منحنى الأداء الطبيعي وأثره غير الطبيعي
- تاريخ النشر : 2019-01-19 17:04:50 -
القبة نيوز-إن المتتبّع للشأن العام في المملكة لا بد أنه قد سمع عن الجدل الذي أُثير مؤخرًا بنية الحكومة تطبيق أسلوب المُنحنى الطبيعي لتوزيع نتائج تقييم الأداء السنوي للموظفين العامين، وما صاحبه من أصوات معارضة لهذا التوجه والذي نتج عنه توقيف تطبيق هذا الأسلوب ولو مؤقتًا، ومفهوم المنحنى الطبيعي لتقييم الأداء هو أن يتم توزيع نتائج تقييم الأداء على نسب محددة من المستويات، فمثلًا يمكن تخصيص 5% من النتائج للممتاز و85% للجيد جدًا وللجيد و10% للمقبول والضعيف، هذه النسب قابلة للتغير بحسب ما يتم اعتماده من المرجع المختص، والفكرة أن تتركز النسبة الأكبر من الموظفين في الوسط، وتمثل أداءً جيدًا إلى جيد جدًا، ونسبة أقل عند الطرفين، وتمثل أداءً ممتازًا على اليمين ومقبولًا وضعيفًا على اليسار.
في علم الموارد البشرية يشار إلى هذا الأسلوب في تقييم الأداء إلى نظام التوزيع الإجباري لتقييم الأداء، بحيث يُجبر المدراء على توزيع موظفيهم على شرائح محددة من الأداء، ويعود أصل هذا الأسلوب في تقييم الأداء إلى بداية الثمانينات من القرن الماضي، وتم تطبيقه في بعض كبرى الشركات الأمريكية، أي أن هذا الأسلوب من التقييم يزيد عمره عن 35 عامًا، وتم تطبيقه في ذلك الحين من قبل هذه الشركات بهدف تقليل أعداد الموظفين والتخلص من الموظفين الأقل أداءً، بحيث يُجبر المدير على تقييم بعض الموظفين بنتيجة ضعيف، ليتم التخلص منهم بناء على هذه النتيجة عند تكرارها.
ولعل في هذا الأسلوب لتقييم الأداء بعض الإيجابيات من حيث إنه يسلّط الضوء على الموظفين المتميزين بموضوعية أكثر، إلا أن مساوئ تطبيقه تتعدّى منافعه، وهذا ما حدا بالكثير من الشركات التي بادرت بتطبيق هذا الأسلوب في تقييم الأداء في الثمانينات إلى التخلي عنه بعد سنوات معدودة من تطبيقه، ومن أهم الجوانب السلبية لهذا الأسلوب في تقييم الأداء أنه يضع الموظفين في قلق دائم بشأن تقييم أدائهم، حيث إنهم مدركون تمامًا أن مجموعة منهم سيكون تقييمهم ضعيفًا حتى ولو بذلوا جميعهم قصارى جهدهم، مما يخلق ثقافة التوتر وعدم الاستقرار الوظيفي بين الموظفين، ولهذه التأثيرات النفسية نتائج كارثية على الأداء، بحيث يسعى الموظفون المتميزون (والذين هم أقدر بشكل كبير على إيجاد فرص عمل أخرى) الخروج من هذا الجو من العمل، والبحث عن فرص أخرى في شركات أو مؤسسات لا تطبّق هذا الأسلوب في تقييم أداء الموظفين، أيضًا وجود أسلوب التوزيع الطبيعي أو بالأصح التوزيع الإجباري لتقييم الأداء يعزز السلوك الفردي بين الموظفين في المؤسسات وينمي المنافسة الفردية ويقتل روح الفريق.
الممارسات الحديثة في الموارد البشرية انتقلت إلى الإدارة الاستراتيجية للموارد البشرية، ومؤخرًا إلى مفاهيم إدارة المواهب، حيث إن هذه الأساليب لا تسمح أصلًا بوجود موظفين ذوي أداء منخفض إلا ما ندر، قد يتساءل البعض كيف يكون ذلك؟! والإجابة سهلة، حيث إن الأساس في أنظمة الموارد البشرية والتي تشمل نظام التوظيف، ونظام التدريب، ونظام تقييم الأداء، ونظام المنافع، أن تتكامل مع بعضها، ويتم توجيهها بشكل سليم من أجل الارتقاء بأداء المورد البشري، فنظام التوظيف إذا طُبِّق بشكل صحيح، يضمن اختيار أفضل الموظفين حسب الشواغر المُعلن عنها، والتي تتناسب مع الموظف الذي تم اختياره، أيضًا نظام التدريب يجب أن ينمّي قدرات ومهارات الموظفين بشكل صحيح، ليتناسب مع أوجه القصور التي قد يعاني منها الموظف، كما أن المنافع يجب ربطها مع الأداء بحيث إنه عندما يتراجع أداء الموظف أو أداء المؤسسة ينعكس ذلك بشكل مباشر على حوافز الموظفين، أو الدخل المُتغير للموظف، أما بالنسبة لتقييم الأداء فيكون فرصة للموظف في نهاية العام لمناقشة أولويات العمل على مختلف المستويات (استراتيجية، وتشغيلية، وإجرائية) مع المدراء، وتحديد الأولويات وجوانب التحسين للموظف، مع توفير مساحة من المرونة للموظف بأن يساهم في اختيار بعض الأعمال التي تتناسب مع اهتماماته ورغباته في تطوير مساره الوظيفي.
إن الارتقاء بعمل الموارد البشرية في القطاع العام يتطلّب أن تتبنى الإدارات العليا في المؤسسات الحكومية التكاملية في أنظمة الموارد البشرية التي يكون محورها الموظف الفرد، والعمل على تحفيز وإخراج المواهب الموجودة داخل كل فرد، كل حسب خصوصيته، إن المسألة الفعّالة وتقييم الأداء الفعلي يبدأ من نتائج المؤسسات على المستوى الكلي، وبالقيادات العليا لهذه المؤسسات، بعد تحديد مستهدفاتها ضمن برامج الحكومة الاقتصادية والاجتماعية، وليس من خلال تطبيق مفاهيم إدارية أصبحت جزءًا من الماضي.
تابعوا القبة نيوز على