هندسة الصراع من جديد.. كيف تحارب إسرائيل بلا جنود؟

القبة نيوز - على أنقاض المباني المدمرة في غزة، تُختَبر فلسفة عسكرية جديدة تمسح بظلالها على مستقبل الصراع في المنطقة. إسرائيل تعيد ترتيب أوراقها في مشهد معقد، حيث تتحول البنوك وشاشات الكمبيوتر إلى ساحات قتال بديلة، في تحول استراتيجي يقلب مفاهيم الحرب التقليدية رأساً على عقب.
استراتيجية التفويض: نموذج الحرب الجديد
لم تعد الدبابات والطائرات هي الأدوات الوحيدة للحرب، فإسرائيل تتبنى مفهوماً ثورياً يقوم على "تفويض الصراع" لجهات غير عسكرية. هذه الاستراتيجية المتعددة الأبعاد تمزج بين القوة الناعمة والصلبة، مستفيدةً من دروس الحروب السابقة التي أثبتت محدودية الحلول العسكرية التقليدية في تحقيق نصر حاسم.
الحرب الاقتصادية: سلاح الإفقار المنظم
في أحد أكثر المشاهد إثارة للقلق، تحولت المؤسسات المالية إلى جبهة جديدة للمواجهة. تقود إسرائيل حملة منهجية لخنق الاقتصاد في غزة عبر حصار مالي محكم يستهدف البنى التحتية المصرفية والتدفقات النقدية. هذه الاستراتيجية لا تهدف فقط إلى تجفيف مصادر التمويل، بل تسعى إلى تحطيم قدرة القطاع على الصمود عبر إضعاف مقومات الحياة الأساسية، مما يخلق واقعاً اقتصادياً هشاً يخدم الأهداف السياسية الطويلة المدى.
الثورة التكنولوجية: جيش من الأصفار والواحد
أصبح الذكاء الاصطناعي والفضاء الإلكتروني ساحة حرب خفية، حيث تطور إسرائيل أنظمة مراقبة محوسبة تغطي كل زاوية في القطاع. هذه الأنظمة المتطورة لا تقتصر على التعرف على الوجوه وتحليل البيانات فحسب، بل تمتد إلى حروب إلكترونية معقدة تستهدف البنى التحتية الرقمية وشبكات الاتصال. التكنولوجيا هنا لم تعد مجرد أداة مساعدة، بل تحولت إلى سلاح استراتيجي قادر على إدارة الصراع بدقة وكفاءة غير مسبوقة.
إعادة التشكيل الديموغرافي: هندسة بشرية منهجية
وراء الضجيج الإعلامي، تعمل آلة ديموغرافية هادئة على إعادة رسم الخريطة البشرية للقطاع. تستخدم إسرائيل وسائل متطورة لتفكيك النسيج الاجتماعي وتحويل المناطق المأهولة إلى كانتونات منعزلة. هذه الاستراتيجية تعتمد على خلق حقائق جغرافية جديدة تعيق أي محاولة لبناء كيان مستقل، مستخدمة في ذلك أدوات تتراوح بين التخطيط العمراني المتقدم والضغوط المعيشية المحسوبة.
العزلة الدبلوماسية: حرب الغرف المغلقة
في كواليس السياسة الدولية، تخوض إسرائيل معركة دبلوماسية شرسة لعزل غزة عن محيطها الإقليمي والدولي. تعمل عبر قنوات متعددة لتحييد دور المؤسسات الدولية وإضعاف الشبكات الدبلوماسية الداعمة، في محاولة لحرمان القطاع من أي ظهير سياسي أو قانوني يمكن أن يشكل ضماناً لمستقبله.
التداعيات والآفاق: صراع بلا نهاية مرئية
هذا التحول الاستراتيجي يحمل في طياته تداعيات عميقة تهدد بتحويل الصراع من مواجهة مفتوحة إلى حرب استنزاف خفية لا تحدد لها نهاية. تعقيدات هذه الاستراتيجية الجديدة تجعل من عملية إعادة الإعمار مهمة شبه مستحيلة، كما تهدد بتحويل غزة إلى كيان غير قابل للحياة على المدى الطويل.
ردود الفعل الدولية: صمت مشبوه وتحذيرات خافتة
رغم خطورة هذا التحول، فإن ردود الفعل الدولية تتراوح بين الصمت المشبوه والتحذيرات الخافتة. بعض المراقبين يرون في هذا الصمت تفويضاً ضمنياً للاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة، بينما يحذر آخرون من أن هذه الأساليب قد تفتح الباب أمام تحول جذري في مفهوم الحرب العادلة، مما قد يشكل سابقة خطيرة في القانون الدولي.
تحليل الخبراء: رؤى متقاطعة وآفاق مجهولة
يختلف الخبراء في تقييم هذه الاستراتيجية، فبينما يرى بعضهم أنها تمثل تقدماً نوعياً في فنون الحرب، يحذر آخرون من أنها قد تقود إلى حالة من عدم الاستقرار المزمن. الخطر الأكبر يتمثل في تحول الصراع إلى مواجهة غير متماثلة يصعب فيها تحديد الخطوط الحمراء أو تحقيق نصر حاسم لأي من الأطراف.