تقتضي ألا يبقى الملك وحيداً ... ما يستدعي أن تكون الأولى الخطوات إعادة هيكلة الفريق ليكون دعامة إسناد للملك لا عليه!
bahasawalha@gmail.com