facebook twitter Youtube whatsapp Instagram nabd

الصدر الذي يصُدر الفوضى باسم القانون

الصدر الذي يصُدر الفوضى باسم القانون

القبة نيوز- يرتبط اسمه بطابع التحول والتغيرات الجذرية، فتياره السياسي شهد منذ ٢٠٠٣ ولغاية اليوم، تحولات تدلل على مدى تقلب الرجل، واستخدامه شعوبيتيه للوصول إلى ما يريد. بغض النظر عن الجهات التي يصطدم بها أو يتحالف معها. باختصار هو عبارة عن تناقضات اجتماعية وسياسية ودينية تستقر في شخص واحد، قد تتفق معه مرة وتختلف معه مرات عديدة. إنه أستاذ تحريك الشارع العراقي وتعطيله، سماحة السيد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري.

إن تحليل مسار مقتدى الصدر منذ البدايات المبكرة لانخراطه في العمل السياسي ومقاومة النظام، تحدد طبيعة تفكير وتوجهات وفهم هذه الشخصية لمنطق القوة والنفوذ، والتعاطي مع السلطة والقانون. ففي عام 1991، اعتقل الصدر مع والده واشقائه من قبل نظام صدام حسين على خلفية أحداث 'الانتفاضة الشعبانية'، وهي مجموعة الاحتجاجات، ومظاهر عدم الاستقرار شملت مناطق جنوب، وشمال العراق، ووقعت مباشرة بعد حرب الخليج الثانية. 

وسميت بالشعبانية لقيامها في شهر شعبان. ويمكن لنا اعتبار نهج العائلة، ساهم في تشكيل مفهوم المقاومة في شخصية الصدر.

وباعتقاد كثير من الباحثين الذين تناولوا تشريح المشاهد العسكرية في العراق، ينظر إلى تاريخ 19 فبراير 1999 الذي شهد اغتيال 'آية الله العظمى محمد صادق الصدر'، الزعيم الروحي للشيعة العراقيين، في مدينة النجف. 

نقطة فارقة في حياة مقتدى الصدر وتطور مسار استخدامه للقوة. الأمر الذي أكمل تشكيل وعي الصدر وإدراكه لمقاومة السلطة والنظام، وأهمية الوصول للحكم.

بعد سقوط نظام صدام حسين، في العام ٢٠٠٣ أنه انتقل بعد الغزو مباشرة إلى 'قم' وحصل على درجة حجة الإسلام من الحوزة هناك. مع أنه يقدم نفسه كقائد شيعي عربي. معتبرا أن النجف هي مرجع الشيعة وليس مدينة 'قم' الإيرانية، ولطالما استغل هذه النقطة لتسويق عروبته. بعد عودته للعراق أسس الصدر جماعة عسكرية باسم 'جيش المهدي' لمقاومة الاحتلال الأمريكي. حيث لمع نجمه باعتباره قائدا شعبيا مقاوما للغزو، إذ قامت الميليشيات التابعة له في مايو من العام 2004 بشن هجمات على قوات التحالف. استمر الصدر في بناء جيشه الخاص، وتمكن لحد كبير من السيطرة على أهم مفاصل الدولة الاقتصادية في جنوب العراق بذريعة مقاومة قوات التحالف. ولكن الحقيقة أن الصدر يريد أن يتمدد كامل جنوب العراق، كقوة عسكرية يصعب على الدولة أن تتخلص منها.

وبما أن الدولة كانت وما زالت تتلمس طريقها لفرض القانون، أصبح الصدر والميليشيات التي يدعمها، عبئا ثقيلا على الدولة وعلى الشعب، ولكن وجودها كان مفروضا بفضل بعض المجاميع الشعبية التي تحميها وتدعمها تحت اسم المقاومة وفساد الدولة والتنفع. 

ليكون يوم 25 مارس 2008 حاسما في مسيرة الصدر العسكرية، حيث أطلقت الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي، عملية عسكرية سميت 'صولة الفرسان'، كانت تهدف إلى بسط سيادة القانون، والحد من نفوذ الميليشيات العسكرية التي يدعمها مقتدى الصدر، وعلى رأسها 'جيش المهدي'. لتسفر العملية عن مقتل مجموعة من عناصر 'جيش المهدي' واعتقال أكثر من 1200 . وفرار بعض قياداته إلى إيران ولبنان. ليسوق اتباع التيار الصدري هذه العملية على أنها محاولة سياسية بغطاء عسكري لإبعاد مقتدى الصدر وقيادات تياره عن الساحة السياسية. وهذا غير صحيح بالنسبة لكثير من المحللين والمتابعين. خصوصا وأن هذه الميلشيات كانت تمثل هدرا لاقتصاد الدولة العراقية، من خلال شبكات تهريب النفط وتهريب المواد الأخرى، والعصابات الجرمية التي تحميها، وتسهل أعمالها غير القانونية. عوضا عن المجازر التي ارتكبها جيش المهدي، بحسب تقارير للجيش الأمريكي، اتهمت 'جيش المهدي' بشكل صريح بجرائم التطهير العرقي للمكون السني، خلال الأعوام 2007-2008، بعد أحداث سامراء وتفجير مرقدي الإمامين العسكريين.

ثمة من يرى أن عملية صولة الفرسان، ساهمت بشكل كبير في تحول التيار الصدري وزعيمه، نحو العمل السلمي وممارسة السياسة، مرغم لا راغب، إذ أن حالة الانفلات الأمني التي كانت تعيش فيها محافظات جنوب العراق، وسيطرة ميليشيات جيش المهدي على مواردها الاقتصادية، شكلت ما يمكن تسميته بحلم 'دولة الصدر'، ويمكن أن نرى ذلك ماثلا في خطابات الصدر وتعلقه بهذا الحلم الذي سعى له ولم يصرح به علانية.

في وقت ما، بعد صولة الفرسان، هناك من أشار على الصدر بأن يتخذ مسار العمل السلمي، ويؤسس لتياره أرضية سياسية، مستفيدا من نظرة الشارع له كبطل مقاوم يستطيع تحريك الشارع وحشده العصابات ضد الدولة في أي وقت. ومن الطبيعي جدا أن يُفتن الشارع العربي بالقوة ومالكها، حيث يقول روبرت جيزم، أستاذ علم الاجتماع في جامعة جورجيا، 'العقل العربي اسير من يمتلك القوة، حتى أن قصص الفتوات وقطاع الطرق، تلقى رواجا شعبيا لدى العامة'. والصدر يعلم كيف يستطيع أن يؤثر بالجماهير ويحرك مشاعرها، من خلال استخدامه لحضوره وكلماته المنمقة التي تحاكي روح العصيان في العقل الجمعي.

المهم في أن مسارات الصدر الشخصية والنفسية والسياسية متقاطعة في نقطة واحدة، تتمثل في قدرة الصدر على استخدام الفوضى باسم الشعب. ولن يتوانى الصدر عن انتهاز أي فرصة ممكنة لشرعنة عسكرة تياره. والكل يذكر تشكيله ميليشيا مسلحة عرفت باسم 'سرايا السلام' في العام 2014، بهدف حماية المراقد الشيعية المقدسة من تنظيم داعش، ليرسل رسالة إلى العامة مفادها أن 'الحكومة لا تستطيع حماية تراثكم، وأنا أستطيع'، فسماحته لا يمكن أن يضيع هذه الفرصة ولا يستفيد منها شعبياً.

إن نتائج الانتخابات البرلمانية لا تعكس بأي شكل من الأشكال ارتفاع شعبية الصدر، بحكم أن كتلة سائرون حصدت ٥٤ مقعدا. حيث أن عدد مقاعد التيار الصدري جاءت وفق المتوقع. وكان الفضل للتيارات السياسية الأخرى المتحالفة مع سائرون. وهنا وعلى ذكر الانتخابات والاحتفالات بالنتائج، كلنا نذكر عصابات الصدر المسلحة وميليشياته كيف أشعلت الأجواء بإطلاق العيارات النارية في بغداد وفي النجف وفي البصرة، وعطلت الشوارع بالمواكب وازعاج الناس. وبرأيي هذا ليس احتفالا بقدر ما هي فرصة مهمة يريد الصدر انتهازها لاستعراض قوته.

برغم التحولات التي يقودها سماحة السيد الصدر، نحو العمل السياسي، والتحالف مع المكونات العراقية الأخرى. وهذا أمر صحي نرحب به كعراقيين، لكنني مقتنع أن هذا الرجل مسكون بهاجس القوة والتحكم والسيطرة على الدولة، وإذا لم يستطع ذلك من خلال تشكيل الحكومة القادمة، ستكون معارضته للحكومة من خلال حشد الآلاف الأشخاص وتعطيل الحياة السياسية، باسم القانون وباسم المعارضة الوطنية.

تابعوا القبة نيوز على
 
جميع الحقوق محفوظة للقبة نيوز © 2023
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( القبة نيوز )
 
تصميم و تطوير